شعار ناشطون

اختتام فعاليات مؤتمر “نعم قادرون” برعاية سلام السنيورة: طرابلس ولبنان بحاجة إلى إرادة وطنية تجعل الدولة صاحبة السلطة الحصرية على كامل أراضيها

27/05/25 09:43 pm

<span dir="ltr">27/05/25 09:43 pm</span>

اختتم مؤتمر “نعم قادرون”، الذي أقيم في جامعة بيروت العربية في ميناء طرابلس، نسخته الثالثة بعنوان “تمكين لبنان: دور المغتربين في النهضة الاقتصادية”، والتي عقدها برعاية رئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام ونظمه “تجمع رجال الأعمال اللبنانيين – الفرنسيين” في فرنسا (HALFA)، بالتعاون مع جامعة بيروت العربية ومجلس التنفيذيين اللبنانيين (LEC) والمجلس الاغترابي للأعمالLIBC ، ESA business school، واتحاد الغرف العربية، ووزارة الصناعة اللبنانية، ووزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية، واتحاد المصارف العربية، وزارة الاقتصاد والتجارة، غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس ولبنان الشمالي، وغرفة التجارة والصناعة في أستراليا ولبنان ونيوزيلندا.
بعد النشيد الوطني ونشيد جامعة بيروت العربية، تحدثت شيرين قصاب.
شعراني
وألقى مدير الجامعة في طرابلس الدكتور هاني شعراني كلمة قال فيها: “إن الجامعة شريك فاعل في مسيرة المجتمع، فنحن لا نملك ترف الانتظار، إنما الفعل والعمل. ومن هنا، جاءت النسخة الثالثة للمؤتمر، ففي يومه الأول ظهر جليا أن جميع المشاركين مغتربين منسجمين وسط أجواء من التناغم، وجميعهم رددوا في مداخلاتهم كلمات النشيد الوطني، وهو أمر يدل على حب الجميع للبنان. كما تحدثوا عن أننا امام فرصة نهوض حقيقية، وعلينا التماشي مع التطور التكنولوجي والرقمي”.
أضاف: “على مدى عام، جهدت الجامعة في تحريك الحال المحلية من خلال منصة بحث عن عمل وشراكات مع منظمات غير حكومية وخدمة مجتمعية في مجالات عدة، وهي في طور انجاز تطبيق زيارة طرابلس للترويج للسياحي، فما تحقق ليس نهاية طريق، بل بداية، ونحن نحتاج إلى الارتقاء من العمل الفردي الى العمل الجماعي لنفتح المجال للأفكار الإيجابية ونصنع المجد”.
السنيورة
واعتبر الرئيس فؤاد السنيورة ان “مدينة طرابلس اليوم هي أكثرُ مدينةٍ في لبنان قادرة على لعب دور متجدد وهي تحتاج إلى رؤية ليس فقط أكبر منها، بل يمكن أن تكون لديها الرؤية التي تحاكي رؤية اللبنانيين المبدعين لما ينبغي أن يكون عليه لبنان وقد تكون الفرصة متاحة اليوم أكثر من أي وقت مضى، ولا يجوز لنا أن نفرّط بهذه الفرصة”.
وقال : “إن الواجب يقتضي منا استنهاض مدينة طرابلس ومنطقة الشمال وإنقاذهما، وتعزيز الأمن والتشديد على استعادة القانون والنظام فيهما، بما يجعلهما جاذبتين ومسهّلتين للأعمال والاستثمارات والمبادرات الجديدة والخلّاقة. كما أنّ الواجب يتطلب منا التشديد مجدداً على أهمية العودة إلى تنفيذ وتحريك كل المشاريع المتوقفة في طرابلس والشمال والتي أعدت سابقا ولم تنفذ أو لم تستكمل، وبعضها لديه التمويل من الصناديق العربية والدولية وبالإمكان إعادة تحريكها”.
