في الأسبوعين المنصرمين، برّر الإعلان عن قرب وصول باخرة نفط إيرانية إلى لبنان، بمسعى من حزب الله، تجميد التفاوض بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، في انتظار جلاء مصيرها. استعاد الرجلان اجتماعاتهما هذا الأسبوع، وتوقفا حيث كانا انتهيا قبل أكثر من عشرة أيام، في يوم ذكرى عاشوراء، الذي قيل إنه أوقف دوران التفاوض.

بمرور أيام على كلام حزب الله عن باخرة النفط، انطفأ الجدل من حول تفاصيلها. لم يُعرف بعد متى ستصل إلى لبنان وكيف؟ قبل أن تكثر الأسئلة عن رسوها، وإفراغ حمولتها، وطريقة مدّ الأسواق بها في معزل عن شركات الاستيراد والتوزيع والمحطات المتعاقدة معها، المرتبطة بدورها بشركات أجنبية غير راضية، إن لم تكن منددة ورافضة تماماً المهمة الإيرانية الجديدة في لبنان. إجراءات تفصيلية مهمة في ذاتها بمثل قرار الرسو، بعدما قيل إن وجهتها المحتملة هي مرفأ بانياس، ومنه تنقل شحنتها إلى لبنان.
لم يصدر منذ الإعلان عن الباخرة من أي في السلطات الرسمية اللبنانية موقف ما. بيد أن ذلك لا يحجب حقيقة أضحت في صلب الاشتباك الداخلي، نجمت عن مغزى إدخال العامل الإيراني في قلب أزمة الانهيار والمعالجة الاقتصادية.
مذ كشف الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، بمبادرة منه، عن قرب وصول أولى السفن الإيرانية محمّلة المازوت، لم يعد في الإمكان التطرق إليها كمساعدة، مع أن الجمهورية الإسلامية نفت عنها الصفة تلك، بعد القول إنها مشتراة. ليست هبة أو مساعدة مجانية، وتخضع لقاعدة البيع والشراء في السوق اللبنانية، مبددة بذلك أي بعد سياسي يُفسَّر لها.
ما هو طبيعي ومتوقّع عند الرئيس المكلف، أن أي قرار يقتضي أن يصدر عن الحكومة اللبنانية حيال الباخرة تلك هو التحفظ أولاً وأخيراً، وعدم الترحيب باستقبالها، ولا السماح لها بالرسو حتى. موقف كهذا لا يقتصر عليه كمسؤول، قبل تأليف الحكومة كما بعدها كما أيضاً في حال اعتذاره، بل يطاول جزءاً كبيراً من طائفته ينظر بريبة وشكوك إلى دور طهران في الخلافات اللبنانية – اللبنانية، وتتوجس من الدعم الذي تقدّمه إلى حزب الله، وترى أنه تسبّب فوق ذلك كله بعزلة لبنان عن عالمه العربي ما ضاعف في ضائقته الاقتصادية والنقدية. في أحسن الأحوال لا تصلح مقاربة النفط الإيراني الموعود على غرار هبة النفط الموقَّع عليها بين العراق ولبنان من خلال تفاوض سلطاتهما الرسمية. ناهيك بأن النفط العراقي غير مدرج في العقوبات الأميركية، المجاز له تصديرها. وليست هذه حال النفط الإيراني: ظاهره اقتصادي مالي، وباطنه سياسي يصعب فصله – وإن لا يعدو كونه تفصيلاً ثانوياً – عن التفاوض الأميركي – الإيراني.

ثلاثة معطيات تؤخر التأليف: الباخرة الإيرانية، مصير سلامة، رفع الدعم

مع ذلك، لا يعثر تأليف الحكومة على أبسط متنفس يساعد على إبصارها النور. بات الاستحقاق الدستوري المستقل في ذاته أضعف من أن يُعزل عن أي مؤثرات أو مستجدات داخلية أو خارجية. يحتاج إلى أقل من تسوية وأكثر من تفاهم يشترك فيه أكثر من فريق، غير مكتفِ برئيس الجمهورية والرئيس المكلف.
بعض المعطيات المعزو إليها تعثر التأليف ثلاثة:
أولها، أن الرئيس المكلف لم يحصل بعد على جواب واضح وقاطع عن سؤال وجهه إلى المعنيين: هل ستصل الباخرة الإيرانية إلى لبنان فعلاً؟
ثانيها، طلب غربي قيل إن الأميركيين وراءه، يطلب من الحكومة الجديدة في حال تأليفها عدم إقصاء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من منصبه في المدى القريب، وإن يكن في صدد ملاحقات قضائية محلية وخارجية، ناهيك بالسمعة السوداء التي باتت لصيقة به.
ثالثها، كان في ودّ الرئيس المكلف رفع الدعم كاملاً. بذلك يكون قد جنّب حكومته الجديدة تداعياته وتحمّل أعباء ما سيترتب عليه في يوميات اللبنانيين. بيد أن رفع الدعم الجزئي التدريجي إلى ما بعد أيلول، أضحى عقبة في طريق التأليف. لا الرئيس المكلف يريد تلقف وزر الرفع الكامل للدعم وهو يدخل إلى السرايا كأحد إنجازاتها، ولا رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب يريد هو الآخر مغادرة السرايا متنكباً هذا العبء. أتى المخرج الجزئي في منتصف الطريق ما بين الرجلين، فتعثّر تأليف الحكومة.
بطريقة ما أفاد المخرج الجزئي هذا رئيس الجمهورية في تفاوضه مع الرئيس المكلف على حصته. كان المأمول من الرفع الكامل للدعم، دفعة واحدة في السلع الأساسية، إرغام عون على التخلي عن بعض شروطه في تأليف الحكومة، تسهيلاً لإصدار مراسيمها كي تكبّ على معالجة ما ترتب على قرار اتخذته الحكومة المستقيلة. إذاً هو أكثر إصراراً وتمسكاً بشروطه نفسها. ذلك على الأقل ما بَانَ في الاجتماعين الأخيرين بينه وبين ميقاتي حيال تبادل الأسماء والحقائب، كما لو أن تعثّر التأليف بات يقتصر على هذا الجانب فحسب.