أحمد الأيوبي – أساس ميديا
سرت في الأسابيع الأخيرة موجة تحذيرات وتوقعات وتحليلات باقتراب وقوع أحداث أمنية خطرة، تشمل تفجيرات واغتيالات و”استيقاظ” خلايا إرهابية “نائمة”، لتبلغ هذه الموجة ذروتها مع الاجتماع الأخير للمجلس الأعلى للدفاع في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، مع ما صدر عنه من مقرّرات وتسريبات لاحقة، تذهب جميعها إلى “التبشير” بقرب حدوث هزّات وربما زلازل أمنية، مع إصدر توجيهات للقوى العسكرية بأن تكون على أهبة الاستعداد للآتي الأسوأ.
سرّبت أوساط قصر بعبدا أنّ القادة الامنيين في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع قدّموا معلومات عن “تهديدات حقيقية تستهدف مختلف الشخصيات اللبنانية ومن كل الاتجاهات”، وأُبقيت الاسماء طي الكتمان، وأنّ “هناك معطياتٍ تتم متابعتها وأفشل بعضها منذ أكثر من شهرين، وهناك خطة استباقية لمعالجة الموضوع”، وأنّ “هناك خلايا إرهابية نائمة تتم مطاردتها وتم توقيف أكثر من خلية خلال الفترة الماضية”. وطلب المجلس الأعلى للدفاع إلى الأجهزة العسكرية والأمنية أن تكون على أتمّ الاستعداد لمواكبة فترة أعياد نهاية العام واتخاذ الاجراءات اللازمة للمحافظة على الاستقرار الأمني.
أمام هذا السياق من تهيئة الأجواء في البلد لاستقبال الخضّات الأمنية والتطبيع مع احتمال عودة الاغتيالات والتفجيرات، يتساءل اللبنانيون: هل هناك دولة في العالم تقوم السلطة فيها بإشاعة هذا المستوى من اللغط وباستخدام هذا الحجم من الإثارة الإعلامية، وذلك حول قضايا أمنية حسّاسة تستوجب التكتّم والعمل الصامت حتّى لا يتحول هذا الخطاب إلى تهويل على الناس ودعوة غير مباشرة إلى اعتماد الأمن الذاتي. وكي لا يكون ما يجري الآن تسويقاً وتمهيداً لما قد يحصل غداً. فعمل الدولة هو التحرّك بصمت وبعيداً عن التهويل، لحماية المستهدفين، وتفعيل الاستنفار الأمني بلا استعراض يستفيد منه الإرهابيون.
سرّبت أوساط قصر بعبدا أنّ القادة الامنيين في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع قدّموا معلومات عن “تهديدات حقيقية تستهدف مختلف الشخصيات اللبنانية ومن كل الاتجاهات”، وأُبقيت الاسماء طي الكتمان
مصارحة اللبنانيين أمام المرحلة العاصفة المتوقعة تستوجب التذكير ببعص الحقائق التي يكاد التطبيع مع الانقلاب المستمر منذ سنوات، أن يغيّبها عن الوعي والوجدان. أبرز هذه الحقائق أنّ “حزب الله” هو الحزب المسلّح الوحيد، وأنّه المدان بقتل الشهيد رفيق الحريري من خلال إدانة القيادي فيه سليم عيّاش، وإليه توجه أصابع الاتهام في سلسلة اغتيالات استهدفت قادة ثورة الاستقلال الثاني بين العامين 2004 و2013. ولا يخفى أنّ مضمون الاتفاق الضمني الذي سمح بتشكيل الحكومات بعد اغتيال الشهيد محمد شطح، وما تلاه من تنازلات، هو وقف الاغتيالات.
وبينما حرصت التسريبات الصادرة عن اجتماع المجلس الأعلى للدفاع على القول بوجود “تهديدات حقيقية تستهدف مختلف الشخصيات اللبنانية ومن كل الاتجاهات”، بيد أنّ النتيجة التي ينتهي إليها البحث دائماً هي أنّ الضحايا هم فقط معارضو الخطّ السوري والإيراني في البلد، خصوصاً منذ محاولة اغتيال النائب مروان حمادة ثم اغتيال الشهيد رفيق الحريري وبقية شهداء ثورة الأرز.