أضاف: “اعتزازي كبير بتلبية دعوة جامعة بيروت العربية، للمشاركة في هذا المؤتمر الذي ألتقي، من خلاله، مع هذه الباقة المميزة من أبناء طرابلس والشمال، للتداول سوية بهدف الإسهام في بناء استراتيجية عملية لاستنهاض منطقة طرابلس والشمال، وهي المنطقة القادرة على أن تشكِّل منطلقاً ومحركاً للتنمية بأبعادها الوطنية والاقتصادية والاجتماعية، لها ولكل لبنان. لقد تركَّز جلُّ اهتمامي ومتابعتي، وتفكيري، منذ أن دخلتُ العمل السياسي العام، بشكلٍ مباشر، في نهاية العام 1992 إلى جانب الرئيس الشهيد رفيق الحريري، على وجوب اعتماد طريق الإصلاح والحضّ على تلاؤم لبنان المستمر مع المتغيرات والتحولات، التي باتت تطرق أبوابه بشدّة، من أجل ضمان تحقيق النهوض والازدهار المنشودَين. أذكر أنني عندما قمتُ بزيارة رسمية لسنغافورة في العام 1994، وكنتُ آنذاك وزيراً للمالية في حكومة الرئيس رفيق الحريري، فاجأني وزير المالية آنذاك بقوله: إنَّ سنغافورة انتدبت في العام 1960 وفداً إلى لبنان، لدراسة تجربته وتفحُّص أسباب تقدمه، والعمل على اقتفاء نجاحاته. ذلك لوجود بعض التشابه بينهما، من حيث صِغَرِ المساحة الجغرافية وعدد السكّان وتنوعهم وقدراتهم الحيوية والإبداعية في البلدين، وكذلك من حيث طبيعة العلاقات التي تربط كلاً منهما مع محيطه. والفكرة الأساس التي كانت لدى القيادة السنغافورية آنذاك هي: “كيف يمكن أن نجعل من سنغافورة لبنان الشرق الأقصى، لما كان يُمثِّلُهُ صعود لبنان آنذاك من نجاح كنموذج يحتذى”.
وتابع: “في السياق ذاته، أذكر ما سمعته شخصياً من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم محدِّثاً الرئيس رفيق الحريري، أنّه كان يحلم عندما كان يافعاً بأن تكون دبي مثل مدينة بيروت. إنَّ سر النهوض والازدهار الذي تحقّق للبنان في فترة ماضية، انطلق من ان لبنان عمل وبجد للاستفادة من ميزاته التفاضلية، المتمثلة بالنظام الديمقراطي البرلماني، وبالحريات والانفتاح، والاستقرار السياسي والاجتماعي، والتعليم المتميز لديه، وكفاءة وخبرة أبنائه المقيمين والمهاجرين، والدور الحيوي للقطاع الخاص، والخدمات المتنوعة والمميزة التي يقدّمها. وكذلك بحرصِ أبنائه الدائم على التأقلم والتلاؤم المستمر والكفوء مع المستجدات والتطورات والتحولات التي كانت تحصل من حوله. وفي ذلك السبيل، عمل لبنان على إبراز دوره التاريخي في منطقته، وعلى تعزيز ميزاته التفاضلية، ومن ذلك، في كونه جسراً وبوابةً تفاعلية بين منطقته العربية والعالم. ولقد أثبت لبنان دوره وفعاليته على مختلف الصعد الثقافية، والاقتصادية، والإنمائية، والإعمارية في المنطقة العربية، وفي دول المهجر، على مدى عدة عقود ماضية. وبذلك نجح في وضع نفسه آنذاك على خريطة التطوّر والنمو والحداثة التي كان ينشدها اللبنانيون”.
