كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
كلهم يعملون “لأجَلِنا”! فهمنا! لكن، أن يصل “الموس” الى تتالي إصابات، من نجوا من كورونا وجريمة المرفأ، بالتسمم الغذائي فهذا يدفعنا الى تجديد السؤال: اين أنتم يا سادة الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء؟ وهل بات علينا أن نختار بين موتٍ وموت ومرضٍ ومرض؟ هل ما نلهث وراءه كونه “أرخص” قد يكون “أخطر” أم أن الغشّ الغذائي أصبح “موضة” الجميع؟ ومن يضمن نوعية الجبنة واللبنة والمايونيز والكنافة والكشك والحلويات والمعمول واللحوم والدجاج والزيوت التي نتناولها؟
تناوَلَ ساندويش فاهيتا ملغوم بالمايونيز. بدا شهياَ. أكله حتى آخر لقمة بعدما ارتجف قلبه وهو يدفع ثمنه. نام ساعتين أو أقل بقليل واستفاق مع آلام جمة في البطن وخرير أعلى من صوت سيمفونية تُعزف في أوسع الردهات. إنه الإسهال الذي جعله يخسر في أقل من يومين أكثر من كيلوغرامين، وينام طريح الفراش لا من يديه ولا من رجليه. يشتكي؟ لمين؟ يراجع؟ مَن؟ فهل مَن يتحمل مسؤولية في بلد يعوم على غشٍّ وفساد؟
حاله حال الكثيرين. لكن، لمن يتوجّه المواطنون؟ عشرات الإتصالات ترد يومياً الى جمعية حماية المستهلك عن حالات تسمم وغش لكن، بحسب رئيس الجمعية الدكتور زهير برو: “لا حياة لمن تنادي” ويقول: “الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء ضرورة ماسة من أجل “مركزية” المرجعية الغذائية ووضع سياسة متكاملة للحلّ بدل ان تبقى تتخبط المسألة بين ثماني مرجعيات مسؤولة (مبدئياً) عن الغذاء ولا واحدة تقوم بما عليها”.
“نبت الشعر” على بعض الألسنة وهي تطالب بإطلاق سراح الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء. ولكن، نحن في لبنان! و99,99 في المئة من اللبنانيين باتوا يعرفون كيف يتم تدوير الزوايا في بلدهم. فالهيئة نادى بها منذ زمن الشهيد باسل فليحان لكنها لم تُقرّ إلا في العام 2015 وفي الـ 2021 ما زلنا نسأل: متى تباشر هذه الهيئة عملها؟
“الهيئة”… مطوّلة
للهيئة رئيس هو الدكتور إيلي عوض. وقبل أكثر من أربعين يوماً (في الثالث من آذار الماضي) قصد عوض، برفقة النائب ميشال موسى، وزير المال غازي وزني، من أجل البحث في تخصيص أموال للهيئة في مشروع موازنة 2021 لتنطلق. فبماذا أجاب وزني؟ يجيب عوض: “طلب منا ارسال كتاب، بحسب الإطار القانوني، وهذا ما فعله الدكتور موسى وأرفق الكتاب الأول بكتاب ثان في الموضوع من قبلنا وسجلناه في قلم الوزارة. معاليه بدا متفهماً جداً لكن لم يستجد، حتى اللحظة، شيء”.
هل نفهم ان الموضوع مالي؟ يجيب “أعتقد أن المشكلة سياسية. مع العلم أنه سيُسجل للوزير أنه خصص أموالاً لهذه الهيئة التي تُعدّ أكثر من ضرورة”.
اتصلنا مراراً وتكراراً بوزير المال لكنه “غائب” عن السمع. الوزارة أيضاً لا تجيب. أرسلنا رسالة واتساب الى معاليه نسأله فيها: هل ستبصر الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء النور كما وعد؟ قرأ الرسالة ولم يجب. يبدو أن الوزير لديه أمور أهم من سلامة الغذاء.
