أكد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي “ان طرحنا لمؤتمر دولي جاء لاننا غير قادرين على التفاهم ولا على قيام اي حوار او اتفاق مع بعضنا”، معتبرا ان “ان المجتمع الدولي مسؤول عن عضو فاعل ومؤسس في الامم المتحدة وعليه ان يمد يد المساعدة رسميا وجديا”. ودعا “كل فريق الى وضع ورقة حول مشكلتنا في لبنان لتقديمها ورقة واحدة الى الامم المتحدة”.
كلام الراعي جاء خلال استقباله وفدا من “لقاء سيدة الجبل” و”التجمع الوطني” و”حركة المبادرة الوطنية”، قدم له مذكرة تلاها الدكتور رضوان السيد، وجاء فيها ما يلي:
“أتينا اليوم نحن هذه النخبة من “لقاء سيدة الجبل” و”التجمع الوطني اللبناني” و”حركة المبادرة الوطنية” ومعنا جمهور كبير إلى هذا الصرح الوطني الكبير في بكركي، لتقديم التحية والتأييد لمبادرتكم، بل مبادراتكم الشامخة في سماء الوطن والمنطقة. نحن المواطنين اللبنانيين نعرف شيمكم الشخصية العالية وقد انضويتم في تقليد أسلافكم البطاركة العظام، الذين قادوا وحموا جماعات المؤمنين، ورعوا استقلال هذا الكيان، بوصفه وطنا نهائيا لجميع أبنائه، عربي الهوية والانتماء وحامل رسالة سامية في محيطه وله وللعالم.
سيدي صاحب الغبطة والنيافة،
لقد كنتم وما زلتم، كما هو شان بطاركة بكركي، نموذجا للراعي الصالح يسدد الخطى، ويدعو لرعاية الخير العام بدعوة سائر المسؤولين للتمسك بثوابت لبنان التأسيسية، وتحييده عن لعبة الأمم القاتلة، والعودة إلى المعنى النبيل للسياسية بوصفها فنا راقيا لخدمة الانسان والمواطن لا لخدمة شخص بعينه، كما سبق لكم القول قبل سنوات. وما أزال أذكر إلحاحكم على الشراكة الوطنية، البعيدة عن الاستئثار والتبعية. وعندما رأيتم ما يحدث بخلاف ذلك كله، كأنما نحن محكومون بحكومة عدوة أو أنها تحكم شعبا عدوا، أعلنتم الاعتراض بإسم المواطنين وباسم الوطن، ولا أحد أولى بذلك من بكركي.
صاحب الغبطة والنيافة،
لقد دعوتم إلى تحرير الشرعية، وإلى الحياد، وإلى الإنقاذ الوطني وتباشيره حكومة أخصائيين غير حزبيين. ووصلتم أخيرا للمناداة بمؤتمر دولي لإنقاذ لبنان، يساعد في استعادة الثوابت والأصول وعلى رأسها وثيقة الوفاق الوطني والدستور، وقرارات الشرعية الدولية.
إننا نقف معكم وخلفكم في الدعوة التي نفهمها ونثق بها نداء صادقا ومسؤولا في اتجاهين:
– في اتجاه جميع اللبنانيين، كي يتضامنوا في تحرير الشرعية من تعددية السلاح والاستئثار بالقرار، وحماية الدولة من مصائر الفشل والإفلاس السياسي والمالي والأخلاقي، والإصغاء لصيغة عيشهم المشترك بحماية وثيقة الوفاق الوطني والدستور.
– وفي اتجاه الأسرة الدولية، للوفاء بالتزاماتها تجاه لبنان ومنها تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بسيادة لبنان، لا سيما القرار 1701 الذي نص في مقدمته على استناده إلى مرجعية اتفاق الطائف، فضلا بالطبع عن القانون الدولي.
كيف يقال إنكم تسعون للحرب والتدويل وتجاوز العقد الوطني، وقد صغتم في عظتكم الأخيرة مطلبكم في جملة هي فصل الخطاب: “نريد مؤتمرا دوليا خاصا بلبنان، لحماية وثيقة وفاقنا الوطني ودولتنا الواحدة السيدة المستقلة”.