وأردف:” ما حدث أنَّ سنغافورة نجحت في بناء نظامها ومؤسساتها وإدارة شؤونها العامة بكفاءة وحوكمة عالية، وجَهِدتْ من أجل الحفاظ على خط سيرها في التحديث والإصلاح والارتقاء مع التلاؤم المستمر مع محيطها في عالم متغير. وهي قد حققت نجاحاً باهراً في تحقيق النمو والتنمية والانضباط والتميز والازدهار الاقتصادي، حتى غَدَتْ من مجموعةِ بلدانٍ شكّلت ظاهرةَ “النمور الآسيوية” في مجال النمو والتنمية والتقدم والازدهار والتكنولوجيات الحديثة. كذلك الأمر في ما تحقّق من تقدّمٍ كبيرٍ واستثنائي في دبي التي نجحت في أن تصبح مركزاً عالمياً للتقنيات وللخدمات المتطورة والمتقدّمة، مستفيدة من الميزات التفاضلية التي أبدعت في احتضانها وتنميتها، ولاسيما في حقول المال والأعمال والتكنولوجيا والفضاء والإعلام والسياحة، وصولاً في هذه الأيام إلى فتوحات الذكاء الاصطناعي. في المقابل، لم يُحَصِّن لبنان نفسه داخلياً من غائلات الزمن ومصاعب المنطقة، بل اندفع أو بالأحرى تمَّ دفعه، وبدون تروٍ أو انضباط إلى الانغماس فيها. وبالتالي، لم يستطع لبنان، وياللأسف، أن يصمد في وجه الصدمات التي أحاطت به ودفعته إلى السقوط في أتون الحروب العبثية والصراعات الداخلية والخارجية المستمرة والمدمرة. ولقد كان من نتيجة ذلك، أن اتجه لبنان نحو الانحدار والتراجع، ولاسيما بسبب فشله في تحويل فسيفسائيته وتنوع مكوناته إلى ميزة تفاضلية لديه في محيطه. ولذلك، وبدلاً من أن يكون تنوُّعُه مصدراً لثراء صيغته الفريدة في العيش المشترك، وتعزيزاً لاستقراره ونهوضه، أصبح تنوعه سبباً لإقحامه في خلافات داخلية وخارجية عميقة ومدمرة. وهكذا تحول لبنان إلى الانغلاق على نفسه بدلاً مما اتّسم به سابقاً من انفتاح مبادر وتطور وازدهار. وبالتالي، فقد تحول نحو الفوضى وتراجع دور الدولة وسلطتها اللذين يفترض بهما أنْ يكونا الضامنَ للأمن والاستقرار. كما أنّه، ومن جهة ثانية، تحول نحو الاستعصاء على الإصلاح، لتصبح صيغته القائمة على التنوع هشة، بفعل الصدمات والأزْمات والحروب الناشبة في لبنان، وعلى لبنان منذ العام 1975. وهي السنة التي شكَّلت اللحظة التاريخية والنقطة المفصلية التي نتذكرها في هذه الآونة لمناسبة مرور خمسين عاماً على الحرب الأهلية. ولقد أدَّى ذلك إلى إجهاض الكثير من محاولات وعمليات الإصلاح التي كان ينبغي على لبنان أن يتبناها، والتي كان يُفترضُ بها أن تشكّل بالنسبة له مصدر حيوية دائمة، وحافزاً للنهوض والازدهار”.
وقال: “صحيح أنّ موقع لبنان الجغرافي كجزء من منطقة جيوسياسة زلزالية، جعله يقبع ضمن ظروف إقليمية ودولية شديدة الصعوبة وعرضة لصدمات عدة، حوَّلته إلى ساحة للتقاتل الداخلي والإقليمي والدولي. إلاّ أنّه، وعلى الرغم من ذلك، لا يجوز على الإطلاق وضع اللوم كلّه على العوامل الخارجية، إقليمية أو دولية. ذلك أنّه كان للعوامل والانقسامات والحزازات والصدامات الداخلية قسطٌ ودورٌ كبيران في ما أصاب لبنان من مشكلات ونوائب، وحال دون سلوكه دروب الإصلاح الصحيح. من أهم الدروس التي كان ينبغي على لبنان في الماضي وحتى الآن أن يستخلصها من تجاربه العميقة والطويلة والمؤلمة في الانخراط في الحروب الداخلية العبثية، وفي الاستعصاء على الإصلاح، انَّ الإصلاح ليس قصيدة عصماء تلقى من على المنابر، أو لازمة نستعملها في أحاديثنا ومناظراتنا السياسية لاكتساب شعبية عابرة، وإنما هو فعل إيمان حقيقي، وممارسة صادقة وواجبة، بكونه حاجة وضرورة تقتضيان من مسؤوليه ومواطنيه عملاً ملتزماً لا يَكِل ولا يَمِلّ ولا يتوقف للمحافظة عليه كنهج. كما تقتضيان الإدراك أنَّ الإصلاح قد يصبح أحياناً كأساً مرَّاً لا مناص من تجرعه، وأنه ليس من الحكمة تأجيله. فنجاعة الدواء تكون بتناوله رغبةً لا إكراهاً وفي وقته، وإلاّ تضاعفت الجرعات التي يحتاجها الجسد المريض. وهذا يتطلّب إرادةً وعزماً وشجاعةً وصبراً وتضحية، وعملاً دؤوباً يحميه موقف سياسي وشعبي جامع على ضرورته”.
