الاخبار
في السراي الحكومي، عُقد اجتماع أمس لبحث مسألة «ترشيد الدعم». اجتماع تأخر لأشهر، لم يتطرق إلى حلول لضمان الحفاظ على قدرة السكان الشرائية، التي انهارت أصلاً، بل هو مجرد تبادل أفكار لـ«تركيب طرابيش» يطيل أمد المبلغ المتبقي من الاحتياطي، حتى يرحّل الانفجار الشعبي الى الحكومة الجديدة
وجرى البحث في اقتراح لحصر الدعم بأقل من 50 صنفاً من الأدوية (الأمراض المزمنة والمستعصية)، على أن يخفض الدعم على أدوية من 1515 ليرة للدولار إلى 3900 ليرة للدولار (الدواء الذي كان سعره نحو 15 ألف ليرة، سيصبح سعره 39 ألف ليرة). أما باقي الأدوية، فستترك لسعر الدولار في السوق السوداء!
وبالنسبة إلى المحروقات، يجري البحث في اقتراح خفض الدعم على البنزين إلى حدود 60 في المئة، ما يؤدي إلى زيادة سعر الصفيحة إلى نحو 40 ألف ليرة، مع الإبقاء على دعم المازوت كما هو اليوم.
كذلك تم التطرق الى تخفيض كمية الطحين المدعوم لتقتصر فقط على ربطة الخبز، ما يعني أن وزارة الاقتصاد والمسؤولين فيها عن هذا الملف بالذات، كانوا على علم بهدر الطحين المدعوم على منتجات غير ضرورية ولا تحقق سوى أرباح مضاعفة لأصحاب الأفران، لكنهم غضّوا النظر عن ذلك الى أن اقترب الاحتياطي من النفاد. في هذا السياق، أوضح المدير العام للحبوب في وزارة الاقتصاد جرجس برباري، في اتصال مع الوكالة الوطنية للإعلام، أن «ما يجري التداول به عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن رفع الدعم عن الطحين غير صحيح»، مشيراً الى أنه لم يصدر قرار من وزارة الاقتصاد حتى اللحظة في هذا الموضوع. وأشار برباري الى التركيز على «الطحين الذي يصنع منه الخبز العربي، لأنه أساسي في غذاء المستهلك اللبناني (…) معلناً أن وزير الاقتصاد سيدعم كمية 27 ألف طن من الطحين المخصص للخبز العربي ستناقش آلياته في اجتماع في الوزارة».
لا تقدّم على مسار تأليف الحكومة: زيارة الحريري «خيبة أمل» لعون
لكن من سيضمن استعمال هذه الكمية لصناعة الخبز؟ وأي آلية يمكنها ضمان عدم تحرك كارتيل المطاحن والأفران مرة أخرى لقطع الرغيف من السوق وادعاء نفاد الكمية المدعومة؟ الأهم أن هذا القرار متخذ من وزير الاقتصاد راوول نعمة الذي عجز عن ضبط أسعار السلع الغذائية المدعومة، وخضع قبلها لجشع هذا الكارتيل في زيادة سعر ربطة الخبز وتخفيض وزنها رغم الدعم؟ بناءً على ما سبق، بات واضحاً أن المسعى الأساسي لحكومة تصريف الأعمال يكمن في ترشيد الدعم بقدر الإمكان حتى لا تستنفد المبلغ المتبقي من الاحتياطي، أي نحو 800 مليون دولار، بانتظار أن تأتي حكومة جديدة لتتحمل هذه المسؤولية. وتشير المعلومات الى أن رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب رفض عقد أي جلسة حكومية أو المسّ بالاحتياطي الباقي في مصرف لبنان من منطلق أن هذا الاحتياطي يعود للمودعين ولا يمكن استخدامه. لذلك، الاجتماعات في السراي ليست سوى محاولة لتأمين بعض الأوكسيجن الإضافي. فالمجتمعون لم يناقشوا بعد حلولاً جذرية للأزمة. ثمة اقتراح وحيد لم يُطرح على الطاولة جدياً بعد، وهو اقتراح إصدار بطاقات تمويلية لنحو 600 ألف عائلة، تعوّض على الأسر الفقيرة جزءاً من الدعم الذي سيُرفع. لكن النقاش في هذا الأمر تأخر أيضاً، لكونه بحاجة إلى أشهر لوضعه موضع التنفيذ، وسيُبحث في الأيام المقبلة، بحسب مصادر وزارية.
الحريري: لا للمداورة
في موازاة نُذُر الانفجار الاجتماعي، ثمة جمود حكومي يحاول الرئيس المكلف، سعد الحريري، إنعاشه مع إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارته للبنان قريباً، وذلك من باب إظهار حسن النية للضيف الأجنبي. فغداة كل موقف أو حدث دولي، يسارع الحريري الى الإيحاء ببذله جهداً لتأليف الحكومة، فيما الواقع أن 3 أسابيع مرّت من دون أن يحاول القيام بأي مبادرة، بعد إصراره على تنفيذ الأجندة الأميركية بعدم تمثيل حزب الله في الحكومة وقيامه منفرداً بتسمية الوزراء المسيحيين لكسر رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. وتشير مصادر مطلعة الى أن زيارة الحريري لبعبدا أمس كانت بمثابة «خيبة أمل جديدة، وهو ما سيدفع رئيس الجمهورية الى اقتراح أفكار بنفسه كمسعى لإخراج الوضع من المراوحة الحاصلة». وبعكس ما أشيع عن تقديم الحريري مسودة حكومية، «فإن أي حديث في الأسماء لم يحصل، باستثناء إشارة الحريري الى أن وزارتي الداخلية والاتصالات ستكونان من حصته، مقابل بقاء الطاقة والدفاع من حصة الرئيس»، ما يعني التخلي عن مبدأ المداورة كلياً والعودة الى توزيع الحقائب بطريقة مشابهة لما كانت عليه في حكومة الحريري الأخيرة. ووفقاً للمصادر، فإن عون لم يُبد أي رأي تجاه عرض الحريري، مكتفياً بالقول إنه سيدرس اقتراحه، فيما وعد رئيس الحكومة المكلف بالعودة الأربعاء مع لائحة أسماء وزارية لدرسها». وهنا ثمة روايتان، إحداها تقول إن الحريري الذي كان يشترط تسمية عون وزيرين مسيحيين من أصل تسعة، عاد وتكلم عن 6 وزراء (من ضمنهم وزير الطاشناق) مقابل وزير يسمّيه هو، وآخر للمردة وثالث للقومي. وهو ما لم يوافق عليه عون، طالباً تسمية 7 وزراء. أما الرواية الثانية، فتنفي حصول الأولى شكلاً ومضموناً، مشيرة الى أن «هذا السيناريو لم يحصل أبداً، ويأتي في إطار سعي البعض لرمي العرقلة على رئيس الجمهورية، والإيحاء كأن باسيل هو من يعرقل الحل». من ناحية أخرى، تتحدث مصادر حكومية عن ضغط فرنسي وأوروبي عبر اتخاذ موقف موحد تجاه لبنان لحثّه على تأليف حكومة في أسرع وقت، تحت طائلة القطيعة الكاملة وفرض عقوبات، مع ما يعنيه ذلك من زيادة الحصار. وهو يأتي استكمالاً للخطة الأميركية بدفع البلد الى الانهيار الكامل، لفرض شروط واشنطن بقوة الأمر الواقع.