أحيا المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى مراسم اليوم العاشر من محرم لهذا العام، في مسجد الصفا – العاملية، والقى نائب رئيس المجلس الشيخ علي الخطيب كلمة جاء فيها: “في هذا اليوم العاشر من شهر محرم حيث نحتفل بذكرى عاشوراء ونتعرض فيه لثورة الامام الحسين وشخصيته وتضحياته وأصحابه، والظروف التي حكمت هذه الثورة التي نتبين منها أهمية هذا الحدث وآثاره ونحاول أن نتعلم منها ونستخلص منها الدروس والعبر ونستفيد منها في حياتنا العامة والخاصة التي تتجاوز أن تكون مقيدة ببعد طائفي أو مناطقي أو مذهبي خاص، وإنما هي ذات أبعاد اجتماعية وإنسانية وأخلاقية. ومن منطلق كونه مسؤولا رساليا يتحسس الواقع الذي تعيشه الجماعة التي ينتمي اليها ويعيش معها ويحمل همها، كان لا بد له من التصدي لمعالجة الخلل الذي تعاني منه والمشكلات التي تواجهها وهو في قمة المسؤولية من موقع العارف والمطلع، وإلا فهو يخون هذه المسؤولية حينما يتواطأ أو يحابي او يسكت جبنا لأنه يخاف على مصالحه اذا كان تحمُل مسؤولية المواجهة تتسبب بالضرر عليه أو على مصالحه، لأن المصلحة العامة والأهداف العامة أهم من مصالحه الشخصية أو الفئوية، ومهما كانت التضحيات عظيمة”.
وتابع: “هذه الاعتبارات هي التي حكمت أن يقوم الامام الحسين بهذه الثورة وأن يقدم هذه التضحيات (ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا، فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما.) فهو حين يطلق هذه الصيحة(ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه) يصور الواقع السائد للأمة أنها أمة لا حراك فيها ولا إحساس يدفعها الى رفض هذا الواقع، فهي أمة ميتة، وهو برفض أن يسكن الى هذا الواقع وأن يتعايش معه فضلا عن أن يكون جزءا منه، بل يرى أن الموت في سبيل تغييره سعادة له، لأنه بموته في هذا السبيل يحيي الأمة ويحمي الناس والجماعة المسؤول عنها والرسالة التي يحملها، بينما يرى الموت في القبول بالواقع الفاسد والتعايش مع الظالمين، فهو يعطي للحياة والموت معنى آخر وبعدا أرقى يدفع الى عدم الرضوخ للأمر الواقع ومواجهته وتغييره، وهو خطاب موجه لجميع الناس تتحمل فيه النخبة مسؤولية خاصة لأنها الأكثر إدراكا للواقع وهي المسؤولة عن توجيه الجمهور الى مسؤولياته، وتدفعه الى مواجهة الفساد وعملية التغيير وعملية الإصلاح. حينما دعا الإمام الحسين الى الاصلاح واطلق ثورته المباركة ماذا قال وبماذا خاطب الناس: (الا ان هؤلاء القوم قد تركوا طاعة الرحمن ولزموا طاعة الشيطان واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وعطلوا الحدود وانا احق من غير) وقال أيضا: ( إن هؤلاء القوم اتخذوا مال الله دولا وعباده خولا). مبينا أسباب نهضته وأنه حق عليه وعلى الامة أن تقف في وجه هذا الانحرافوتعمل على تغييره (أيها الناس من رأى منكم سلطانا جائرا مستحلا لحرام الله ناكثا بعهده مخالفا لسنة رسوله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بقول ولا بفعل كان حقا على الله ان يُدخله مدخله”.وهي حركة إصلاحية موجهة ضد العقلية الحاكمة ضد النظام الحاكم الذي قام على أساس الاستئثار والتسلط واستعباد الناس ومصادرة حرياتهم وقيمهم، واتخاذ مال الله دولا يعتبرها ملكا له وليس من حقهم الاعتراض”.
