باتت المواقف الخليجية عموما والسعودية خصوصا من الملف اللبناني نادرة جدا كي لا نقول معدومة. هذا الصمت، إن دل الى شيء، فإلى سقوط بيروت من اهتمامات دول مجلس التعاون، غير الراضية عن مسار الامور لدينا، لا استراتيجيا وسياسيا، لناحية سقوط الدولة كلّها تحت سيطرة حزب الله الذي يكرّسها لخدمة راعيته الاقليمية ايران، العدو الاول للخليج، ولا اقتصاديا وماليا، حيث الفساد ينخر كل شيء، وفق ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”.
آخر هذه المواقف القليلة سجل أمس وجاء في كلمات قليلة، لكن مثقلة بالرسائل والمعاني. فقد قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بن عبدالله، لقناة “العربية”، إنّ “لبنان يمتلك مقومات للنجاح لكنه يحتاج للإصلاح، ولن يزدهر بلا إصلاح سياسي ونبذ ميليشيات حزب الله”.
الرجل اكد ان لبنان قادر على ان يقوم من محنته، وفي هذا الكلام رسالة معنوية قوية للبنان شعبا، حيث تعطيه املا بأن قيامه من الورطة التي يتخبّط فيها اليوم ليس صعبا، بل يحتاج الى قرار. وهنا الرسالة الثانية الموجهة الى لبنان الدولة. فالطابة في ملعبها، وهذا ما أبلغها به بن فرحان أمس. العرب ينتظرون وجاهزون للعودة الى لعب دور المنقذ والسند والصديق والاخ، وهو دورهم التاريخي في بيروت، شرط ان يبادر اهل الحكم الى خطوات ملموسة تشجّعهم على العودة، وقد سهّل عليهم المهمة أكثر، بتحديده العلل التي يجب ان ينكبّوا على اصلاحها: الاقتصاد والسيادة.
على الصعيد الاول، يريد العرب، حكومة من اختصاصيين خارجة عن سيطرة الاحزاب كلّها، تعمل على مكافحة الفساد بالتعاون مع صندوق النقد والجهات المعنية دوليا، بإنقاذ دول منهارة، كما هي حال لبنان اليوم. وهم – اي الخليجيون – لن يرضوا عن تشكيل حكومة سياسية او تكنو-سياسية يديرها اركان المنظومة، وعلى رأسهم حزب الله، شبيهة بحكومة حسان دياب مثلا، لأن أداءها سيكون كأداء كل الحكومات السابقة. فهل ستحث هذه الدعوة الصريحة الرئيس المكلف سعد الحريري على التمسك اكثر بحكومة تلاقي جوهر المبادرة الفرنسية، وهو موقفه حتى الساعة، أم يمكن ان يتراجع ويوافق على تكنو-سياسية، في خطوة ناقصة قد تبعد العرب والدول المانحة كلّها عن لبنان؟
اما الاصلاح الثاني، الذي يريده الخليجيون، فسيادي، عنوانه إخراج لبنان من تحت الهيمنة الايرانية وإعادته الى الحضن العربي. وهذا يعني تصدّي الدولة اللبنانية فعلا لا قولا لوجود حزب الله وعناصره في الميادين العربية كلّها، اضافة الى تصدّيها لتحويل لبنان منصّة لصواريخ ايران التي يمكن ان تنطلق وتتحرك في اي اتجاه، متى تأمر طهران، لا الدولة اللبنانية. كما يطالب العرب والخليجيون بتقيّد جدي بسياسة النأي بالنفس.
فهل تتجاوب المنظومة وتباشر السير وفق خريطة الطريق التي حددها لنا العالم كلّه، وليس فقط المملكة، لتهبّ الى نجدة لبنان واللبنانيين، أم تبقى مستسلمة لحزب الله سياديا، وغارقة في خلافاتها حكوميا، مولية الاولوية لحصصها والاحجام على حساب مكافحة الفساد، فتتركنا وحيدين تبتلعنا وحول الازمة الاقتصادية الصحية القاتلة؟