نعم لجبهة وطنية عريضة لتحرير الشرعية، والحياد الإيجابي، والمؤتمر الدولي من أجل الطائف والدستور وقرارات الشرعية الدولية من أجل لبنان.
دمتم يا صاحب الغبطة والنيافة للبنان الذي ينهض بهمتكم وهمم كل الوطنيين المخلصين”.
وقد ضم الوفد: أحمد فتفت، إدمون رباط، أسعد بشارة، أمين بشير، أنطوان قسيس، ايلي الحاج، ايلي القصيفي، ايلي كريللس، أيمن جزيني، أحمد الأيوبي، أنطوان إندراوس، بدر عبيد، بديع سنو، بهجت سلامة، بول منير، جورج كلاس، جوزف كرم، حامد الدقدوقي، حسن عبود، حسان قطب، حسين عطايا، خليل طوبيا، راويه حشمي، رلى دندشلي، رضوان السيد، رودريك نوفل، زياد عيتاني، زياد الغوش، سامي شمعون، سوزي زيادة، سيرج بوغاريوس، سيمون جورج كرم، شربل عازار، طوني حبيب، عادل جابر، عامر أرناؤوط، عبد الرحمن المبشر، علي حماده، عطالله وهبه، فادي أنطوان كرم، فارس سعيد، فجر محمد ياسين، فؤاد مكحل، قاسم يوسف، كمال الذوقي، لينا التنير، ماجد كرم، ماجدة الحاج، ماريان رنو، محمد العره، منى فياض، مياد حيدر، نبيل يزبك، هشام عليوان، هشام قطب.
ورد البطريرك بكلمة رحب فيها بالمشاركين “في هذا اللقاء الجامع”، وقال: “نشكر الجميع الذين شرفونا اليوم، في هذا اللقاء الجامع اليوم يشعر الصرح البطريركي بوطنيته ولبنانيته عندما تشرفونه بهذه الوحدة المتنوعة، لان هذا هو لبنان، واذا لم يكن هكذا فمعناه اننا أضعنا هويتنا”.
واضاف: “ان المواضيع الاساسية التي تفضل بها الدكتور رضوان والتي هي لغة الجميع، اريد ان اتوقف عند نقطتين، لماذا نتحدث عن الحياد وعن مؤتمر دولي. نتكلم عن الحياد لان طبيعة لبنان انه بلد حيادي، كون نظامه تعدديا، اي التعددية الدينية والثقافية، نظامه الانفتاح على كل الدول شرقا وغربا، نظامه ليبرالي، نظام حريات عامة وديموقراطية، وهذا معناه ان لبنان دولة التلاقي والحوار، وهذا اصبح كمكسب تطالب الدول العربية به، وهم الذين يقولون اننا عندما نأتي الى لبنان، نشعر اننا نعيش في وطن الحريات والتلاقي”.
وتابع: “ولان لبنان هكذا ووضعه التاريخي والسياسي والجغرافي يمكن ان يسمح له ان يخوض حروبا لان مساحته صغيرة جدا، نؤكد ان لبنان بطبيعته وجغرافيته ليس للحروب، وفي المرحلة التي مر بها لبنان وتاريخه قبل ان يصبح دولة، لم تحصل فيه اي حروب انما جميع من سكنوه قاموا باتصالات وروابط اقتصادية ومالية وتجارية، واصبح لبنان بحد ذاته وواقعه التاريخي والسياسي والجغرافي جسرا حضاريا وثقافيا بين الشرق والغرب. وكل الدول دخلت الى هذا المشرق من خلال لبنان، لذلك فانه بطبيعته حيادي. عشنا هذا الحياد منذ العام 1920 الى حين بدء الحرب الاهلية في العام 1975، ومر لبنان بعد ذلك باحتلالات وظهور ميليشيات وبتنا نتخبط ولا نزال حتى اليوم”.
