مريم مجدولين لحام – نداء الوطن
بعد نحو سنتين من استلام “حزب الله” قطاع الصحة، وما رافقه من تراجع على مستوى السياسات الصحية، وتدهور في العملة اللبنانية، وإعلان مصرف لبنان عدم قدرته على الاستمرار بدعم الدواء وما نجم عنه من تخزين، وسوق سوداء للأدوية المقطوعة، وتهريب عبر المطار والمسالك غير الشرعية على حساب ودائع الناس من الإحتياط المركزي، لا يزال ملف “السياسة الدوائية” يقبع في طريق مسدود، والسبب هو، ببساطة، مافيا الأدوية وتسييس الصحة.
وفيما يخضع الدواء للإحتكار والتجارة والاستثمار السياسي، انطلقت مبادرة “الجمهورية القوية” لمعالجة ملف السياسة الدوائية في لبنان، بناء على دراسة مفصّلة مع أطراف معنيين وخبراء محليين ودوليين وإنطلاقاً من رؤية حزب “القوات اللبنانية”، في خطة أعلن أنها تهدف إلى “تخفيض كلفة تغطية الإستيراد بالعملات الأجنبية من المصرف المركزي، والحفاظ على وجود الأدوية الأساسية في السوق بالجودة المطلوبة”.
وليست المرة الأولى التي “يحاول” فيها فريق سياسي “مناطحة” كارتيل الأدوية المحمي من سياسيين آخرين متواطئين، فمنذ عام 1971 اختبر لبنان محاولات عدة لكسر احتكار الأدوية وبدأت مع وزير الصحة السابق إميل بيطار في حكومة الشباب برئاسة صائب سلام، الذي سعى إلى تخفيض أسعار الأدوية وإلغاء المرسوم 34 الذي ينص على الحق الحصري بالإستيراد ويكرس الإحتكارات، فواجهه تجار الأدوية وتوقفوا عن تسليم الأدوية إلى الصيدليات لمحاربة القرار، في طريقة مشابهة لما يقومون به هذه السنة، فاضطر الوزير حينها إلى الطلب من مجلس النواب بوضع قانون معجل مكرر يكسرهم، وعند تعيين الجلسة إمتنع النواب عن الحضور فلم يكتمل النصاب، ما أدى إلى إسقاط محاولته وإستقالة البيطار وعدد كبير من الوزراء.
وبعدها في أواخر الحرب اللبنانية عام 1989، فرضت منظمة الصحة العالمية مكننة الدواء والأسعار للحد من التلاعب، ولكن بسحر ساحر تعطلت الكومبيوترات، وبعدها بسبع سنوات أعيدت محاولة المكننة، فتعطلت الكومبيوترات وبيعت داتا المعلومات ولم يحاسب أحد. أما عام 1999 صدر القرار 90/1 الذي يسمح لأي كان بإستيراد الأدوية شرط ان يكون سعرها أقل 25% من سعر السوق، فاشترت شركات الإحتكار الأدوية المنخفضة السعر وسجلتها حكراً بإسمها في الوزارة إلا أنها لم تطرحها في السوق. فهل سيختلف الوضع اليوم ولبنان على شفير الهاوية أم أنه لا حدود لجشع التجار وتواطؤ المشرّعين؟ وبما أن هناك 11 مستورداً للأدوية يسيطرون على 80% من سوق الدواء هل ستستطيع الخطة مناورة إحتكارهم؟
وفي حديث مع “نداء الوطن”، نبّه نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة الاسبق غسان حاصباني اللبنانيين، أن “سياسة الدعم المفتوحة تستنزف ما تبقى من ودائعهم في المصارف”، ومخطئ من يروج للناس أن “الدولة اليوم تدعم الدواء”، لافتاً الى انه “تتم تغطية استيراد الأدوية من جيوب الناس مباشرة وبما يلامس مليار دولار في السنة من احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية”، وشدد على ان “كل تلك الأموال هي أموال الإدخار أو أموال المودعين وليس دعماً من خزينة الدولة ولا من ديون خارجية ولا من أموال داعمين”. وحذّر من أن “الاستيراد غير المرشّد يتطلب حجماً كبيراً من التمويل ويشجّع على التهريب عبر المسالك غير الشرعية والتخزين في البيوت والمستودعات ويستهلك سريعاً ما تبقى من قدرة على الدعم من الإحتياطي الذي سينفد كلياً خلال فترة وجيزة”، معتبراً أن “استقرار الأمن الدوائي في خطر”.
وشرح النائب فادي سعد لـ”نداء الوطن” أن الخطة المطروحة من قبلهم ترتكز بالدرجة الأولى على “عدم تغطية أي إستيراد لدواء يُصنّع بديل له محليّاً، وتوقيف التغطية عن كل الأدوية المصنفة “بحكم الدواء” وإستمرار التغطية بنسبة 85% على الأدوية الأصيلة التي لا تُصنّع محليّاً أو التي ليس لها بديل، أمّا الأدوية الجنيسية التي لا يمكن تصنيعها محليّاً، يستمر دعمها بنسبة 85% للأدوية المسجلة بأدنى سعر، على أن تكون مصنّعة في أحد البلاد المرجعيّة وتستوفي شروط السلطات الدولية”. وأردف: “من المهم تغطية الأدوية التي تصنّع في لبنان سواء أصيلة أو جنيسية بنسبة 100% للمواد الأوليّة و 85% للمواد التصنيفية التابعة لها، مثل التوليف وإعطاء الأولوية للأصناف المصنّعة محلياً على سواها في أي مناقصة محلية، بهدف وصول تغطية المصانع اللبنانية الى ما لا يقل عن50% من حاجة السوق. كما تشجيع معملين لبنانيين على صناعة الدواء نفسه لتلافي أي نقص في السوق مستقبلاً”. وتابع: “من المهم أن “يُنشأ وبشكل سريع مختبر مركزي مستقل، يُموّل بمساهمات وإشتراكات إلزامية من المؤسسات التي تستفيد من تغطية المصرف المركزي، ويكون مستقلاً عن أي سلطة سياسية وتشرف عليه “الهيئة الناظمة لقطاع الدواء” (LDA) التي يجب أن تُنشأ بأسرع وقت بموجب قانون”.
في السياق نفسه، شددت رئيسة مصلحة الصيادلة الدكتورة ايلان شماس لـ”نداء الوطن” على أهمية دور الصيدلي في “ترشيد استعمال الدواء عامة وتخفيض كلفة الفاتورة الدوائية على الدولة والمريض”، مؤكدة بدورها أنه “لا يمكننا تخويف الناس من رفع الدعم، بل علينا أن نشرح لهم أنه يجب رفع الدعم عن الأدوية التي يمكن استبدالها بأدوية بديلة ذات جودة عالية وكلفة منخفضة، ولا بد من تنظيم القطاع الصحي عبر المكننة وإعتماد المركزية المعلوماتية للملفات الطبيّة وأن يتم تعليق العمل بمادة NS (عدم استبدال الأدوية)”.