ليا القزي – الأخبار
ثمّة إجماع لدى كلّ دوائر القرار المالية العالمية على انهيار القطاع المصرفي اللبناني، وضرورة إعادة هيكلته ليتمكّن من لعب دور فعّال في الاقتصاد المحلي. لا ينكر هذا الواقع سوى رياض سلامة وأصحاب المصارف، المُستمرين في «تركيب الطرابيش» ليُحاولوا إنقاذ أنفسهم شكلياً عن طريق الغشّ في موازناتهم، والإيحاء بالتزامهم الإيفاء بالشروط المطلوبة منهم. وكما دائماً، تُستخدم أموال المودعين لإطفاء خسائر تسبّب بها أصحاب المصارف وكبار المُساهمين فيها
رُكنا القطاع المصرفي في لبنان، المُدركان لحجم الخسائر التي تُثقل محافظهما، يتمسكّان بالطُّرق التقليدية التي اعتادا على استخدامها لسدّ العجز في حساباتهما: استخدام أموال المودعين والقيام بـ«هندسات» تؤدّي إلى مضاعفة أموالهما. وقد أُضيف بعد تشرين الأول 2019، أداة مالية جديدة تُستخدم لـ«الغشّ»، وهي العُملة الوهمية المُسماة «دولار لبناني» أي ذاك المُحتجز لدى «المركزي» وبقية المصارف. فالدولارات التي يُريد مصرف لبنان بيعها للمصارف حتّى تُكوّن المؤونات هي عملياً أموالٌ وهمية، سيتم نقلها على الشاشة من مصرف لبنان إلى المصارف، من دون أي تكون لها قيمة الدولار الحقيقي، ما ينسف أصل الهدف من وجود مؤونات كضمانة لسندات اليوروبوندز المشكوك في تحصيلها. المؤونات هي أشبه بـ«القجّة» التي تُجمع فيها أموالٌ و«تُنسَى». تقوم أي مؤسسة بتكوين المؤونات مقابل إمكانية حدوث خسائر مُستقبلية على ديون أو أصولٍ. وكان مصرف لبنان قد طلب من المصارف الحاملة لـ«اليوروبوندز» تكوين مؤونات بنسبة 45% (وطلب أيضاً مؤونات بـ1.89% على شهادات الإيداع بالليرة). علماً أنّ شركات التدقيق المالي تعتبر أنّ المؤونات على «اليوروبوندز» يجب ألا تقلّ عن الـ80%، بسبب تدنّي سعر السند في السوق، ووجود شكوك في تحصيله.
الاتفاق بين مصرف لبنان والمصارف يعني أنّ «الشريكين» ينويان مُمارسة خداع مُحاسبي، يُتيح تسجيل أرقامٍ غير واقعية في «دفتر الحسابات»، للإيحاء بالالتزام بتأمين الضمانات على سندات «اليوروبوندز»، فيما هما يقومان بتركيب «الطرابيش». وقد وافق سلامة على أن يبيع المصارف دولارات تصل إلى نسبة 30% من مجموع الـ45% المطلوب تشكيلها، أي ما يُقارب المليار و650 مليون دولار من مجموع 5 مليارات دولار. مثلاً، المصرف المُحتاج إلى 100 مليون دولار لتغطية «يوروبوندز» بقيمة 220 مليون دولار، سيبيعه مصرف لبنان 30 مليون دولار وهمي. وهذا القرار اتُّخذ بعد إثارة المصارف للمخاطر في تبدّلات سعر السوق، وستتحملها في حال كوّنت مؤونات (بالليرة) بغير عُملة السند (الدولار). وتأتي لجنة الرقابة على المصارف لـ«تُكمّل» عمل سلامة، فتُجيز للمصارف بتقسيط المؤونات الواجب تكوينها على سندات الدين وشهادات الإيداع والقروض المشكوك بتحصيلها، على فترات زمنية تُراوح بين 5 و10 سنوات، وفقاً لحالة كلّ مصرف… أو «حظوته». فيُنقل عن أعضاء في اللجنة أنّ «تقسيط المؤونات» يتمّ بطريقة استنسابية وخارج أي معايير.
الدولارات سيأخذها «المركزي» من توظيفات المصارف لديه، أي أموال المودعين
الدولارات سيأخذها «المركزي» من توظيفات المصارف لديه (أي أموال المودعين)، وكانت تحصل لقاءَها على فوائد عالية. استمر مصرف لبنان في دفع الفوائد للمصارف، حتى بعد أن توقّفت هي عن دفع فوائد على ودائع الناس، ما سمح للمصارف بتسجيل واردات دفترية تُفيد التقديرات بأنّها 5 مليارات دولار. ولكن إذا طلبت المصارف «كَسر» توظيفاتها لدى البنك المركزي، فسيؤدّي ذلك إلى «خسارتها» للفوائد السنوية عليها، مقابل بيعها دولارات دفترية تسجّلها كمؤونات. النتيجة تكون «تخلّص» مصرف لبنان من بعض مطلوباته وتوقّفه عن دفع جزء من الفوائد، فيما المصارف سجّلت أنّها غطّت خسائرها بالدولار. هل من طرف خاسر بينهما؟ تقول مصادر مصرفية إنّه «يُفترض في الحالات الطبيعية أن تضخّ المصارف من أموالها الخاصة لتكوين مؤونات. ولكن طالما أنّها لم تمدّ يدها إلى جيبها، ومصرف لبنان ارتاح من أعباء مُعينة، وسُوّيت حسابات شكلية، فلا أحد منهما خاسر». الضرر الأكبر سيُلقى على كاهل المودعين الذين تُستخدم أموالهم مرّة جديدة لمحاولة انتشال المصارف، دفترياً، وعلى الليرة الوطنية التي ستنهار أكثر مع ارتفاع التضخم، في حال قرّر رياض سلامة إعادة شراء الدولارات من المصارف، وتأمين ربح لها، بما لا يقلّ عن 2400 ليرة لكلّ دولار.