فلنتابع. ما يحصل الآن في لبنان خطير جداً. المتاجر مليئة بأنواع من المواد الغذائية نراها لأول مرة في أسواقنا. والمؤسسات التي تبيع مواد جاهزة من حلويات وسناكات كثيراً ما نتفاجأ بما تقدمه. لا شيء، لا شيء أبداً، يتمتع بالمواصفات التي طالما تغنينا بها. هذا ليس في المحال التي تبيع فقط أرخص من سواها لكن في المتاجر الكبرى أيضاً. سعر كيلو المعمول بالفستق الحلبي، في محل ذي اسم عريق، 90 ألفاً. وبدل الفستق هناك حشوة صميد. لا طعم ولا لون حتى. وفي محال أكثر عراقة هناك من يخلط الفستق مع حبوب البازيلا. خيال الباعة واسع. واللبناني الذي يبحث عن الجودة مع الرخص يأكل الضرب مرتين. سعر عال وجودة متدنية. الكنافة تباع الكعكة الواحدة منها بخمسة عشر ألف ليرة وهي “تمغط” لكن بمادة “مغيط”. ومن مذاقها يستشعر المستهلك ذلك فوراً. غش، غش في كل مكان. فما لزوم وزارة الإقتصاد ووزارات الصحة والزراعة وهيئة المواصفات وهيئات الرقابة؟
تحذير
الدكتور زهير برو يقول “حذرنا مراراً، من “كذا” شهر من الإفقار الحاصل والسياسات المتبعة من وزارة الاقتصاد ومن فوضى التخزين على الأمن الغذائي. حذرنا من اننا سنقع في مطبات يصعب تفاديها خصوصاً في ظل التلاعب الفادح بالتواريخ، وكون التاجر وصل الى وقت لم يعد فيه قادراً على رمي أي غرام من المواد التي في حوزته حتى ولو فسدت. ومع قدوم الحرّ وانقطاع الكهرباء الهائل منذ ثلاثة أسابيع، بدأت تصلنا شكاوى كثيرة عن حالات تسمم. ونحن نحذر الناس من شراء اي شيء من متجر من دون التحقق من كيفية تخزين بضائعه واذا كانت براداته موصولة بالاشتراك الكهربائي ام لا”. ويستطرد: “يبدو للأسف ان لا حلّ خصوصاً ان إدارات الدولة مشلولة معطلة واخترعوا لها مهمات جديدة عوض مهماتها الرئيسية بالمحافظة على سلامة الغذاء. وزارة الاقتصاد مشغولة بأمور كثيرة غير ذلك. والتسمم الغذائي يزيد والقضية مرجحة لتكبر بعد وبعد”. من لم يصب حتى الآن بالتسمم الغذائي قد يُصاب اليوم او غداً او بعده. فالدولة في مكان وقضايا المستهلك في مكان آخر. وكل ما يحصل خطير جداً على الصحة العامة، بدليل ان لبنان من أكثر الدول “إستقبالاً” للسرطان، لأن هناك أنواعاً من التسمم يؤدي تراكمها الى سرطانات.
والسؤال، ما الحلّ؟ لماذا بات يعتبر الأمن الغذائي لناحية التسمم ثانوياً؟ لماذا إهمال إقرار الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء؟ يجيب برو “السبب الرئيسي قوة التجار وعدم قابليتهم لرمي اي مواد غذائية يملكونها. ووجود الهيئة يكشف الخلل فيهم. والسلطة، في بلد المحاصصة، لا تريد إزعاجهم. وفي كل بيت سياسي هناك تجار بالجملة”.
نعود الى رئيس الهيئة (المعلقة) لسؤاله عن ظاهرة تزايد حالات التسمم في البلاد؟ يجيب كمواطن “أرى فوضى كبيرة هائلة. فلنأخذ مثلاً المايونيز الذي نفتح المرطبان منه في البيت ونتناول منه بالتقتير خشية أن نستهلكه بوقت قصير ونضطر الى شراء آخر. هكذا هم التجار اليوم أيضاً. والمولدات تتوقف. والكهرباء مقطوعة. وهناك محال كثيرة تصنع المايونيز بنفسها بلا مواد حافظة، من خلال وضع البيض والزيت وبعض الملح والسكر والخل، فلا يصمد المنتج طويلاً. وهذا، في ظل عدم وجود “كونترول” يسمح لها أن تبقي عليه من أسبوع الى أسبوع حتى ولو فسد. دبس الرمان يلغمونه بدبس التمر. وهذا يتمدد على كل المنتجات ما دام لا رقابة ولا من يحزنون”.