واردف: “تبين التجارب أنّ الأمم والدول تتبنى برامج الإصلاح، التي هي بحاجة ماسة إليها، وتبادر إلى تنفيذها عندما تكون قادرة عليها، وليس عندما تصبحُ مُجْبرة على تنفيذها. عندها تكون العملية الإصلاحية قد أصبحت أكثر تعقيداً وأكثر إلحاحاً، كما يكون تنفيذها قد أصبح أكبر كُلفة وأكثر وجعاً وإيلاماً وعُرْضةً للأخطاء، ويزداد السير فيه صعوبة وعسراً، وربما لا تعود العملية الإصلاحية كافية لتأدية الغرض الذي تتوخاه الأمة أو الدولة من الإصلاح. لهذا، فإنَّ الإصلاح ينبغي أن يستند إلى رؤيةٍ مشتركةٍ وشاملةٍ، ترفدُها إرادةٌ صَلْبَة، ويؤازرُها اقترانُ الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري بإصلاح سياسي يحقق الاستقرار بمختلف جوانبه، ويؤدي في المحصلة إلى تحقيق الأهداف المتوخاة والمنشودة من جانب المواطنين. للأسف، لم يحصل الإصلاح المنشود في لبنان كما كان ينبغي. فعلى مدى عقود ماضية، بات لبنان يشكو من استعصاء مزمن على الإصلاح المطلوب، حال بينه وبين الاستفادة من الظروف والفُرَصِ والرياح الداخلية والإقليمية والدولية المؤاتية، وإنْ لم تكن دائماً كذلك. تجدر الإشارة إلى أنه قد أتيح للبنان على مدى عقود ثلاثة ماضية وفي خضم أزْمات مستعصية، داخلية وإقليمية، انعقاد سبع مؤتمرات عربية ودولية لمساعدته، كانت بمجملها سخيَّة. هذا فضلاً عن المبادرة الكريمة للملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود بمبلغ ثلاث مليارات دولار أميركي لتجهيز الجيش اللبناني، فلم يستطع لبنان الاستفادة إلاّ جزئياً من مؤتمر باريس-II الذي تمّ التحضير له وانعقاده خلال ولاية الحكومة الرابعة للرئيس الشهيد رفيق الحريري، والتي كنتُ فيها وزيراً للمالية. بينما جرى تضييع جميع الفرص الأخرى بسبب الاستعصاء المزمن على الإصلاح”.
وتابع:” لهذا، تُبين التجربة اللبنانية، انَّ المماطلة في تبني الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية والاستنكاف عن القيام بتنفيذها في وقتها، كان لهما دور أساس في لجم معدلات النمو والتنمية الاقتصادية والمناطقية. ذلك ما أسهم في تأخير معالجة المشكلات البنيوية التي ظلَّ يعاني منها الاقتصاد اللبناني، وأدَّى إلى تكبيل الاقتصاد وإرباكه ومنعه من استعمال كامل مقدراته وإمكاناته الكامنة. وهو ما أدّى بالتالي إلى خفض القدرة التنافسية للاقتصاد اللبناني وإلى تراجع ميزات لبنان التفاضلية. ليس ذلك فقط. لقد أدّى الاستعصاء، كما والإيغال في ارتكاب الأخطاء الناتجة عن عدم التبصُّر، إلى ترتيب أعباء هائلة على الاقتصاد اللبناني وعلى المالية العامة. لا أحسبني أُبالغ في التعبير عن الأسى الشديد الذي يَعْتريني من تحسُّر على الفرص التي أُهدرت عبثاً، أكان ذلك بسبب الجهل أو التجاهل أو الحقد والكيد الأعمى والتناحر الداخلي، وبعض الإيحاءات الخارجية، ما كان من شأنه أنْ يعمي البصر والبصيرة، ويؤدّي بالتالي إلى إحداث ذلك التراجع والتدهور الذي حلّ بلبنان، وعلى أكثر من صعيد”.