واضاف: “أطلق الامام حركته بعدما وصل الأمر الى اخذ الشرعية لهذا النهج بأخذ البيعة من الامام الحسين، يزيد كان ما زال في البداية لم تتم البيعة له والخطاب يتجه الى القوم والجماعة جماعة الحكم والنظام، فالمسألة ليست مسألة شخص وإنما نهج الحكم الفاسد والجماعة الفاسدة التي يرأسها يزيد الفاسق الفاجر الذي قال عنه الحسين في تبرير رفضه لبيعة يزيد: (وعلى الإسلام السلام اذا ابتليت الامة براعٍ مثل يزيد)، الذي يريد تحويل الأمة من أمة الخير والصلاح والاصلاح (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) الى أمة خائفة ذليلة مستعبدة مكبلة، سلطة تُقرب الفاسد وتبعد الصالح أو تقتله أو يكون مصيره السجن، سلطة تمارس القتل وقطع الالسن والأيدي والأرجل والصلب. حينما يبتلى الوطن بالفساد فساد الحاكم وفساد النظام وفساد الادارة ويصبح المواطنون نهبا لهؤلاء الفاسدين، تصبح عملية الإصلاح ضرورية يتحمل مسؤوليتها جميع الناس وجميع المواطنين، وعندما يصبح الوطن جماعات وطوائف يستحيل الاصلاح”.
وقال: “هذه وسائل يستخدمها النظام الفاسد والحكام الفاسدون لمنع الاصلاح، تجزئة الوطن الى جماعات ومجموعات مرتبطة بأصحاب المصالح وهي أخطر أوجه الفساد، لأن كل جماعة من هذه الجماعات يتحولون الى حماة للفاسدين وينتهي الوطن. الوطن ليس مساحة جغرافية ولا مأوى ولا مكانا نولد فيه ولا أرضا لها مناخ خاص، بل علاقات انسانية قائمة على أسس صحيحة ذات مضمون سياسي يحفظ الحد الأدنى من الكرامة الانسانية لمواطنيه والحرية السياسية والعقائدية وكفاية العيش والقوة في مواجهة العدو الطامع، وحينما يفقد الانسان واحدا من هذه العناصر ينتهي الوطن وتنتفي الانسانية وتسيطر النزاعات الفردية والعنصرية وينتهي الدور والحماية من العدو ومن المتربصين به شرا، وهذا أخطر اوجه الفساد التي تصيب الأمم والجماعات والاوطان. ما الذي يمكن الفساد في الأمم ويعممه سوى سكوت الناس ودخولهم في منظومة أصحاب المصالح وقبولهم بهذا الواقع والمغريات التي تقدم لهم وعدم إنكارهم ومعارضتهم ورفضهم للخضوع لهذا المنطق الذي يستغل ضعف نفوسهم وحاجتهم والتخلي عن عزتهم وكرامتهم؟.الإمام الحسين واجه هذه الحالة وكثير من نخب المسلمين في الحجاز واليمن والعراق والشام وايران في الفكر والسياسة، هؤلاء الذين حملوا بصدق رسالة الاسلام وهم انتشارها وهم بقائها، النظام كان يمارس في المقابل هذا النوع من التجزئة وافتعال المشكلات بين القبائل والمنافسة بينها على التقرب منه وعلى شراء الضمائر، وكل من يعارض هذه السياسة يتعرض لمنع العطاء او النفي أو القتل، فالدوافع للثورة لم تكن عائلية وإنما اسلامية وانسانية عامة، لأن دار الاسلام لم تكن وطنا للمسلمين وحدهم وإنما لكل من وجد فيها وولد فيها، والذين كانوا مع الامام الحسين كان فيهم العثماني والنصراني وقاتلوا معه واستشهدوا معه. وفي مقاربتنا للنهضة الحسينية في حياتنا العامة، النظام اللبناني أثبت فساده وفشله لأنه يقوم على تقسيم