بعيداً من مباراة الانصار الذي كان متوقّعاً ان يعود بفوزٍ كبير من المرداشية على السلام زغرتا، لم تحمل المباريات الخمس الاخرى اكثر من 4 اهداف!

مباراتان لم تشهدا اكثر من هدف، واثنتان لم تعرفا اي هدف، ما جعل الكلام عن انخفاضٍ في المستوى العام امراً طبيعياً، وهو يفرض البحث عن الاسباب الحقيقية التي اوصلت غالبية الفرق الى هذه الحال.
طبعاً، طُرحت مسبقاً علامة استفهام منطقية حول ما يمكن ان تقدّمه الفرق اثر التوقف الطويل عقب الاقفال العام الذي شهدته البلاد، فالغياب عن المنافسات افقد اللاعبين الروح التنافسية، اذ بالكاد كانت الخشونة الناتجة عن الرغبة الجامحة للفوز حاضرة في اكثر من مباراة، وبالكاد ظهر لاعبون قادرون على التأدية بشكلٍ مثالي ضمن الاطار المذكور.
هذا كلّه ليس وليد الصدفة، اذ ان المرحلة السابعة وبإجماع المراقبين سجّلت تراجعاً فنياً، وبدنياً، وذهنياً، وذلك بسبب عوامل اختلطت وأفضت الى نتيجة مشتركة لدى العديد من الفرق، اذ لم تنفع على ما يبدو التمارين والمباريات الوديّة السريّة في الحفاظ على مستوى تركيز اللاعبين أو على فكرة خوضهم بطولة رسمية.
النقطة الاخيرة هي الاساس اذا ما اخذنا بعين الاعتبار ما يعيشه اللاعبون يومياً في ظل الاوضاع المضطربة في البلاد، والتي دفعت البعض الى القول إن كرة القدم تغرد خارج السرب بمجرد تنظيم دوري. لكن مجرد اقامة الموسم فيه الكثير من الايجابية للعبة بدأت تظهر عليها عوارض التوقف لمدة سنة كاملة، وهي المسألة الشائكة التي يحاول الكلّ الخروج منها، ولو ان هذا الامر يبدو صعباً في الموسم الحالي، لكن اقله يمكن وضع الأسس الآن لمشروع الترميم واعادة الاعمار في الموسم المقبل.

حماسة مفقودة
المدير الفني للمنتخب الوطني جمال طه حضر كما هي العادة في أبرز مباريات المرحلة حيث تابعها من المدرجات، وهو في حديثه الى “الأخبار” لم يخفِ صعوبة ما يعيشه الكل على مستوى كرة القدم، وهي مسألة تفرض الصبر ومنح الوقت للعبة من اجل استعادة عافيتها تماماً، انطلاقاً من عافية لاعبيها.
ويقول طه الذي دأب على تسجيل الملاحظات في ما خصّ اللاعبين الدوليين أو الذين ينوي الطلب اليهم الالتحاق بالمنتخب: “يمكن التوقف عند أمرين للاشارة الى اسباب تراجع المستوى عند استئناف البطولة: الاول بدني والثاني ذهني”. ويعقّب: “خرج اللاعبون لفترةٍ من جو المنافسة، ما أفقدهم الحماسة، فوقعوا في صعودٍ وهبوطٍ في المستوى في نفس المباراة. يجب عدم الاستهانة بالعامل النفسي المؤثر على اللاعبين والاجهزة الفنية، وحتى الادارات التي عليها التعامل مع وضعٍ صعب اقتصادياً في البلاد ومع تبعات تفشي “كورونا” وتأمين ما يلزم لإراحة لاعبيها نفسياً بهدف اخراج الافضل منهم”.

تدفع كرة القدم حالياً ضريبة التوقف لسنة كاملة ومن ثم الإقفال العام

كلام طه صحيح الى ابعد الحدود، إذ إن الحديث مع بعض اللاعبين يعكس احساساً بوجود توترٍ في نفوسهم، فهم يتحدثون عن مستقبلٍ غامضٍ وضبابي، لا بل إن بعضهم لم يخفِ قلقه من عدم استمرار فريقه في الموسم المقبل، معتبرين انه لولا المساعدات التي قدّمت الى الفرق لكان بعضها قد اختار الانسحاب من الدوري، إذ إنها تعيش حالاً ربما أسوأ من كل تلك المؤسسات التجارية التي اضطرت الى إغلاق ابوابها بسبب الازمة المالية.