وقال:” إنّ الخطأ الذي ارتُكِبَ في لبنان لجهة التأخر والتقاعس عن القيام بالإصلاح الذي لا يزال مطلوباً حتى الآن لا يعني انتفاء الحاجة إليه. على النقيض من ذلك، فإنَّ السير في تنفيذه لم يعد ترفاً يمكن أن نستغني عنه، بل أضحى الإصلاح قضية حياة أو موت للبنان واللبنانيين، وباتَ بالنسبة لنا قارب النجاة الوحيد. أليس غريباً أن أشقاءنا وأصدقاءنا في العالم ملّوا من ترداد ما قالوه لنا ورددوه على مسامعنا على مدى ثلاثة عقود ماضية: “ساعدوا أنفسكم حتى نستطيع مساعدتكم”؟ المسألة الأساسية الآن تتمثل بهذا السؤال الكبير: هل نحن قادرون على مساعدة أنفسنا؟ وقبل ذلك هل نريد فعلاً ونرغب بتبني الإصلاح؟ أعتقد بقوّة أننا نريد ونرغب بتبني الاصلاح، وأننا نستطيع التقدّمَ على مسارات التنفيذ، ولاسيما مع انطلاق هذا العهد الجديد المرتكز إلى خطاب القسم الواعد والبيان الوزاري المتقدم والواضح، وكذلك استناداً إلى جملة التطورات والتحولات الكبرى التي باتت تدق أبواب لبنان والمنطقة العربية بقوة، التي لم يعد بالإمكان تجاهلها أو صرف النظر عنها أو عدم الاستفادة منها”.
وسأل: “ماذا يعني هذا الكلام؟”، وقال:”هذا يعني أننا مدعوّون إلى واجب التفكير بإعادة اختراع لبنان من جديد لما فيه مصلحة اللبنانيين. وهذا يعني إعادة تكوين ميزاتنا التفاضلية بشكل حديث يتلاءم مع مقتضيات العصر ومستلزمات تحقيق النمو والازدهار. ومن ذلك، العمل على تعزيز الاستقرار الوطني والسياسي والأمني والاجتماعي، وتأكيد حكم القانون والنظام، والعودة إلى احترام الدستور واستعادة دور الدولة العادلة والقادرة، التي تبسط سلطتها الحصرية على قرارها وعلى جميع مرافقها وأراضيها، واعتماد السياسات والإجراءات الجاذبة والمُسهِّلةِ للاستثمار والمشجعة على النمو والتنمية المناطقية، ليكون لبنان بالفعل جاذباً لجهود جميع اللبنانيين المقيمين فيه، وكذلك لأولئك العاملين في الخارج. وبالتالي العمل بكل قوة مع هؤلاء ومن أجلهم للوصول إلى تحقيق التلاؤم الصحيح والمجدي، مع المتغيرات والتحولات الكبرى الجارية من حولنا. ويكون ذلك بتبني الإصلاحات المطلوبة على الصعد الوطنية والسياسية والاقتصادية والمالية والإدارية، والعمل على تطبيقها، لكي نتمكن من التكيف مع حركة العصر وتطوراته. هنا عليّ أن أوضح أمراً ينبغي على اللبنانيين جميعاً أن يحسموه بشكلٍ قاطع لكي تكون بوصلتهم صحيحة. ذلك أن الحديث لدى البعض عن أن الإصلاح مسألة مفروضة علينا، وأنها مطلوبة من الخارج ولمصلحة الخارج ليس في مكانه الصحيح، بل هو كلام مدمّر يجب أن يتوقف. فالإصلاح هو حاجة لنا ولم يعد يجدي التقاعس والتواكل عن القيام به. نحن بحاجة إلى الإصلاح من جوانبه الوطنية والسياسية والاقتصادية والمالية والإدارية والأمنية والاجتماعية كافة، والذي ينعكس إيجاباً على لبنان واللبنانيين في يومهم وغدهم؛ وذلك لملاقاة التطورات العميقة الجارية الآن لدى جميع الدول المحيطة بنا في المنطقة والعالم، ولالتقاط الفرص الكبرى التي تلوح في الأفق”.
