زياد عيتاني – اساس ميديا
يقاتل الرئيس نبيه برّي كمغوار شابّ تخرّج حديثاً من المدرسة الحربية… ما إن وضع بندقية المواجهة مع العدوّ الإسرائيلي مطمئنّاً إلى قرار وقف إطلاق النار طالباً من ناسه العودة إلى قراهم ومنازلهم، امتشق بندقيّته السياسية في معركة رئاسة الجمهورية. ولأنّه “النبيه” يحاول أن يسبق الجميع بخطوة أو خطوتين.
في غمرة القصف الإسرائيلي برّاً وجوّاً وأخبار التغلغل الميداني في قرى الحافة الحدودية لم ينسَ “سيّد عين التينة” المعركة الرئاسية. كان حريصاً عند استقباله كلّ زائر أو عبر تسريب بعض الجمل تحت عنوان مصادر خلال الشهرين الفائتين، أن يقول مشدّداً إنّه سيحدّد موعداً لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية فور إعلان وقف إطلاق النار.
معركة ثلاثيّة الأبعاد
لم يرِد الرئيس برّي أن تفتتح معركة رئاسة من خارج جلبابه. حدّد ثلاثة أبعاد بالمباشر وغير المباشر، راسماً خارطة طريق لما يمكن أن يحصل في هذا المسار:
1- حدّد بعد ساعات قليلة من وصول جان إيف لودريان إلى بيروت مواصفات الرئيس العتيد الذي يحتاج إليه لبنان في هذه المرحلة الدقيقة. ليست هناك وجهة واحدة عند الرئيس بري، فكلّ خطاب من خطاباته له فيه مآرب كثيرة. خطابه الأوّل بعد إعلان وقف إطلاق النار حدّد فيه سقف مواصفات عملية البحث التي سيجريها جان إيف لودريان للوصول إلى اسم رئيس الجمهورية، فقال: “اللحظة هي امتحان لكلّ لبناني، للشيعي قبل أيّ لبناني آخر. هي امتحان لكلّ اللبنانيين لأيّ طائفة انتموا. هي امتحان كيف ننقذ لبنان؟ كيف نبنيه؟ وكيف نعيد الحياة إلى مؤسّساته الدستورية وفي مقدَّمها الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية لا يكون تحدّياً لأحد ويجمع ولا يفرّق…”.
بدأ جان إيف لودريان، المبعوث الرئاسي الفرنسي البحث عن رئيس للجمهورية. بداية لمهمّة تبدّلت في الشكل والمضمون عن كلّ زياراته السابقة للبنان
2- حملت المواجهة التي أشيعت ثم تمّ نفيها خلال الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء بين وزراء أحد طرفَي الثنائي الشيعي، أي “الحزب”، وقائد الجيش العماد جوزف عون، التي أدّت بالنهاية إلى أن يعمد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى الطلب من العماد عون مغادرة الجلسة لأنّه وفقاً لوزراء “الحزب” هو معنيّ بالنقاش التقني وليس السياسي… رسالة واضحة من الثنائي الشيعي بأنّ العماد جوزف عون ليس في موقع أو له مواصفات التوافق والاتفاق والثقة السياسية، وما بين الإشاعة والنفي ألف إشارة وإشارة.
3- ما كاد ينطلق لودريان بجولته اللبنانية حتى حدّد الرئيس نبيه برّي موعداً لانتخاب رئيس للجمهورية في 9 كانون الثاني 2025، أي في الشوط الأخير لمهلة الستّين يوماً الواردة في قرار وقف إطلاق النار، واللبيب من الإشارة يفهم. اكتملت عدّة المعركة وفقاً لسقف عين التينة وليس أيّ سقف آخر داخلي أو خارجي. وكما يُقال، “وعلى ذلك فليتنافس المتنافسون…”.
لودريان الجديد
بدأ جان إيف لودريان، المبعوث الرئاسي الفرنسي البحث عن رئيس للجمهورية. بداية لمهمّة تبدّلت في الشكل والمضمون عن كلّ زياراته السابقة للبنان.
بري
في الشكل، لا يقارب لودريان الملفّ الرئاسي من زاوية اللجنة الخماسية بقدر ما يقاربه من بيان التفاهم المشترك الأميركي الفرنسي الذي أعلن وقف إطلاق النار. وكما توجد بين الأميركي والإسرائيلي ورقة ضمانات، يوجد بين فرنسا والسلطة في لبنان المتمثّلة بالرئيس نبيه برّي ونجيب ميقاتي تفاهم، وإن لم يكتب على ورقة، بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية فور إعلان وقف إطلاق النار، وهو ما أكّده الرئيس نبيه بري في أكثر من مناسبة.
لم يرِد الرئيس برّي أن تفتتح معركة رئاسة من خارج جلبابه. حدّد ثلاثة أبعاد بالمباشر وغير المباشر، راسماً خارطة طريق لما يمكن أن يحصل
في المضمون، لا تحمل حقيبة لودريان أيّ اسم رئاسي. الدول المعنيّة بالملفّ، غربية وعربية، انكفأت جميعها خلف الموقف السعودي الرافض للدخول في بورصة الأسماء التي يعتبرها محرقة مشوّهة للأدوار ولهيبة الدول ولسيادة لبنان.
يدور بحث لودريان حول المهمّة المنوطة بالرئيس الواجب انتخابه للمرحلة المقبلة، وهو أمر لا يمكن أن يحدّده غير اللبنانيين، كما يؤكّد أكثر من طرف في اللجنة الخماسية.
قال أحد سفراء الخماسية في جلسة خاصة قبل أشهر قليلة من اندلاع الحرب على الحدود الجنوبية: “كلّ الأسماء التي تمّ تداولها هي خارج السياق لأنّ صفة المرشّح التوافقي سقطت عنها”. واستطرد قائلاً: “هناك طاقات لبنانية مارونية ممتازة في الداخل والخارج. لا مشكلة كبيرة باسم الرئيس. هذا شأن لبناني، وعلى اللبنانيين أن يحدّدوا أولويّاتهم”.