وقال: “اذا، نحن نستعيد هويتنا ولسنا بصدد خلق شيء جديد، هذه هي هويتنا اللبنانية عندما كنا نعيش زمن الحياد دون كلمة الحياد، وهذا موجود في كل بيانات الحكومات السابقة، والسياسة الخارجية للبنان هي عدم الانحياز، او الحياد، او التحييد. وكلها مذكورة في البيانات الوزارية. في الفترة ما قبل العام 1975، كان لبنان يعيش الازدهار والتقدم، وخسرنا هذه الامور كلها عندما اصبحنا خارج الحياد، وفرض علينا الا نكون حياديين، في حين اننا لسنا كذلك. وهذا هو السبب الذي من اجله نطالب بالحياد”.
واضاف: “عندما تكون مريضا تذهب الى الطبيب لتطالب باستعادة صحتك وعافيتك. والمؤتمر الدولي برعاية الامم المتحدة لاننا وصلنا وللاسف الى وقت لا نستطيع التفاهم مع بعضنا، وليس هناك من حوار او اتفاق. ولانتخاب رئيس للجمهورية بقينا سنتين ونصف السنة دون رئيس، وكذلك اليوم بالنسبة لتشكيل الحكومة تكرر الامر، ونحن اليوم منذ سنة وأربعة اشهر بدون حكومة فعلية، اي منذ استقالة الرئيس سعد الحريري في 17 تشرين ونحن لا نزال نتخبط. وبعدها تشكلت حكومة الرئيس حسان دياب ولم يعترف بها الا الداخل وليس الخارج، الى حين تقديم استقالتها بعد انفجار المرفأ. وتمت تسمية السفير مصطفى اديب بعد ذلك واعتذر، وكلف الرئيس الحريري كمنقذ وكشخصية، وهو غير قادر على التأليف فماذا نفعل، واين اصبح البلد؟ نحن غير قادرين على التفاهم على اي شيء وغير قادرين حتى على قيام حوار او اي اتفاق، لهذا قلنا ان لبنان عضو مؤسس وملتزم وفاعل في الامم المتحدة وفي جامعة الدول العربية ولا يجب ان نتركه يموت امام انظارنا، لذلك قلنا ان المجتمع الدولي مسؤول عن عضو فاعل ومؤسس وعليه ان يمد يد المساعدة رسميا وجديا، ومن هنا كان طرحنا لمؤتمر دولي”.
ورأى “ان معاناتنا تنطلق من 3 ثوابت، الاولى: وثيقة الوفاق الوطني التي صدرت عن اتفاق الطائف ولا يتم تنفيذها لا روحا ولا نصا. الثانية: الدستور حيث نحن اليوم في مكان والدستور في مكان اخر، وهذا معناه ان هناك شيئا في الدستور اسمه ثغرات يتم تجاوزها والاتفاق عليها، والدليل على ذلك اننا لا نستطيع ان نتفاهم مع بعضنا، وكل ما يجري الخلاف عليه اليوم في الداخل هو بسبب التدخلات الخارجية والداخلية. واليوم، بالنسبة لتأليف الحكومة هناك خلاف على قراءة النص الذي يقول ان رئيس الجمهورية يوقع بالاتفاق مع رئيس الحكومة، وابسط الامور نختلف عليها. وعلينا ان نقول بجرأة ان هذه هي قصتنا بالنسبة لوثيقة الوفاق الوطني وهذه هي الامور التي هي الاساس في مشاكلنا. اما الثالثة فهي الميثاق الوطني الذي حدده اتفاق الطائف، ميثاق العيش معا، وان لبنان هو وطننا النهائي، وهذا يجب ان نعيشه سويا مسلمين ومسيحيين، لا ان نعيشه كشيعي وسني ودرزي وماروني وروم كاثوليك و… العيش المشترك هو بين المسلمين والمسيحيين ويبنون البلد معا” .
ودعا البطريرك الراعي “كل فريق الى وضع ورقة حول مشكلتنا في لبنان لتقديمها ورقة واحدة الى الامم المتحدة من دون الرجوع الى اي دولة للسؤال عن الحل ورأيها به، انما من خلال طرح المشكلة وطلب المساعدة لها”. وقال: “الناس لم يعد باستطاعتها تحمل كل الازمات المالية والاقتصادية والسياسية، لم يصل اي بلد في العالم الى ما وصلنا اليه، لذلك لا نستطيع البقاء مكتوفي الايدي ومشاهدة ابنائنا يعانون الفقر والعوز”.