ملاك عقيل – اساس ميديا
لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل والضاغط بقوّة في ملفّ المفاوضات قبل دخول دونالد ترامب مجدّداً البيت الأبيض. بتأكيد مصادر مطّلعة ثمّة نقاط كثيرة عالقة في اتفاق وقف إطلاق النار ليس فقط بين إسرائيل والحزب، بل أيضاً بين الإسرائيليين والأميركيين عند نقطة مفصليّة تشهد المصافحة بين إدارة راحلة وإدارة جديدة. لكن لبنانياً، بالتأكيد إحدى أهمّ النقاط وأكثرها حساسيّة بعد وقف إطلاق النار هي مسألة تعزيز انتشار الجيش اللبناني في الجنوب في سياق تطبيق الـ 1701 الذي للمفارقة لا يتحدّث عنه الإسرائيلي ولا يذكره الحزب، ولو بالاسم، في أيّ من خطابات قياداته.
تفيد معطيات “أساس” بأنّه منذ إقرار الحكومة قرار وقف التطويع في الأجهزة الأمنيّة والعسكرية تمكّن الجيش على مراحل متعدّدة و”على السكت” من تطويع الآلاف، سيما أنّ واقع حالات الفرار والاستقالة بفعل الأزمة المالية شكّل دافعاً أكبر لذلك.
يرى مطّلعون أنّ هذا الواقع كان يمكن أن يسهّل مهمّة انتشار الجيش اللبناني جنوباً في مراحله الأولى، لكنّ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أصرّت على توجيه إشارات جدّية إلى الأميركيين والمجتمع الدولي من خلال إقرار تطويع 1,500 عسكري في 14 آب الماضي (قبل بدء الحرب) ضمن الخطّة الخمسية التي أعدّتها قيادة الجيش، ثمّ إقرار الحكومة في السادس من الجاري مشروع مرسوم أرسلته وزارة المال بإعطاء وزارة الدفاع سلفة خزينة لتغطية تطويع هذا العدد.
بتأكيد مصادر مطّلعة ثمّة نقاط كثيرة عالقة في اتفاق وقف إطلاق النار ليس فقط بين إسرائيل والحزب، بل أيضاً بين الإسرائيليين والأميركيين
يشمل قرار انتشار الجيش جنوباً تنفيذاً للقرار 1701 ثلاثة مستويات أساسية:
– المستوى الأوّل: غموضٌ كاملٌ وأخذٌ وردٌّ في ما يتعلّق بالدور الفعلي المطلوب من الجيش مواكبة لانسحاب الحزب إلى شمال الليطاني في ظلّ مطالبات إسرائيلية قد تشكّل لغماً ترتبط بالتزام الجيش وقيادته بمهمّة إلغاء كلّ العناصر المسلّحة جنوب الليطاني ومنع التحرّكات العسكرية والظواهر المسلّحة والقضاء على ما بقي من بنى عسكرية وأنفاق للحزب من الحدود حتى نهر الأوّلي، وذلك بالتنسيق مع القوّة الدولية.
يرتبط هذا الشقّ بشكل وثيق بالخلاف القائم حالياً بين لبنان والوسطاء الدوليين حول عمل القوّة الدولية المعنيّة بآليّة مراقبة القرار 1701 وتنفيذه، واقتصارها على اليونيفيل فقط أو توسّعها لتصبح قوّة دولية من ضمنها واشنطن وفرنسا وبريطانيا وألمانيا أو اقتصارها على واشنطن وباريس فقط. في هذا السياق ترسم إسرائيل وواشنطن خطّاً عريضاً تحت ممارسات الجيش التي طبعت مرحلة ما بعد عام 2006 لناحية التطنيش الرسمي والحكومي والعسكري عن بناء الحزب أكبر ترسانة صاروخية له خلال فترة تطبيق القرار 1701. أمّا الحزب راهناً فلم يعطِ أيّ كلمة في شأن رؤيته لتعزيز انتشار الجيش ومقاربته المفصّلة لتنفيذ الـ 1701.
