أسعد بشارة – نداء الوطن
لم تتعرّض التجربة اللبنانية منذ العام 1920 وإلى اليوم، لهذا القدر من الأضرار الجسيمة، والتي ربما باتت غير قابلة للإصلاح، بقدر ما ألحق بها مشروع «حزب الله» من تشويه عصيّ على الترميم.
أن يكون «الحزب» جزءاً من مشروع إيران في المنطقة، الذي فتك بأربع دول وحوّلها حطاماً، فهذا يشكل أوضح استباحة للكيان اللبناني، الذي مر باختبارات قاسية منذ الاستقلال، منها اختبار الحرب الأهلية، واختبار الانتقال من الحرب الساخنة إلى الحروب الباردة، وخرج منها ضعيفاً لكن ليس شهيداً.
بعد زوال الاحتلال الاسرائيلي في العام 2000، بدا تمسك «حزب الله» بالسلاح والمشروع الذي من أجله وجد السلاح، أقوى بكثير من فكرة الاندماج في دولة واحدة مع باقي المجموعات اللبنانية. لكن المجاهرة بالدور الحقيقي لـ»الحزب»، انكشف بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وخروج الجيش السوري، الذي لم يكن «الحزب» يريد له أن يخرج، وقد عبّر عن ذلك في تظاهرة «شكراً سوريا» في 8 آذار 2005 .
كانت الوصاية هي الغطاء لمشروع السلاح، الذي ادعى التعفف عن لعب أي دور داخلي، وحصر نفسه شكلاً بصفة المقاومة، وبعد العام 2005 افتتح «الحزب»، مرحلة صياغة التأثير والنفوذ بفائض القوة، فعطّل تشكيل الحكومات، وانتخابات الرئاسة، وربط السلاح بوحدة الساحات، وأدخله في وعي بعض الطائفة الشيعية، على شكل أداة لترسيخ سردية رفع المظلومية، وعدم العودة إلى حقبة «عمال على المرفأ». هي السردية التي نسفها الراحل كريم مروة من جذورها، عندما كتب قبل رحيله عما أعطاه لبنان الكبير للطائفة الشيعية.
لا يخرج نهج التخوين والتمنين، الذي ينتهجه «الحزب» عن مسار متكامل، عنوانه: «نحن الذين نحكم لبنان ومن يرفع صوته فهو عميل». يخوّن «حزب الله» كل من يعرّي زيف سردية السلاح، المرتبط بالمصلحة الإيرانية، ويمننه بأنه حرره من الاحتلال، وحماه من الإرهاب، وقد أحدث هذا السلوك اختراقات في بعض الساحات، قادها انتهازيون ارتبطوا بعلاقة مصلحية تبادلية مع هذا المشروع، قامت على التكسّب مقابل الولاء.
بات التخوين هو الوجه الآخر لا بل الدافع إلى التقسيم. فكيف يستقيم العيش في وطن واحد، بين شعب نصفه عملاء ونصفه من أشرف الناس؟ بات التخوين الدليل الأوضح على مأزق في التركيبة والكيان، فليس التخوين إلا التعبير الرمزي والفعلي عن فداحة العطب الذي أحدثه مشروع فائض القوة في الجسد اللبناني، من دون تجاهل أنّ هذا الجسد يعاني من أمراض مزمنة أخرى، لكنها لا تنتج هذا النوع من المضاعفات. لا بد أن الشيخ الراحل محمد مهدي شمس الدين، يتألم حزناً وهو يعاين من بعيد، كيف يتم تمزيق وصيته، التي دعا فيها للحفاظ على فكرة لبنان.