كلامياً، حرص الحريري عندَ خروجه من اللقاء مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على الإيحاء بأن ثمّة حلحلة ما، قائلاً إن عون «وعدني بأنه سيدرس التشكيلة، وسنعود ونلتقي. الجوّ إيجابي والأمل كبير بتشكيل الحكومة لإعادة إعمار بيروت»، بينما المعلومات تقاطَعت عند أن «التباينات لا تزال على حالها»، إذ أشارت مصادر مطلعة على جوّ اللقاء إلى أن «الحريري سمّى في تشكيلته كل الوزراء المسيحيين، وسمّى وزراء حزب الله من دون أن يسلّمه الحزب الأسماء التي يقترحها للانتقاء منها كما اتفق معه مسبقاً، كما سمّى ديبلوماسياً محسوباً على النائب السابق وليد جنبلاط لتولي الخارجية، رغم أن الأخير أعلن بوضوح رفضه لهذه الوزارة. وحتى عندما أبلغه رئيس الجمهورية بأن لا مانع من إعطاء جنبلاط الصحة أو التربية، بقي مصرّاً على رأيه». و بناءً عليه، تسأل المصادر: «كيف يمكن لمن يريد تأليف حكومة أن يضيف الى الخناقة مع المسيحيين خناقتين أخريين، مع الشيعة والدروز؟». وقالت مصادر أخرى إن «الحريري أعاد حقيبة الداخلية التي يطالب بها عون لتكون من حصة «المستقبل»، على أن يتولاها نقولا الهبر. وخصّص خمسة وزراء مسيحيين ليُسمّيهم عون، و3 وزراء مسيحيين لتيار المردة والحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب الطاشناق»، وهو ما رفضه عون «الذي طرح تشكيلة مضادة، معيداً خلالها توزيع الحقائب والوزارات على الطوائف من دون أن تتضمّن أي اسم». وبينما أوعزَ الحريري إلى «جماعته» بتسريب أجواء تفاؤلية، وغرّد جنبلاط بأنه «بانتظار الدخان الأبيض»، أكدت مصادر بعبدا أن «جو اللقاء كانَ عادياً»، وهو ما عكسه بيان للقصر الجمهوري أشار فيه إلى أن «الرئيس عون اتفقَ مع الحريري على دراسة الاقتراحات المقدمة ومتابعة التشاور لمعالجة الفروقات بين هذه الطروحات».
وفي هذا السياق، أشارت أوساط سياسة بارزة إلى أن «المناخ الذي يغلّف عملية التأليف لا تزال وتيرته بطيئة جداً، وهو أشبه بتقاذف الكرة بينَ طرفين يدرك كل منهما نقاط ضعف الآخر، ولا تزال المبارزة بينهما على أشدها». كما أن المُعطيات الملموسة تُثبِت أن التأليف يستلزِم وقتاً، وأن ما تقدّم به الحريري ليسَ جدياً. وليسَ أدل على ذلِك من أن حزب الله لم يكُن قد سلّم الحريري أي أسماء، على عكس رئيس مجلس النواب نبيه برّي، بينما علمت «الأخبار» أن «اتصالات حصلت أول من أمس بين الحريري والحزب الاشتراكي، جرى فيها تبادل لبعض الأسماء واتفاقا أوليّ على أن يحصل وليد جنبلاط على وزير واحد في الحكومة بحقيبتين هما الخارجية والزراعة».

أعاد الحريري وزارة الداخلية لتكون من حصته وسمّى نقولا الهبر لتوليها

وجدير بالذكر أنه في القصر الجمهوري، اتسمت الأجواء بعد زيارة الحريري الإثنين الماضي ببعض التفاؤل، بعدما بدا أن الرئيس المكلّف عاد الى «الطريق الطبيعي لتأليف الحكومات»، عبر التشاور في الأسماء مع رئيس الجمهورية كشريك كامل في التأليف، لا كمتلقّ لما يريده الرئيس المكلف. هكذا حُدّد الموعد أمس على أساس أن يتسلّم الحريري من رئيس الجمهورية طرحاً متكاملاً يتضمن توزيعاً للحقائب على الطوائف والمذاهب، ووفق قواعد الاختصاص، وهو «يستند الى طرح كان قد قدمه الحريري نفسه سابقاً». هكذا تم الاتفاق على اللقاء أمس لدرس اقتراح عون، والاتفاق على التوزيع، ومن ثم على الأسماء. «إذ لا يمكن أن تطلق على الجنين اسماً إذا لم تكن تعرف بعد إذا ما كان ذكراً أو أنثى». لكن الرئيس المكلف، أمس، أعاد «خبص» الأمور بعضها ببعض، ما يدل على أنه «مستمر في المراوغة». حمل الى بعبدا تشكيلة سمّى كل وزرائها ووزّع حقائبها كما يريد. لا يمكن أن ينطبق توصيف «حكومة الأمر الواقع» على أي شيء بمقدار انطباقه على ما قدّمه الحريري لعون أمس.

الحريري يتخوّف من فتح ملفات فساد تطال بلدية بيروت و«ميدل إيست» و«الإنماء والإعمار»

مِن خارِج قصر بعبدا، كانت الأجواء أكثر تشنّجاً بينَ عون والقوى الأخرى، بسبب فتح ملفات الفساد «الهدف منها هو تصفية الحسابات مع قوى سياسة محددة»، كما تقول أوساطها. وفي هذا الإطار علمت «الأخبار» أن اجتماعات تجري في بيت الوسط وعين التينة وكليمنصو للردّ على هذا الأمر، لكن الحريري هو الأكثر «تخوّفاً» منها بسبب ما نُقِل اليه من إعداد لفتح ملفات تطال بلدية بيروت ومجلس الإنماء والإعمار وشركة «ميدل إيست»، والعديد من المؤسسات التي يديرها محسوبون عليه. حتّى إن بعض محيطه يخشى أن تؤدّي هذه الخطوة إلى إضعاف الحريري ودفعه الى التنازل في موضوع تأليف الحكومة، والتسليم بما يريده عون.