عماد الشدياق – اساس ميديا
كلّ زيارة يقوم بها وفد الخزانة الأميركية إلى لبنان تعقبها عقوبات. هذا الأمر بات أقرب إلى العرف في الفترة الأخيرة. إذ أدرجت الخزانة مساء الثلاثاء الماضي على لوائح الإرهاب وتبييض الأموال أفراداً وكيانات مرتبطين بالحرس الثوري الإيراني وجماعة الحوثي والحزب. إلا أنّ الأمر المستجدّ في تلك العقوبات، خصوصاً تلك المتعلّقة بلبنان، هو توسيع هامش العقوبات المذكورة ليطال “عالم” العملات الرقمية. فماذا يقول مصرف لبنان ومصادر مالية وبرلمانية لـ”أساس” عن هذه المستجدّات؟
زار وفد الخزانة الأميركية لبنان قبل أسبوعين، وأجرى سلسلة لقاءات شملت شخصيات سياسية، وتحديداً برلمانية، وكذلك مصرف لبنان. كشف مصدر رفيع في المصرف المركزي لـ”أساس” أنّ الوفد كان مهتمّاً ومتوجّساً من توسّع دائرة “اقتصاد الكاش”. من دون أن يوجّه أصابع الاتّهام إلى القطاع المصرفي هذه المرّة، أو مصرف لبنان. وفد الخزانة الأميركية أسرّ لمن التقاهم في مصرف لبنان في حينه. أنّ عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب تستهدف وسائل أخرى بخلاف القطاع المصرفي. من دون أن يحدّد تلك الوسائل.
لكن لاحقاً، أي أمس الأوّل الثلاثاء، صدر نصّ العقوبات متحدّثاً عن محافظ رقمية ومحاولات تبييض الأموال بواسطة العملات الرقمية.
العملات الرقميّة: صرّاف سوري يموّل الحزب
نصّ العقوبات الذي نشرته الخزانة الأميركية على موقعها الإلكتروني تحدّث بالتفصيل عن تلك العقوبات كاملة. كما خصّ الحزب والجهات المتعاملة معه بفقرة تفيد بأنّ صرّافاً سوريّاً يدعى توفيق محمد سعيد علاو يملك شركة صرافة مقرّها لبنان. واتّهمها بأنّها تقوم بتزويد الحزب بمحافظ رقمية هدفها “تلقّي الأموال من مبيعات السلع التابعة للحرس الثوري الإيراني – فيلق القدس. وكذلك إجراء تحويلات بالعملات الرقمية المشفّرة نيابة عن شركة القاطرجي السوريّة الخاضعة بدورها للعقوبات”.
كشف مصدر رفيع في المصرف المركزي لـ”أساس” أنّ وفد الخزانة الأميركية كان مهتمّاً ومتوجّساً من توسّع دائرة “اقتصاد الكاش”
أضافت الخزانة الأميركية في النصّ المنشور أنّ شركة الصرافة (علاو) “أجرت تحويلات بالعملات الرقمية المشفّرة لمسؤولين مدرجين على العقوبات في الحزب. بما في ذلك محمد جعفر قصير ومحمد قاسم البزال”. كما “قدّمت خدمات مالية لشخص اسمه سعيد الجمل ولشبكته”، مستخدمة في الوقت نفسه “شركتين مقرّهما الكويت”.
الشركتان هما “أوركيديا ريجينال” للتجارة العامّة والمقاولات، و”ماس كوم غروب” للتجارة العامّة والمقاولات. وتقومان بـ”تحويل أموال بغية شراء سلع تدعم شبكة سعيد الجمل”. كما أكدّ نصّ العقوبات أنّ تصنيف علاو سببه اتّهامه بـ”تقديم المساعدة المادّية أو الرعاية أو تقديم الدعم الماليّ أو المادّي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات للحزب أو دعمه”. وذلك بموجب القانون التنفيذي رقم 13224 بصيغته المعدّلة. القاضي بـ”معاقبة كلّ من يقدّم المساعدة المادّية أو الرعاية أو تقديم الدعم المالي أو المادّي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات للحزب أو يدعمه”.