أضاف:”من جهة أخرى، أودّ أن أقول، بشكلٍ واضح، أنّ الدول لا تفلس. قد تتعثر لتعود وتنهض من جديد لكونها كيانٌ مستمر. ولكن الإدارة السيئة والفاشلة وغير الرؤيوية، وغير القيادية، هي التي تفلس. إذْ إنّ الدول قادرةً دائماً على أن تخلق قيماً اقتصادية جديدة تمكنها من استعادة النهوض وتحقيق التقدم المنشود. وأن الدولة اللبنانية يمكن لها أن تستعيد النهوض الذي يحلُمُ به ويريده اللبنانيون. في إطار هذه المقاربة، ينبغي أن يجريَ حديثنا عن طرابلس والشمال”.
وتابع: “طرابلس عاصمة الشمال وحاضرته الحنون التي جرى تسخيرها على مدى عقود ماضية ساحة لاستدامة القتال العبثي، والذي دفعت فيه طرابلس ثمناً باهظاً من تاريخها وأمنها وسمعتها واقتصادها، وأسهم في تدمير رونقها كعقدة الوصل بين الأقضية التابعة لها، وفي إخراج عدد من مرافقها ومؤسساتها عن الخدمة. أقول هذا، لأضرب المثل للبنانيين كلهم بأننا جربنا التقاتل الأهلي، والتحالف المسموم مع جهات الخارج، والهيمنة، والممانعة والمطاوعة. ولقد ثبت لنا بالملموس والوجه الشرعي عقم تلك المقاربات ونتائجها الكارثية. الأمر الذي يدفعنا إلى وجوب إجراء قراءة جيدة ومتبصرة للخريطة الوطنية والإقليمية والدولية، والاستفادة من الاحتضان العربي، ومحاذرة الاصطدام بالألغام الغادرة، والالتفات إلى وضع الاصلاح السياسي والإداري والاقتصادي المنشود في غرفة العناية الفائقة لكي يتنفس لبنان من جديد، حيث تلوح لنا في الآفاق المشهودة فرص استرداد دور الدولة اللبنانية وسلطتها الحصرية لمصلحة جميع أبنائها، ولمصلحة أشقائها، وضرورة العمل على تحصينها، وطنياً وسياسياً وشعبياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعياً، في وجه القضم الإسرائيلي الذي ينفتح نهمه على قضم أراضينا وأراضي أشقائنا. علينا الاستفادة من حال تنبئ بانفضاض كثير من الدول من حول اسرائيل واستهجان طبيعتها الإجرامية؛ وذلك بإعمال الحصافة والحنكة والصلابة في آنٍ معاً. هذا ما يدفعني إلى القول بداية، إن “لا رياح مؤاتية لمن لا أشرعة له”. فطرابلس مدينةٌ تتمتع بمقوماتٍ استثنائية في بلدٍ لم يستطع لفترة طويلة أن يستفيد من الفرص التي أُتيحت له، بسبب التعطيل والشلل والمناكفات الداخلية العبثية والاستعصاءات المحلية والإقليمية. طرابلس تمتلك مقومات لا تملكها أي مدينة أخرى في شرق المتوسط. وهي قادرة أن تُصبح بالفعل مقصداً للزائرين والمستثمرين ولحركة اقتصادية نشطة. ومن ذلك، في أنها المنطقة المتصلة بالداخل العربي بخط أنابيب للنفط يمتد من العراق عبر سوريا إلى طرابلس، حيث لايزال المصب صالحاً لاستقبال ناقلات النفط الكبيرة. وهي المؤهلة أيضاً للاستفادة من خط الغاز العربي، وكذلك من استمداد الكهرباء العربية من الأردن. ولديها مرفأ يتميَّز بعمق يستطيع استقبال السفن الكبيرة. ولديها