
شهدت الإمارات في السنوات الأخيرة تحولاً لافتاً في قطاع الصناعات الدوائية، حيث باتت لاعباً إقليمياً يسعى إلى تقليص الاعتماد على الاستيراد وتصدير منتجات دوائية إلى الخارج، في خطوة استراتيجية لتعزيز الأمن الصحي الوطني وتحقيق الاكتفاء الذاتي في الأدوية الأساسية.
كانت البداية في عام 1998، حين حصلت شركة “فارما” الوطنية التابعة لـ”دبي للاستثمار” على ترخيص لتصنيع الأدوية. لكنها لم تبدأ فعلياً بالإنتاج إلا في عام 2005، واقتصر إنتاجها في البداية على تصنيع المسكنات. وبمرور الوقت، وتحديداً في عام 2014، بدأت بالتوسّع في إنتاج مركبات طبّية متقدّمة، لتصل في عام 2020 إلى تصنيع أدوية لأمراض القلب والسكري وضغط الدم، وغيرها من الأمراض المزمنة.
صادرات دوائية إلى الخليج وبلدان عربية
تقول مريم كلداري، المستشارة في شركة “فارما” وأول صيدلانية إماراتية، لـ”النهار”: “بدأنا تصنيع أدوية لأمراض القلب والسكري والضغط، إضافة إلى المسكنات والمكملات الغذائية والأعشاب الطبية، ونجحنا في دخول أسواق خارجية مثل كافة دول الخليج والأردن ولبنان واليمن والعراق وليبيا والسودان. ورغم وجود شركتين فقط في هذا المجال داخل دولة الإمارات، وصلنا إلى مرحلة التصدير، ونعمل حالياً على تطوير أدوية لعلاج السرطان وأمراض أخرى”.
بدأت كلداري مسيرتها المهنية في عام 1978، بعد دراستها الصيدلة في القاهرة، وهي أول امرأة تشغل منصب مديرة قسم الصيدلة في وزارة الصحة الإماراتية، وتؤدي اليوم دوراً محورياً في دعم الابتكار في الصناعات الدوائية المحلية.
يقلل التكلفة ويعزز الأمن الدوائي
تشير كلداري إلى أن الشركة تستورد المواد الأولية من الخارج، “إلا أن عمليات التركيب والتصنيع تجري بالكامل داخل الإمارات، ما يساهم في تقليل كلفة الدواء مقارنة بالأدوية المستوردة، ويجعلها أكثر تنافسية من حيث السعر، إضافة إلى خفض نسب الضرائب”.
ويعزز هذا التوجّه التعاون الوثيق بين وزارتي الصحة والصناعة، الذي أثمر شراكات استراتيجية لتصدير الأدوية إلى دول عدة من بينها البحرين، ومصر، والسعودية، والأردن، ومؤخراً تركيا، والمغرب، وقطر. حيث تُصنّع الأدوية وتُغلّف محلياً قبل تصديرها.
توطين الاستثمارات في الصناعات الدوائية
ويؤكد تقرير صادر عن “مركز إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية” في أبو ظبي أن الإمارات من أبرز الدول في المنطقة والعالم اهتماماً بتطوير صناعتها الدوائية المحلية، مدفوعة بزيادة الإنفاق على قطاع الرعاية الصحية. ويأتي هذا التوجه في سياق الزخم العالمي الذي تحظى به صناعة الأدوية، والتي يبلغ حجمها أكثر من 1,6 تريليون دولار.
وتبنّت أبو ظبي استراتيجية صناعية طموحة، تهدف إلى مضاعفة حجم القطاع الصناعي إلى 172 مليار درهم، وزيادة الصادرات غير النفطية بنسبة 148%، لتصل إلى نحو 179 مليار درهم بحلول عام 2031. وتشمل الاستراتيجية أيضاً إحداث أكثر من 13,600 وظيفة، وتحويل العاصمة الإماراتية إلى مركز إقليمي للابتكار في الصناعات الصيدلانية.جلفار”: رائدة إماراتية في الصناعة الدوائية
تعد شركة “جلفار” (الخليج للصناعات الدوائية) من أبرز الشركات التي تمثل نجاح تجربة الإمارات في هذا القطاع، فهي أول شركة وطنية لتصنيع الأدوية في الدولة، وتُصنّف من بين أكبر الشركات في الشرق الأوسط وأفريقيا. تأسست في عام 1980، ولها منشأة صناعية تنتج نحو مليون علبة دواء يومياً، وتُصدّر منتجاتها إلى أكثر من 30 دولة حول العالم. كما تُعد من كبار منتجي الإنسولين على مستوى العالم.
تمثل تجربة الإمارات في قطاع الصناعات الدوائية نموذجاً يُحتذى به إقليمياً، حيث جمعت بين دعم الابتكار وتطوير البنية التحتية الصناعية وتوسيع الشراكات الدولية. وبهذا التوجّه، لا تسعى الدولة فقط لتأمين حاجاتها الدوائية، بل لتصبح مركزاً إقليمياً وعالمياً لتصنيع وتصدير الأدوية العالية الجودة.