لاعبون مشتّتون
من هنا، يبدو العامل النفسي والذهني هو “المرض” الذي يؤثر سلباً على صحة الجميع، فالراحة الذهنية هي الاساس الذي يفرز عطاءً بدنياً ويفتح المجال لتلقي الافكار الفنية.
نقطةٌ يؤكد عليها المدرب المساعد في المنتخب الوطني وسام خليل، ضارباً المثل بمباراة العهد وشباب الساحل التي تابعها في الملعب. ويقول خليل لـ”الأخبار”: “رغم ان التوقف كان ضرورياً لفريقٍ مثل العهد لاعادة حساباته، فإنه لم يظهر كأنه استفاد من هذه الفترة، أقلّه ذهنياً، اذ بدا مستعجلاً لتسجيل هدف، أي إنه لم يخرج من مشاكل سابقة بدت عليه وتلاقت مع مشاكل فنية فردية لدى لاعبيه”. ويتابع: “غابت الجوانب التقنية عن المباراة، فانخفض مستواها؛ فالساحل مثلاً اكتفى خلال المباراة غالباً بالدفاع عن منطقته”.
وبرأي خليل كانت مباراة “دربي” برج البراجنة بين البرج وجاره شباب البرج افضل تقنياً “انطلاقاً من رغبة الفريقين في الفوز، ما جعل الالتحامات حاضرة والنديّة واقعاً لا مفرّ منه، لكن رغم ذلك كان بالامكان رؤية مستوى اعلى”.
اذاً تدفع كرة القدم في هذه الفترة ضريبة التوقف القسري الطويل قبل انطلاق الموسم الجديد، ومن ثم الاقفال العام، فيتحوّل بعض اللاعبين المشتتين ذهنياً الى مجرد حاضرين في الملعب من دون تأثيرٍ كبير بسبب التأثيرات النفسية التي انعكست عليهم، وهي مسألة حضرت في كل الفرق، بحسب طه: “المستوى دون الوسط في غالبية الفرق، ومنها فرق المقدمة، لكن هذه الاخيرة تستفيد من الفروقات الفردية للاعبين المميزين لديها من هذه الناحية لتحقيق النتائج الايجابية”.
واللافت ان طه لا يبدو متفاجئاً مما يراه على ارض الملعب احياناً، على اعتبار انه لمس وضع اللاعبين نفسياً خلال سفر المنتخب الى دبي اخيراً، واصفاً المشهد العام بكلمتين: “صعب جداً”.
وفي وقتٍ يعتبر فيه خليل ان انخفاض المستوى في النصف الثاني من المرحلة الاولى قد يكون سببه سعي فرقٍ عديدة لعدم الوقوع في أي “دعسة ناقصة” والحصول على مبتغاها بأي شكلٍ لناحية دخول دائرة الستة الاوائل أو الهروب من القاع، لا يمكن اغفال نقطة اخرى ايضاً، وهي ان كل الفرق تأخذ بعين الاعتبار كل مرحلة مقبلة عليها، أمثال النجمة الذي بلا شك اراد من مشواره الى صور العودة بفوز بأقل مجهودٍ ممكن، أو أقل كلفة ممكنة، لكي لا يخسر عناصر قوة لديه قبل موقعته المرتقبة امام الانصار يوم الاحد المقبل.


المنتخب يستعين بالأندية، ولكن…

متابعة المدير الفني لمنتخب لبنان جمال طه ومساعده وسام خليل لم تقتصر على حضور المباريات من المدرجات وتسجيل الملاحظات، إذ إنهما ذهبا الى ابعد من ذلك من خلال طلبهما من بعض اللاعبين ارتداء جهاز تعقّب الحركة لكي يكونا على اطلاع بالارقام الدقيقة حول المجهود الذي يقدّمه كلٌّ منهم على ارض الملعب، والمساحات التي يتحرك كل لاعب فيها. خطوة تطويرية من دون شك تواكب التطوّر العلمي الذي يستعين به المدربون لتحديد خياراتهم من خلال معرفتهم بجاهزية كل لاعب وما يمكن أن يقدّمه خلال المباريات مستقبلاً. لكن المفاجئ كان رفض أحد مدربي فرق الصدارة ارتداء بعض اللاعبين الدوليين للجهاز خلال المباراة الاخيرة لفريقه، رافضاً التعاون بخصوص هذا الموضوع، كما هي الحال في الفرق الاخرى. ولا شك في ان هذا القرار يعتبر خاطئاً من قبل المدرب المعني، لأن اللاعب بمجرد معرفته بأنه سيكون مراقباً من قبل مدرب المنتخب، سيعمد الى تقديم كل ما لديه على ارض الملعب، ما ينعكس افادةً ايجابية على فريقه.
كما يفترض التوقف عند طلب بعض الاندية، بتململ، من الجهاز الفني للمنتخب التنسيق معها في البرنامج المخصص للاعبين عند استدعائهم، رغم أنه كان قد تمّ ابلاغهم سلفاً بأن يوم الإثنين الذي اعتاد اللاعبون التجمّع فيه للواجب الوطني، اقتصر العمل خلاله على تمارين تبريد العضلات وتمديدها لا أكثر، وهو ما لا يتعارض مع البرامج التدريبية المكثفة لمدربي الاندية عشية مباريات كل مرحلة من مراحل الدوري العام.