الان سركيس – نداء الوطن
تفتح المملكة العربية السعودية صفحة جديدة من العلاقات مع لبنان، ممرّها هذه المرّة البطريركية المارونية، في عودة إلى سياسة الإنفتاح وتثبيت سياسة “المملكة مع كل لبنان”.
يحاول البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ملء الفراغ الذي يسبّبه غياب الحكومة وأجهزة الدولة، متسلّحاً بدعم شعبي من كل الطوائف والمناطق، وهو الذي يخوض معركة منع تغيير وجه لبنان وضرب علاقاته مع الدول العربية والغربية.
وكان الإحتفال بمناسبة صدور كتاب “علاقة البطريركية المارونية بالمملكة العربية السعودية” للآباتي انطوان ضو الأنطوني في بكركي، والذي حضره السفير السعودي وليد بخاري، مناسبةً لإظهار حجم ودور بكركي الوطني والخارجي، فكلمة سيّد الصرح كانت واضحة في التأكيد على تاريخ العلاقات المارونية – السعودية، والتي أسّست للعلاقات اللبنانية – السعودية المميزة، وفي رفض إستغلال اللبنانيين لضرب أمن أي دولة وعلى رأسها السعودية، والتأكيد على رفض استغلال لبنان من الدول الخارجية. أما بخاري فكان حريصاً على تأكيد عمق العلاقات مع البطريركية المارونية وعدم ترك الشعب اللبناني لوحده والحفاظ على الدستور والميثاق، والأهم عدم السماح لأحد بإخراج هذا البلد من حضنه العربي.
إنتهى الإحتفال وسط أجواء إيجابية تؤكّد فصل علاقات السعودية مع الشعب اللبناني عن علاقاتها مع السلطة الفاسدة ومن يعبث بأمن الخليج، لكن هناك رسائل كثيرة يمكن إستنتاجها على هامش هذا الحدث الكبير.
وأولى تلك الرسائل الغياب الشخصي لكل من الرئيس المكلّف سعد الحريري ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان الموجودَين في بيروت، وحضور الرئيس فؤاد السنيورة شخصياً، وهذا الأمر فيه أكثر من رسالة سياسية، وربّما يبرّر الغضب السعودي المستمرّ على الحريري وعدم فتح أبواب الرياض أمامه، علماً ان هناك كلاماً تردّد عن أن سفارة المملكة إتصلت ببعض الشخصيات، ومنها سنّية طبعاً، للحرص على حضورهم شخصياً، فلو إتصلت بالحريري هل كان ليرفض؟
وفي المعلومات التي حصلت عليها “نداء الوطن”، فإن بخاري يردّد أمام كل من يلتقيهم، وحتى خلال لقاءاته في بكركي أن المرحلة السابقة، أي بعد عام 1990، قد إنتهت من دون رجعة، فعصر الوكالات الحصرية في لبنان ولّى، والمملكة تريد أن تفتح علاقات مباشرةً مع كل المكوّنات اللبنانية وعلى رأسها البطريركية المارونية التي تخوض معركة تحرير لبنان واسترجاع الدولة، وبالتالي فإنها لا تُقفل على أي فريق لبناني، حتى أنها تفصل علاقتها مع الطائفة الشيعية عن خصومتها مع “حزب الله” الذي تعتبره يُنفّذ سياسة إيران.
أما الرسالة الثانية، فهي التأكيد السعودي على عودة العلاقات التاريخية للمملكة مع أصدقائها والحفاظ عليها، وبالتالي فإن هناك إصراراً سعودياً على أن علاقة المملكة بالبطريركية المارونية وبالموارنة تسبق بأشواط علاقتها بالمكوّن السنّي، وهي لم تتعاطَ يوماً من منطلق طائفي مع لبنان، وكل محاولة تصوير أنّ علاقات البطريركية بالسعودية يجب أن تمرّ بـ”السنّي الأقوى” سقطت بعد كل ما يحصل منذ أكثر من 3 سنوات، واحتفال الأمس ثبّت هذه المقولة.
أما الرسالة الثالثة بحسب ما علمت “نداء الوطن” فهي إمكانية إصلاح العلاقات اللبنانية – السعودية عبر بكركي ونشاط الراعي، وليس عبر أي طرف آخر سواء كان سنّياً أو غير سنّي أو أي مسؤول في هذه السلطة الحالية.
وفي التفاصيل، فإن هناك وعداً سعودياً للبطريرك الراعي بأن تتحسّن العلاقة فور عودة الأمور إلى طبيعتها في لبنان، لكن الأهم حالياً هو وضع الجالية اللبنانية في السعودية، وتُبدي هذه الجالية إرتياحها لمواقف الراعي وحركته السريعة لتصليح “خبصات” الوزراء والحكّام.
وتؤكّد المعلومات أيضاً أن الراعي مستعدّ للقيام شخصياً بزيارة جديدة إلى السعودية، لإصلاح العلاقات وحماية مصالح الشعب اللبناني هناك وحماية علاقات البلدين، على رغم أن هذا الأمر من واجبات الدولة الغائبة عن السمع، وهو سيتحرّك في أي وقت عندما تدعو الحاجة.
إنتهى إحتفال بكركي وقالت بكركي كلمتها وأعادت العلاقات التاريخية مع السعودية إلى سابق عهدها، والتي تستعمل لمصلحة البلد وليس لمصلحة الطائفة او الزعيم، وكسرت كل الحواجز وأزاحت كل الوسطاء بعدما أخذ الراعي جرعة دعم من البابا فرنسيس الذي تبنى وجهة نظره ودعمها، في حين أن السعودية أكّدت من الصرح البطريركي إنتهاء الوكالات الحصرية وعودة علاقاتها مع كل اللبنانيين بالتساوي، ووعدت بأنها ستعود إلى سابق عهدها بعد انتهاء هذا الجحيم.