رضوان السيد – اساس ميديا
حَفَل الأسبوع الماضي بأربعة خطاباتٍ كبرى لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وللرئيس نبيه بري وللمطارنة الموارنة ولرئيس “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع. وبين تلك الخطابات والبيانات جوامع كبرى، كما أنّ بينها فروقات وافتراقات. الجوامع تتمثّل في الشكوى المُرّة من الأوضاع الراهنة، والمطالبة بتشكيل حكومة، كما تتمثّل في النيل العلنيّ أو الضمنيّ من رئيس الجمهورية:
1- أمّا خطبة المفتي في افتتاح مسجد آل البساتنة في بيروت، فتتميّز بالدفاع عن حسّان دياب باعتبار موقعه رئيساً للحكومة المستقيلة.
2- بينما هاجم الرئيس برّي مقاربة القضاء للجرائم المتّصلة بتفجير المرفأ. لكنّ خطابه في ذكرى الإمام الصدر تميّز بالتفصيل في التذكير بالطائف، وضرورة تطبيقه أو استكماله. كما تميّز بالدفاع عن مجلس النواب ودوره التشريعي والوطني.
3- في حين تميّز بيان المطارنة الموارنة بالدفاع عن الحرّية والاستقلال والسيادة.
على الرئيس ميقاتي أن يعتذر، وأن نذهب معه أو بدونه إلى دار الفتوى لإقرار مقاطعة رئيس الجمهورية، وعدم ترشّح أو ترشيح أيّ سنّيّ لرئاسة الحكومة التَعِسة. الوطن والدولة أهمّ من رئاسة الحكومة
4- وجاء خطاب الدكتور جعجع متعدّد الموضوعات. لكنّ أبرز ما فيه الدفاع عن حريّة القضاء في مسألة جريمة المرفأ أو المصير إلى المطالبة بالتحقيق الدولي. ووضع آماله كلّها في الانتخابات من أجل التغيير، وأعلن للمرّة الأولى ندمه على انتخاب الجنرال عون للرئاسة، وطالب بتقصير مدّته بحيث يجري انتخاب بديلٍ له بعد الانتخابات النيابية في الربيع. إنّما الطريف هو تعليله لماذا أيّد انتخاب عون، فقد فعل ذلك لاعتقاده أنّ عوناً سيعمل على استعادة حقوق المسيحيين للدولة، لكنّه لم يفعل! والذي أراه أنّ هذا هو مكمن الخطل والخطر في رؤية المسيحيين لوثيقة الوفاق الوطني ودستور الطائف. فالمسلمون جميعاً في الطائف ائتمنوا المسيحيين من خلال الرئيس على الدستور، والاستقلال الوطني، وقالوا بإيقاف العدّ والمناصفة، وبقيت المناصب الرئيسية في الدولة للمسيحيين. فما هي الحقوق التي ضاعت؟! وقد كانت قوى 14 آذار تعتقد أنّ الاختلال إنّما جاء من الوجود السوري، وينبغي تطبيق الدستور الكامل بعد الخروج السوري، في حين اعتبر الجنرال عون الخروج السوري فرصة للانقضاض على الطائف، وتعاون مع نصر الله الذي وضعه في الواجهة لمصارعة السُنّة كأنّما هم وحدهم أهل الطائف الظالم. ثمّ انضمّ إلى الجنرال معظم المسيحيين، ومنهم الدكتور جعجع المفروض أنّه سُجِن لأنّه أيّد اتفاق الطائف! فدعْكَ يا دكتور جعجع من هذه الحزازات التي تردّدها باعتقاد أنّها تُكسِبك شعبيّةً كانت لعون وفَقَدها، فلن يحصل المسيحيون ولا المسلمون على أفضل من دستور الطائف ولو نبت الشعر في ألسنتهم. الرئيس الحالي هو الذي ضيّع حقوق اللبنانيين جميعاً، ومنهم المسيحيون، لأنّه تخلّى عن الاستقلال والسيادة، وعن الدستور، وتبغْدَدَ الصهر في الفساد. كان المسلمون يعتقدون أنّ المسيحي على رأس الدولة هو ضمانة لاستقلالها، لكنّ الرجل ضيّع الأمانة والبوصلة ولا يزال.
فلنخرج من هذه المماحكات التي ما عاد شيءٌ منها مفيداً بعدما ضاع كل شيء. بل إنّ تبادل الاتّهامات ما عاد مفيداً أيضاً.
نحن جميعاً متّفقون على أنّ رئيس الجمهورية أضاع وضيَّع، ولا يجوز أن يبقى في منصبه.
