منير الربيع – المدن
يلزم المسؤولون الإسرائيليون أنفسهم بمواقف وتصريحات إزاء الجبهة اللبنانية، ستضعهم في خانة الإحراج لاحقاً. خصوصاً أنهم يرفعون سقف التصعيد والتهديد ويضعون معادلات تتصل إما بالوصول إلى اتفاق ديبلوماسي وسياسي يعيد الاستقرار إلى الجنوب، وإما بخوض معركة عسكرية واسعة لتكريس هذا الاستقرار.
من ناحية واقعية فإن أقصى ما يمكن الوصول إليه هو العودة إلى 6 تشرين الأول 2023. أي الالتزام الجزئي والملتوي، بناء على اتفاق سياسي، بالقرار 1701. علماً أن وزراء ومسؤولين عسكريين اسرائيليين يؤكدون أن لا عودة إلى ما قبل تشرين الأول.
“ثبات” الحزب
تفتح هذه المواقف المجال أمام الكثير من الخلافات والصراعات الإسرائيلية الداخلية، معطوفة على ضغط شعبي كبير حيال افتقاد قوة الردع الإسرائيلية أمام حزب الله، وإصرار الحزب على الاستمرار في تنفيذ العمليات وإطلاق الصواريخ، بغض النظر عن تأثير ذلك على مسار المعركة في غزة أولاً، وبغض النظر عما إذا كان هذا يؤدي إلى إرساء توازن مع الضربات الإسرائيلية، لا سيما أن الإسرائيليين يعتمدون الشراسة في الرد وفي الضربات الموجهة، ويتقصدون إلحاق الأذى بالكوادر البشرية لدى الحزب.
في المقابل، يلجأ حزب الله إلى الرد على هذه الضربات وفق نوعين من العمليات. الردود النوعية والتي تتصل باختيار هدف إسرائيلي نوعي وتوجيه ضربة له، إما بمسيرات أو بصواريخ دقيقة وتحقيق إصابات مباشرة.. أو الردود الكثيفة، وبالتالي، الاستعاضة عن الضربة النوعية بضربات مكثفة وإمطار ناري، على غرار إطلاق 30 صاروخاً دفعة واحدة وشن أكثر من عشر عمليات في اليوم الواحد، وذلك في سبيل تحقيق التوزان.
احتمالات ثلاثة
قواعد الاشتباك هذه، من شأنها أن تحرج الإسرائيليين أكثر لأن تل أبيب لم تتمكن من إرساء الهدوء أو الاستقرار، ولم تنجح في ممارسة الضغوط على حزب الله لوقف إطلاق النار. بينما يواصل المسؤولون المزايدات على بعضهم البعض حول كيفية التعاطي مع الحزب. وهو ما سيضعهم أمام ثلاثة احتمالات. وفي كل هذه الاحتمالات لن يكون هناك نصر محسوم لأي من الطرفين، إنما العودة إلى توازن الردع أو توازن القوى.
الاحتمال الأول، هو أن تستمر العمليات العسكرية بشكلها الحالي، فتعنف حيناً وتتراجع أحياناً ولكنها تبقى قائمة ومستمرة إلى فترة طويلة، في مشهد يحاكي مرحلة ما قبل تحرير جنوب لبنان عام 2000. حينها، كان جزء من الجنوب يعيش حياته الطبيعية في مقابل معايشة قرى أخرى حالة حرب حقيقية. وفي حينها كان الحزب يخوض مواجهات يومية ضد مواقع الإسرائيليين في الشريط المحتل. مثل هذه الحالة يمكن أن تتكرر وتطول، وقد تتطور لاحقاً لتدفع الحزب إلى رفع شعار جديد لمعركته، في حال لم يتم الوصول إلى اتفاق على وقف إطلاق النار بعد وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وهذا العنوان سيكون إطلاق معركة تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة. هذا مع ابقاء احتمال لجوء الإسرائيليين إلى توسيع هامش المعركة والانتقال من قواعد الإشتباك القائمة إلى قواعد جديدة، خصوصاً أن أي خطأ في الحسابات أو التقديرات أو أي ضربة خاطئة يمكن أن تؤدي إلى تفجير الوضع، فتلجأ بعده اسرائيل إلى تنفيذ تهديداتها بتوسيع المعركة أو شن حرب لا يريدها أي من الأطراف الدولية، من دون أن تنجح هذه الحرب في تحقيق أهدافها المعلنة وتفرض العودة إلى طاولة المفاوضات.
الاحتمال الثاني، هو أن يتم الوصول إلى تكريس الاستقرار في الجنوب مع وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وبنتيجة مساعٍ ديبلوماسية وسياسية على مستوى عال. وهذا سيكون له وجهان، الوجه الأول العودة إلى قواعد اشتباك ما قبل 7 تشرين الاول، أي إلى ما كان يحكم الوضع في الجنوب منذ العام 2006. أما الوجه الثاني فهو استمرار المفاوضات السياسية في سبيل الوصول إلى اتفاق على الانسحاب الإسرائيلي من النقاط 13 والبحث عن حل لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
ولكن هذا لن يكون قادراً على معالجة وضعية الحزب العسكرية في الجنوب، وسيبقي مسألة التوازن العسكري قائمة. وبالتالي، لن يكون قد تحقق شيئاً من التهديدات الإسرائيلية.
أما الاحتمال الثالث، فهو أن يرتبط تغير مسار العمليات العسكرية في قطاع غزة، مع تغيرها على الساحة اللبنانية. والانتقال من مرحلة الحرب وفق قواعد الاشتباك القائمة، إلى حرب أخرى ذات طبيعة أمنية، فتعود اسرائيل إلى تنفيذ عمليات اغتيال أو استهدافات لمواقع عسكرية أو اغتيال شخصيات أمنية على غرار عمليات سابقة، كاغتيال غالب عوالي في العام 2004، أو المهندس حسان اللقيس في العام 2013، أو حتى محاولة اغتيال المسؤول في حركة حماس محمد حمدان في صيدا عام 2018، وتنفيذ عمليات أمنية أخرى كمثل إطلاق مسيرات باتجاه منطقة معوض في الضاحية الجنوبية لبيروت عام 2019. وبذلك تبقي اسرائيل نفسها في حالة حرب عسكرية وأمنية مع لبنان من دون الذهاب إلى توسيع الجبهات. ولكن ذلك سيعني استمرار هذا الواقع الى فترة طويلة، لن يتحقق فيها أي تهديد من التهديدات الإسرائيلية.