في هذه الأجواء يبرز تساؤل آخر: لماذا تستمر حصانة ما يسمّى “سرايا المقاومة” وحصولها على التسهيلات الأمنية التي تسمح لها بالتحرّك من دون تفتيش أو مساءلة، حتى لو كان عناصرُها ينقلون مدافع أو متفجرات؟ لماذا يحظى هؤلاء بالامتيازات الأمنية التي تخوّلهم الاستيلاء على أداء القوى الأمنية؟ لا بل تحييدها مكانياً وأمنياً. وكيف يمكن الاطمئنان إلى وجود هذه المنظومة في المناطق المناهِضة لـ”حزب الله”، وتحديداً المناطق السنية، وهي تتسلّح بكلّ هذه الحصانات والإمكانات؟
قضية “سرايا المقاومة”، أو بتسمية أدقّ (سرايا “حزب الله”) لا يمكن تجاهلها ونحن على أبواب عواصف أمنية هوجاء، كما يتوقع أهل السلطة. ورغم التهالك السياسي لدى الأطراف المناهضة للحزب، إلاّ أنّ رؤساء الحكومات السابقين والنواب السنّة والقوى السياسية السنية، وقبل هؤلاء دار الفتوى، مضطرون لإعمال التفكير في كيفية معالجة هذه المعضلة التي ستنفجر في وجوههم. فلا أحد ينسى ثبوت تورّط أشخاص من “السرايا” في تفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس، ولولا تدخل الحزب المباشر لكان أحد “مشايخهم” يُحاكم في هذه القضية، فضلاً عن تحوّلهم إلى شوكة تثير كلّ أنواع الفتن في مدن سنيّة مختلفة، بينها طرابلس وصيدا، إلى جانب العاصمة بيروت التي سبق أن شاركوا في احتلالها في أيّار من العام 2008.
أبرز هذه الحقائق أنّ “حزب الله” هو الحزب المسلّح الوحيد، وأنّه المدان بقتل الشهيد رفيق الحريري من خلال إدانة القيادي فيه سليم عيّاش، وإليه توجه أصابع الاتهام في سلسلة اغتيالات استهدفت قادة ثورة الاستقلال الثاني بين العامين 2004 و2013
كيف يمكن للأجهزة الأمنية أن تعمل كما يجب؟ والاختلاط بين الصفقات الإقليمية والواقع اللبناني قائم، كما حصل في صفقة إخراج قتلة أبنائنا في الجيش وقوى الأمن الداخلي من عناصر تنظيم داعش الإرهابي من جرود عرسال والقاع، وذلك في باصات مكيّفة. فضلاً عن الاستقبال المفتوح لقيادات تنظيم القاعدة في طهران، وما يعنيه ذلك من استخدام على مستوى المنطقة في خدمة المشروع الإيراني، وشهد لبنان فصولاً من هذا الاستخدام أحدها كان تنظيم “فتح الإسلام”.
أخيراً، وعلى سبيل استكمال الإحاطة بالتحديات الأمنية، ومع انكشاف أجزاء من الفساد في الأجهزة الأمنية (الجيش، قوى الأمن، الأمن العام) أمام القضاء، وكان ذلك أيام البحبوحة والرخاء، ألا يجب أن نتساءل اليوم: كيف سيكون الحال بعد انهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار وتدهور قيمة رواتب الموظفين عموماً والعسكريين خصوصاً؟ وهل تكفي دعوة الأجهزة العسكرية والأمنية إلى الاستنفار؟ أم يجب إرفاق ذلك بتحصينها وتأمين احتياجاتها، حتّى لا يتحول الانهيار المالي والاقتصادي إلى مدخل إضافيّ من مداخل اختراق الأمن وتدمير الاستقرار؟
قد تكون هذه المصارحة غير مرغوبة لدى بعض اللبنانيين الذين باتوا يفضلون أن لا يتذكروا أنّهم يعيشون في بلد أصبحت رئاسة جمهوريته محتلة دستورياً، كما صرّح النائب نهاد المشنوق، وسيادته ساقطة تحت وطأة سلاح “حزب الله”، وأمنـُه مستباحاً بسبب تغليب منطق الميليشيا على منطق الدولة، وشعبه منهكاً بعد أن خسر كلّ ما يملك، لكنّ هذا لن يلغي أنّ على الجميع مواجهة الحقيقة ولو بعد حين.