هيام القصيفي – الأخبار
تأتي الاحتفالية بإطلالة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الخارجية من موسكو، وبلقائه (نظيره السابق) وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، تتمة للإحاطة الباسيلية ــــ العونية بالخروقات التي يسعى التيار الى تحقيقها خارجياً. فلم يكن خبر اللقاء بين وزير خارجية هنغاريا ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ليأخذ الأهمية التي أعطاها التيار له، لولا العقوبات الأميركية والتلويج بعقوبات أوروبية، ولو لم تأت زيارة الوزير الهنغاري بعد سلسلة لقاءات دبلوماسية عربية وغربية عقدت في بيروت ولم تشمل برامجها باسيل، وبعد انتهاء التداول فرنسياً باحتمالات دعوات لبنانية الى باريس.
لكن يفترض وضع «الحدثين» في مكانهما الصحيح وتوقيتهما أيضاً. فالحدث الروسي ليس حدثاً منفرداً بمعنى حصرية وجود باسيل في موسكو. فالزيارة التي تأتي عقب زيارة حزب الله، ومن ثم الرئيس المكلف سعد الحريري، وفتح موسكو أبوابها لجولة أفق مع عدد من القيادات اللبنانية، وهو ما تحرص روسيا على القيام به دورياً، تضع الزيارة في مكانها الصحيح. قد يحق للحريري الذي تفرّد بزيارة الفاتيكان بعد طلبه موعداً منه، أن ينزعج من مساواته بالقيادات الأخرى المدعوة الى موسكو، وخصوصاً بعد زيارة وفد حزب الله، بأبعادها الدولية والإقليمية. وبهذا المعنى لا تشكل زيارة الحزب خرقاً للحصار الغربي عليه، بقدر ما تظهر جانباً متطوراً من العلاقة بين الطرفين، على عكس ما أراد التيار إظهاره من إطلالة باسيل الخارجية. فالتيار لا يملك ما يقدّمه لموسكو أكثر من استخدام المنبر الروسي لكسر الحصار الخارجي، من دون ترجمة عملية. فالكلام عن الذهاب شرقاً، اقتصادياً وسياسياً، تطوّر منذ أن أصبح للتيار حضوره عبر وزارة الخارجية وحين أصبح تيار العهد، بعدما كان الهدف أسواق أوروبا وبلاد الانتشار الغربي، لكنه أظهر أنه يذهب هباءً عند أول استحقاق سياسي فعلي. وما حصل في الأيام الأخيرة دليل واضح على أن الغرب، بالمعنى الاستراتيجي، هو الذي لا يزال يملك الدالّة الأكبر على القوى السياسية، فكيف إذا كانت مرشحة للرئاسة. فروسيا ليست مؤثرة أولاً بالتشكيلة الحكومية، إلا بمقدار علاقاتها بالرياض وطهران (وفرنسا إلى حد ما) وهما الأكثر نفوذاً في هذا الملف. وهي ليست الناخب الأول في انتخابات رئاسة الجمهورية، ودورها في لبنان استمر محتفظاً بتوازناته، من دون أي خلافات مع القوى السياسية كافةً، فضلاً عن أن روسيا لا يمكن أن تخلّ بعلاقاتها الخليجية والعربية، ولديها الكثير من الآمال المعلّقة على مشاريع اقتصادية وعسكرية فيها، فلا تنحاز لبنانياً لأيّ فريق على حساب حضورها الخليجي. أما التوجه شرقاً، بالمعنى الاقتصادي والسياسي من جانب التيار، فهو كلام أثبت عدم جدواه عند الاستحقاقات الفعلية، وأظهر خلال السنوات الأخيرة أنه مجرد لافتة كبيرة، تشمل وضع مسيحيي الشرق واللاجئين السوريين (والدور الإقليمي لروسيا وتحديداً في سوريا) من دون أي ترجمة عملية حتى الساعة، طالما أن كل عمليات التمويل للمؤتمرات المتعلقة باللاجئين هي غربية ــــ خليجية. أبعد من ذلك، أي إشارة إلى احتمال زيارة لباريس، رغم كل محاولاتها الفاشلة في تقديم حلول للأزمة الراهنة، لفكّ العزلة والتضييق العربي والأوروبي، تلغي بشحطة قلم كل الأدبيات حول التوجه الى الشرق. فكيف الحال إذا كان الأمر متعلقاً بالعقوبات الأميركية وبانتخابات الرئاسة المقبلة، وتغييب اللقلوق عن جدول أعمال الدبلوماسية الأميركية، حينها ينتقل الكلام السياسي الجدي من مستوى الى آخر يتعلّق برفض توقيع مرسوم الحدود البحرية أو طرح التفاوض السياسي ــــ العسكري مع إسرائيل.
أما الحدث الخارجي الثاني، فيتعلق بالعقوبات التي يتم التداول في شأنها في الاتحاد الأوروبي. رغم أن الكلام عن عقوبات فرنسية أو أوروبية، مجرد انعكاس لحجم الاستياء من أداء مسؤولين لبنانيين، فإن الأقنية الجديّة تعرف أن لا مجال لمثل هذه العقوبات على الطريقة الأميركية لاعتبارات قانونية وسياسية متشعبة. ومع ذلك، تستمر الخشية من مجرد ذكر أسماء مشتبه فيها أو ممنوعة من السفر الى دول الاتحاد الأوروبي. صحيح أن معارضة هنغاريا لعقوبات الاتحاد الأوروبي مؤثّرة بمعنى الإجماع الأوروبي لاتخاذ مثل هذه القرارات، إلا أن حجم الدبلوماسية الهنغارية لم يكن يعكس بالنسبة الى الدبلوماسية اللبنانية عادة الاهتمام الذي أعطي له أخيراً. إلا أن الثغرة التي فتحها الوزير الضيف في مسار إطلالة التيار الخارجية هي انتقاله من الكلام عن عقوبات على طوائف وأحزاب الى الكلام عن رفض عقوبات تطال «أكبر حزب لبناني يمثّل المسيحيين»، ما يؤشر الى الهدف الحقيقي من هذا اللقاء. لعل كلامه عن وضع «أكبر حزب مسيحي» في لائحة المشتبه فيهم بالعقوبات الأوروبية، هو الأوضح حتى الآن، حول النظرة الأوروبية تجاه باسيل والتيار، وأكثر صراحة من كلام المسؤولين الفرنسيين مواربة عن الشخصيات التي تطالها الانتقادات على خلفية الفساد وعرقلة تشكيل الحكومة. للمرة الأولى في تاريخ الموارنة والمسيحيين، يستنجد أكبر حزب مسيحي بهنغاريا للدفاع عن مصالحه في وجه… الاتحاد الأوروبي. إنها سابقة تضاف الى مسلسل السوابق التي يسجلها التيار في إطلالته الخارجية بعد عشرات الرحلات الى بلاد الانتشار.