ومتّفقون أيضاً على أنّ الرئيس لن يقبل تشكيل حكومةٍ إلاّ من النوع الذي كان يشكّله سعد الحريري أو شُكِّل لحسّان دياب.
بل ونحن متّفقون على أنّ معظم أطراف الطبقة السياسية شاركوا عون وجبران وحزب السلاح، وكلّ البواسل، بدرجاتٍ متفاوتةٍ، في المسؤولية عن الوصول إلى الانهيار الذي نحن فيه، ومن ضمنه تفجير المرفأ وجريمة التليل بعكار، وضياع أموال المودعين بالمصارف، وهلاك الجامعات والمدارس والمستشفيات، والانسدادات في حياة المواطنين الجوعى للغذاء والدواء والمحروقات، والمتهافتين على الهجرة قبل أن ينزل بهم الموت كما نزل بأقرانهم.
التحالف النصراللاويّ – العونيّ هو السبب الرئيس للهلاك، ثمّ تأتي مسؤوليّات الأطراف الأخرى.
وهنا أصل إلى مسؤوليّتنا نحن السُنّة أو مسؤوليّة رؤسائنا الأربعة الذين أتمنّى لهم طول العمر، وأن يزدادوا عدداً وعُدّة ومالاً ونوالاً، أوليسوا من الطبقة إياها ويملكون “حقوقها”؟
ونعم يا دكتور جعجع، حقوق الطبقة، وليس حقوق المسيحيين أو المسلمين: ما هي مسؤوليّتهم؟ منذ أكثر من عام وضعونا في إسار عون الذي يمتصّ لحوم وعظم الواحد منهم حتى يرميه مجرداً عظماً بدون لحم، بحجّة التفاوض في تشكيل الحكومة، فيدفعون إلى شدقيه الفاغرين واحداً آخر منهم أو من أتباعهم إلى أن رموا إليه بالرئيس ميقاتي الضخم.
لقد اعتقدت شخصيّاً أنّ عوناً القادرعلى كلّ شيء لن يستطيع أن يعمل معه كما فعل بالآخرين. لكنّني أعتقد الآن أنّني كنتُ مخطئاً. لقد كانت عنده فرصة أسبوعين ليتدبّر أمر التشكيلة العتيدة مع الرئيس الذي لا يشبع، وها قد مضى شهر وأكثر وما حصل شيء، ولا يزال الفرنسيون يقولون له كما قالوا لسعد الحريري من قبل: “لا تعتذر، هناك أمل!”.
مع الرئيس ميقاتي إن شاء نطلب من الوطنيّين، ومنهم الدكتور جعجع (الذي بدا قريباً لأول مرة)، الذهاب بعد القطيعة باتّجاه عزل رئيس الجمهورية لخروجه على الدستور
لقد قرّرنا نحن أهل السُنّة، ومعنا وطنيّون كثيرون من حاملي شعار “لبنان أوّلاً”، أن نخرج من الحزازات والمرارات والتظلّمات، وأن نمضي باتجاه الحرية، بلا رؤساء ولا مرؤوسين.
على الرئيس ميقاتي أن يعتذر، وأن نذهب معه أو بدونه إلى دار الفتوى لإقرار مقاطعة رئيس الجمهورية، وعدم ترشّح أو ترشيح أيّ سنّيّ لرئاسة الحكومة التَعِسة. الوطن والدولة أهمّ من رئاسة الحكومة. لقد كنّا نحسب أنّ كلّ دولة تحتاج إلى سلطة تنفيذية، لكنّ رئيس جمهورية لبنان يرى الاكتفاء بمجلس “الحرب” الأعلى الذي كانت آخر أوامر الرئيس له تكليف الجيش بغزو عكّار. حتّى حسان دياب المطيع إلى آخر الحدود رماه تحت أقدام القاضي البيطار، الذي قرّر في ما يبدو احتراف الجزارة، لكن بسكّينٍ كليلٍ استعاره من بيتر جرمانوس.
مع الرئيس ميقاتي إن شاء نطلب من الوطنيّين، ومنهم الدكتور جعجع (الذي بدا قريباً لأول مرة)، الذهاب بعد القطيعة باتّجاه عزل رئيس الجمهورية لخروجه على الدستور، وعمله على إفساد العيش المشترك، وتجاهُله السيادة والاستقلال الوطني، وعزله لبنان عن محيطه العربي، وتنكّره لشرعيّاته الدولية والعربية: العرب (المصريون والأردنيون هذه المرة) مهتمون بضروراتنا في الغاز والكهرباء. أما حزب السلاح والرئيس فمهتمون بغمزة أميركا باتجاه إيران والنظام السوري.
قلبي على ولدي وقلب ولدي على الحجر!