منير الربيع – المدن
يشكّل ادعاء القضاء الفرنسي على حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، انتصاراً معنوياً للكثير من اللبنانيين، وتهديداً للكثير من رجالات السياسة والاقتصاد والمال والأعمال. يمنح الادعاء أملاً كبيراً لمواطنين ينتظرون محاسبة مرتكبين، تماماً كما حمل اللبنانيون أوجاعهم وجراحهم بعد تفجير مرفأ بيروت في آب 2020، وانتظروا التحقيقات ونتائجها، وطالبوا بتحقيق دولي. فيما خاب أملهم وضاعت قضيتهم في غياهب الحسابات المتناقضة وتقاطعها بين جهات داخلية وخارجية إقليمية ودولية.
الصمت المدوي
منذ ما قبل 17 تشرين وما بعدها أصبح اللبنانيون يخافون خيبات الأمل. تلك الخيبات التي ترافقهم، وخصوصاً في كل ما يمسّهم بشكل مباشر، أمنهم وسلامتهم، أو أمنهم الاجتماعي أو ودائعهم التي تبخّرت أو غيرها.
جاء الادعاء الفرنسي ليعطي فرصة لتجدد هذا الأمل، ولكن يبقى الخوف قائماً ومخيّماً.
مع ذلك، لا يمكن التعاطي مع الادعاء على حاكم مصرف لبنان وكأن شيئاً لم يكن. صحيح أن الصمت القائم مدوّ، لا سيما من قبل قوى سياسية متعددة. والأرض تبدو هادئة من تحت أقدام الكثير من الغاضبين والمتضررين من سلامة و”وجهاء” سياسة متكافلين معه. ربما الهدوء لدى هؤلاء يرتبط بأنهم حصلوا على ما يريدون، في تحويل الرجل إلى مطلوب للعدالة الدولية. بينما ما هو أبلغ، يبقى وقع الادعاء على من هو متورط مع سلامة، أو بالأحرى مع تورط معه سلامة في مسائل مالية وهندسات ومناورات ومناهبات.
عقوبات وما هو أخطر
يأتي الادعاء في توقيت سياسي حساس أيضاً، وعلى وقع تهديدات دولية كثيرة بفرض عقوبات على سياسيين لبنانيين متهمين في عرقلة الاستحقاق الرئاسي. وحسب المعلومات، فقد تم وضع سقف زمني لفرض هذه العقوبات. وهو نهاية شهر حزيران، كاستباق لموعد انتهاء ولاية رياض سلامة في حاكمية المصرف المركزي، ولتعيين بديل عنه. أما بحال عدم إنجاز الاستحقاق فإن العقوبات ستصبح قائمة، فيما سلامة أصبح معرضاً للتوقيف في أي وجهة دولية يمكن أن يذهب إليها، بحال أرادت هذه الجهة الدولية الالتزام بالنشرة الحمراء الصادرة بحقه.
وإذا كان متن الادعاء على سلامة قد تعزز بنتيجة التحقيقات التي أجريت مع الوزير السابق مروان خير الدين في فرنسا، فلا بد من توقع ما هو أخطر أي من الذي يعرفه سلامة في حال أفصح عن ما لديه، وما في جعبته من أسرار قادرة على أن تطال شخصيات وقيادات متعددة. وهو ما يحلو للكثير من المسؤولين الدوليين في توصيفه بأنه ضربة على طريق تفكيك المنظومة. وهذا شعار كبير سبق أن سمعه اللبنانيون يوم زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بيروت، ولقائه مع السكان في منطقة تفجير المرفأ، وإعلانه عن التضامن معهم بوجه الطبقة السياسية، فيما جاءت النتائج معاكسة.
الصندوق الأسود
وعليه فإن الخوف يبقى مشروعاً، لا سيما بالنظر إلى الكثير من التجارب المريرة، والتي خبرها اللبنانيون في الأشهر الماضية، بعد حماستهم للكثير من القضايا. فمن تحمس لتحقيقات تفجير المرفأ ولعودة القاضي طارق البيطار إلى عمله، صعق من إطلاق سراح الموقوفين من دون وصول التحقيق إلى أي نتيجة، وصولاً إلى تهريب أحدهم إلى الخارج.
أما من تحمس سابقاً لتوقيف عامر الفاخوري، فوجد نفسه أمام صاعقة أحدثتها طائرة حملته من السفارة الأميركية إلى الولايات المتحدة. لذلك، فإن الخوف يبقى مبرراً من تكرار المشهد هذه المرة مع رياض سلامة، تحسباً لاستفاقة اللبنانيين على خبر مغادرته لبنان إلى مكان آمن، بشكل يبقى هذا الصندوق الأسود مصاناً وسيفاً مسلطاً على رقاب الكثيرين، الذين لا بد من انتظار ردود أفعالهم حماية للكثير من الخفايا والخبايا.