طريقة جديدة لطهي الأرز
ما رأي الإختصاصي في علم التغذية الدكتور رالف عيراني؟ يجيب “نشهد حالات تسمم كثيرة بسبب استخدام مواد منتهية الصلاحية أو ليست محفوظة في شكل سليم، ما يسمح بتكاثر البكتيريا فيها، والتي لا تموت حين تتجلد. وحين يتناولها الإنسان تدخل الى المصارين والدم وتتسبب بتسمم. كذلك هناك من يروون الخضار بالمياه المبتذلة، في ظل شح المياه، ما يؤدي الى طفيليات ودود في الخضار، فتنتقل الى الجسم والمصارين والدم والروايا. وهذه حالات نراها كثيراً. والنساء في بيوتهن يصنعن الطعام ويتركنه من يوم الى يوم وأحياناً خارج البراد، بعد ان يكنّ قد تذوقن الطبخة، ما يسمح بتدفق البكتيريا إليها. وهذه البكتيريا تتكاثر بين خمس درجات و65 درجة. لذا علينا أن نتأكد أن ما نأكله مطهياً على درجة تفوق هذه الدرجات. وهناك بكتيريا في الجبنة واللبنة، خصوصاً حين يشتريها المواطنون من أماكن بعيدة لأنها أرخص، وتتعرض للحرارة”.
ماذا نأكل؟
البكتيريا بحسب الدكتور عيراني “تنزل الى الأمعاء فتجد حرارة تناسبها ولا أوكسيجين وبقايا طعام فتتكاثر وتتفاعل البكتيريا الواحدة خلال 9 ساعات فتصبح مليوناً. وهي قد تظهر خلال ساعتين أو خلال ست ساعات. لذا المطلوب وجود بكتيريا جيدة في الجسم نحصل عليها من خلال تناول اللبن والخضار، لكن، بسبب سوء الحفظ الذي نجده اليوم، نحبذ أن يأخذ الإنسان هذا النوع من البكتيريا من خلال كبسولات. والبكتيريا الجيدة تحمي حتى من كوفيد-19. الأرز الذي نتناوله يحتوي هو ايضاً على الزرنيخ بنسبة تصل الى 80 في المئة، لذا مطلوب من “ستات البيوت” وضع اربعة أكواب مياه لكل كوب رز وطهيه مدة خمس دقائق ثم نرمي المياه ونضع كوبي مياه من جديد ونصنع الرز. والزرنيخ يضرب العيون والكلى ويُحدث تشمعاً في الكبد ويؤدي الى الخرف والباركنسون”.
يبدو أن أحلى ما سمعناه أن الرز قد يتسبب بالخرف. علّ الناس تنسى.
زيت الزيتون أسعار نار وغش
الغش في كل شيء. الكشك يغشون به. وزيت الزيتون الذي نشتهر به بات مغشوشاً، يُلغم بزيت الجفت. وهناك تجّار وموزّعون لماركات زيت شهيرة بدأوا ينزلون الى الأسواق زيوتاً بأسماء أخرى كي لا يضربوا أسماءهم. والغش الذي يمارسونه يكون من خلالها. العسل ايضاً مغشوش ملغوم بشراب السكر الإصطناعي. ولم نتحدث هنا عن نوعية اللحوم المجلدة المستوردة الرديئة ولا عن الدجاج ولا عن المطاعم التي باتت تكثر من وضع البهارات من أجل إخفاء طعم الدجاج واللحوم التي يعاد تسخينها وبيعها على أنها طازجة.
طالع على بالكم تناول الحلويات؟ نحن معروفون خصوصاً في شهر رمضان بالمبرومة والبلورية والمعمول. فهل برأيكم أن المصانع تستخدم الجوز والفستق الحلبي والكاجو واللوز؟ تذوقوا ستكتشفون بأنفسكم، اللهمّ ألّا تصابوا بدوركم بحالات تسمم. فنحن وصلنا الى الدرك الاسود ونبحث عن الأرخص. نحن لبنانيون مقهورون. فهل من يبالي؟