المواطنين الى مجموعات طائفية عنصرية خائفة تندفع لا شعوريا للحافظ على مصالحها الخاصة تمنع من الإصلاح وتسهل الفساد وتمنع الاتفاق حتى على مفهوم المواطنة والسيادة، هذه المنهجية وهذه العقلية أدت الى هذا الانهيار الشامل الذي يساعد الحصار الخارجي لإخضاع لبنان للإرادة الاسرائيلية وتخليه عن أوراق القوة التي يتملكها لصالح العدو الاسرائيلي، وفي مقدمها المقاومة التي استطاعت أن تحرر القسم الاكبر من الاراضي اللبنانية المحتلة وردعته عن ممارسة الاعتداء على سيادته، وهي تمثل اليوم الى جانب الجيش اللبناني واحتضان الشعب اللبناني ورقة القوة التي يمكنه بها أن يستعيد سيطرته على ثرواته البحرية والاستفادة منها للخروج من حالة الحصار والانهيار. ما هي مقومات الوطن والدولة غير الشعب والمؤسسات؟ وماذا تبقى من هذه المقومات؟ المؤسسات فاسدة منهارة، الشعب جائع محاصر من قبل الطغمة الحاكمة، طغمة الاحتكارات هي الحاكم الحقيقي والمسيطر الذي يفرض اراداته على اللبنانيين، هو الذي يفرض شروطه وقوانينه الخاصة والنظام ليس إلا حامٍ لمصالح هذه الطبقة وليس لمصالح الناس، الناس منهوبون تؤكل أموالهم وليس هناك سلطة تحمي حقوقهم، الديمقراطية التي لا تحمي مصالح الناس وكرامة الناس هي ديمقراطية مزيفة مخادعة كاذبة، القضاء مسيس، بعضه فاسد ومطيف وبعضه مقموع، حتى السلطات الأمنية والعسكرية تمنع من تطبيق القانون وحماية البلد وملاحقة العملاء في عملية لإفساد الثقافة الوطنية، المصارف أصبحت عبارة عن صندوق تجمع فيه الأموال لتنهبه هذه المجموعة الحاكمة صاحبة الاحتكارات”.
وقال الخطيب: “الإدارة فاسدة وأصبحت عبارة عن مصيدة لنهب المواطنين لصالح هذه الطبقة الفاسدة، تنشأ الجمعيات من قبل سفارات خارجية تقبض الأموال باسم أصحاب الحاجة والفقراء من اللبنانيين، لا يعلم كيف تستخدم هذه الأموال، الانتخابات عبارة عن تدخلات خارجية ورشاوى، تشترى بها ذمم المواطنين، تستغل بها حاجة المواطنين وجوعهم، فاسدون يطلقون شعارات حماية الفساد الأخلاقي والمطالبة بتشريعات قانونية، ماذا بقي من الوطن، هذا هو النظام اليزيدي لكنه بلبوس الديمقراطية”.
وختم متوجها الى اللبنانيين: “هذا هو واقعنا اليوم، كيف يمكن الخروج من هذا الفساد الشامل؟ كيف يمكن حماية الناس وكراماتهم؟ كيف يمكن ان نطبق القانون وكيف يمكن ان نحمي البلد، طالما بقيت هذه العقلية هي الحاكمة؟ ليس هناك من سبيل سوى الحوار بين اللبنانيين إن كنا نريد ان نبني دولة وان نبني وطن، ان نحافظ على كرامة الانسان، ان نحمي مصالح لبنان، او انكم تختارون الانتحار، من يحمي الفساد لا يناسبه ان يكون هناك قانون، من يريد استباحة المال العام. حمى الله لبنان العزيز وشعبه الطيب من الشرير آمين، واتوجه الى الجمعية الخيرية العاملية بالتحية والاكبار، التي أسست في مسيرتها لهذه المجالس والتزمت الإصلاح والوحدة الوطنية وخطاب التسامح والعيش الواحد ولبنان وطنا نهائيا لبنيه، وأتمنى لها دوام العطاء على هذا الخط”.