القاطرجي يعود إلى الواجهة
سبق أن أدرجت الخزانة الأميركية على لوائح العقوبات في عام 2018، محمد القاطرجي الرئيس التنفيذي لـ”شركة القاطرجي” المقيم في وسط بيروت بحماية أمنيّة رسميّة. واتّهمته وشركته بـ”نسج علاقات قويّة مع النظام السوري وتسهيل تجارة الوقود بين النظام السوري وتنظيم داعش”. بما في ذلك توفير المنتجات النفطية على الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم.
كما ذكرت الخزانة الأميركية في حينه أنّ القاطرجي “يتمتّع بعلاقة عمل قويّة مع العديد من المسؤولين داخل الحكومة السورية. بما في ذلك العديد من العقود مع وزارة النفط ووزارة التجارة. ويتولّى مسؤولية أنشطة الاستيراد والتصدير في سوريا”. كما يساعد على حدّ قولها في “نقل الأسلحة والذخائر بحجّة استيراد وتصدير الموادّ الغذائية”. وكذلك في “نقل الأسلحة من العراق إلى سوريا، بواسطة الشاحنات التي تمتلكها الشركة”. بالإضافة إلى صفقة تجارية قامت بها في عام 2016 بالنيابة عن الحكومة السورية مع تنظيم “داعش”. وذلك باعتبارها “الوكيل الحصري” لتوفير الإمدادات في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، بما في ذلك النفط والسلع الأخرى.
وفد الخزانة أسرّ لمن التقاهم. أنّ عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب تستهدف وسائل أخرى بخلاف القطاع المصرفي
ما علاقة “الكاش” بالعملات الرقميّة؟
قد يسأل سائل: ما علاقة العملات الرقمية بـ”اقتصاد الكاش” الذي تحاول الخزانة الأميركية مكافحته في لبنان؟ وكيف تستفيد أذرع إيران من العملات الرقمية؟
الجواب أنّ عالم العملات الرقمية لم يعد حكراً على إيران وجماعاتها. بل هو عالم ماليّ موازٍ، بدأ ينشأ في لبنان منذ بداية الأزمة الاقتصادية أو ربّما قبلها. ولاقى اهتماماً بالغاً لدى اللبنانيين بعد أزمة المصارف، وتحوّل إلى وسيلة لتحويل الأموال عبر الحدود . وذلك من خارج رقابة مصرف لبنان وبالتالي العيون الأميركية.
صحيح أنّ هذا القطاع بدأ يخضع تدريجياً لرقابة المصارف المركزية والجهات الرقابية في العالم. ويتمّ التداول به بواسطة المصارف. إلّا أنّ هذا الأمر في لبنان لم يُطبّق بعد، ولا سلطة لمصرف لبنان على هذا القطاع على الإطلاق. إذ يتلقّى اللبنانيون الأموال بواسطة التطبيقات على شكل وحدات تسمّى USDT أو دولارات رقمية.
تلك الدولارات الرقمية (USDT أو غيرها) هي محطة بين الدولارات “الكاش” والعملات الرقمية، ويمكن شراء العملات بواسطتها أو بيع العملات الرقمية من خلال تحويلها إلى USDT.
يمكن تسييل تلك الدولارات الرقمية إلى دولارات “كاش” لدى بعض “الصرّافين الرقميين” (هم غير شرعيين) أو بعض المضاربين. كما يمكن شراؤها بواسطة الدولارات “الكاش”، ويجري تحويلها بدورها إلى حسابات رقمية أخرى في الداخل أو في الخارج، على بعض المنصّات مثل Binance وغيرها. كما يمكن استخدامها كـ”وسيلة دفع” في العديد من الشركات أو المجالات، مثل شراء العقارات أو ريادة الفنادق والمطاعم وشراء السلع. والأمر نفسه يحصل في لبنان لكن على نطاق ضيّق جدّاً وخجول.
إلاّ أنّ العديد من الجهات، متورّطة أو غير متورّطة، تستخدمها اليوم بغير مواضعها. أي بخلاف التداول في العملات الرقمية. جاعلة منها وسيلةً لنقل الأموال عبر الحدود، بدافع تمويل الجماعات الخاضعة للعقوبات أو شراء السلع. ويساعد بعض المغتربين ذويهم في الداخل اللبناني من خلالها.