– تنفيذ القرار 1701 بمضمونه الأشمل لن يتمّ إلا بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتعيين قائد جيش جديد. وهذه نقطة حسّاسة إضافية تستدعي أن يكون لقائد المؤسّسة العسكرية بروفيل يتناسب مع متطلّبات المرحلة وموثوقاً، للمفارقة، أميركياً ومن جهة الحزب معاً. تقول أوساط سياسية قريبة من الحزب: “مثلما لن يقبل الحزب على الرغم من المواجهة العسكرية القاسية التي يخوضها بأن يُفرض عليه انتخاب رئيس للجمهورية يعدّ بمنزلة كسرٍ لتوازنات الداخل بعد التوصّل إلى تسوية سياسية-أمنيّة تنهي الحرب، كذلك ستكون له أيضاً كلمة في قائد الجيش الجديد ليس بمعنى الفيتو إنّما الاطمئنان إلى خلفيّته وصلابة قراره”.
2006 ترسم إسرائيل وواشنطن خطّاً عريضاً تحت ممارسات الجيش التي طبعت مرحلة ما بعد عام
المستوى الثالث يتعلّق بأزمة التطويع كأحد متفرّعات الخلاف بين وزير الدفاع موريس سليم من جهة وقائد الجيش العماد جوزف عون من جهة أخرى. بالتأكيد، الخلاف سينضبط فوراً، وفق مطّلعين، لحظة صدور القرار الكبير بإرسال الجيش إلى الجنوب، لكن حالياً تكبر بقعة الخلاف إلى درجة إصرار وزير الدفاع على عدم توقيع مرسوم بإعطاء وزارة الدفاع سلفة خزينة لتغطية تطويع 1,500 عسكري أقرّته الحكومة وكانت أرسلته وزارة المال إليها. أمّا أوساط رئاسة الحكومة فتقول لـ”أساس”: “سننتظر ونرى. لا قرار حتى الآن من جانبنا في حال أصرّ وزير الدفاع على عدم التوقيع، لكن بالتأكيد هناك مسؤوليّات تترتّب على قرار التمنّع عن التوقيع”.
وزير الدّفاع: لا تجاوز لصلاحيّاتي
من جهة وزير الدفاع تقول أوساطه لـ “أساس”: “يجب أن لا يُسأل وزير الدفاع لماذا لا يوقّع المرسوم، خصوصاً أنّه على رأس المطالبين بتقوية الجيش وتعزيزه وتطبيق الـ 1701. لكنّ خطّة قيادة الجيش أقرّت في مجلس الوزراء من دون اطّلاع وزير الدفاع عليها مسبقاً، ثمّ أُرسلت للوزير بعد شهر من إقرارها. كما تمّ طرحها من خارج جدول الأعمال ولم يكن وزير الدفاع على علم بها، فيما كان يفترض بقائد الجيش أن يرفعها إلى وزيرالدفاع ويناقشها معه ويقوم وزير الدفاع بإحالتها إلى مجلس الوزراء كما أيّ بند مرتبط بمؤسّسات وزارة الدفاع”.
الجيش
تضيف الأوساط: “ثمّ تمّ تمرير مشروع مرسوم إعطاء سلفة خزينة لوزارة الدفاع من أجل تطويع 1,500 عسكري من دون المرور بالوزارة المعنيّة ومن دون أن تكون المراسلة صادرة عن وزير الدفاع أو أخذ رأيه في تجاوز فاضح لصلاحيّاته”.
تفيد معطيات “أساس” بأنّه منذ إقرار الحكومة قرار وقف التطويع في الأجهزة الأمنيّة والعسكرية تمكّن الجيش على مراحل متعدّدة من تطويع الآلاف
سبق لوزير الدفاع أن كشف عن وجود “غرفة سوداء تفبرك الأخبار ضدّه”، متحدّثاً عن “هوس البعض بالتفرّد وممارسة التسلّط على مؤسّسة الجيش”. وردّ أمس على ما ورد في مقابلة للنائب السابق وليد جنبلاط بشأن موقفه من التطويع، مؤكّداً “حصول انتهاكات في قيادة الجيش التي يواجهها الوزير بالقانون وليس بالسلبطة والهيمنة والترهيب والترغيب كما يفعل الغير”.
لا تنقل أوساط وزير الدفاع أيّ موقف في شأن توقيعه على المرسوم أو عدمه، لكنّها تشير إلى أنّ “ما يحصل هو مخالفة دستورية فاضحة ولا يمكن التذرّع بالظروف الاستثنائية لتبرير هذه التجاوزات”.