منطقة كبيرة محاذية ضرورية لحاجات تطور المرفأ ومنطقته الحرة، وما يقتضيه العمل على تعزيز نموّها. ولديها القانون الرقم 18 تاريخ 5 أيلول 2008، الذي أقرته حكومتي الثانية، ويؤسِّس المنطقة الاقتصادية، وقد مضى على إقراره سبعة عشر عاماً ولا يزال يحبو دون أن يقف على رجليه. ولديها مطار يعتبر الأطول مَدْرَجاً في لبنان. ولديها أراضٍ محاذية تستطيع أن تؤمن بنى تحتية ولوجستية هامة من أجل إعادة بناء مصفاة نفط كبيرة متميزة على شاطئ شرق المتوسط. كذلك تتمتع طرابلس بميزة استثنائية تحققت خلال الحكومتين اللتين ترأستهما، وجعلتها تتفوَّق على غيرها على الساحل الشرقي لحوض البحر المتوسط، بكونها نقطة وصول خطوط الاتصال عبر خطIMEWE (India Middle West Europe) مع العالم الرقمي والافتراضي. كذلك فإنّ لديها يداً عاملة بوفرة وقادرة على اكتساب المهارات والحرفية المطلوبة بأسعار مقبولة. ولديها منطقة معرض رشيد كرامي الذي يمتلك بنية هندسية بمواصفات عالمية تُمكِّنُها من جذب نشاطات مرتبطة بإقامة المؤتمرات والخدمات المواكبة لها. كذلك لديها إمكانية لبناء خط سكة حديد يربط لبنان براً بالعالم العربي وبأوروبا، ولديها تراث ثقافي مملوكي وفاطميٌّ، وتاريخ عريق ومعالم جاذبة للسياحة الثقافية”.
وأردف: “كل هذه المقومات قادرةٌ على أن تجعل من طرابلس عاصمة لوجستية هامة في منطقة شرق المتوسط، الأمر الذي يُمكن من خلاله ليس فقط تعزيز الهوية والحيوية الاقتصادية لطرابلس والشمال، بل الإسهام في إعطاء لبنان دوراً مستجداً كان قد خسره بسبب تفويته الفرصَ التي أتيحت له من قبل. طرابلس اليوم هي أكثرُ مدينةٍ في لبنان قادرة على لعب دور متجدد، وهي تحتاج إلى رؤية ليس فقط أكبر منها، بل يمكن أن تكون لديها الرؤية التي تحاكي رؤية اللبنانيين المبدعين لما ينبغي أن يكون عليه لبنان. وقد تكون الفرصة متاحة اليوم أكثر من أي وقت مضى، ولا يجوز لنا أن نفرّط بهذه الفرصة. المطلوب إذاً هو أن نعمل على تكاتُفِ وتعاضُدِ جميع المكوّنات الخلّاقة والمبدعة في هذه المدينة على اختلافاتها السياسية تحت شعار حصري واحد، وهو العمل معاً من أجل طرابلس ومنطقة الشمال. وهي دعوة وطنية نُهيبُ بالجميع، نواباً وبلدية ومجتمع مدني، تلبيتها والتضامن من حولها، والعمل بمضمونها بعيداً عن الاصطفافات السياسية، وذلك بالتعاون مع الحكومة التي ينبغي عليها أن تبادر وتدفع باتجاه تكوّن هذا الجهد النهضوي. نحن بحاجة للبناء على هذه المقومات الأساسية، التي تشكّل الأعمدة اللازمة لنصنع منها وبها الأشرعة المناسبة، بحيث تكون طرابلس جاهزة لاجتذاب الرياح المؤاتية وتحقيق الانطلاق. طرابلس وكذلك لبنان بحاجةٍ إلى إرادة وطنية رؤيوية حازمة وشجاعة، بحيث نستطيع من خلالها أن نستعيد الدولة لتكون صاحبة السلطة الحصرية على كامل أراضيها ومرافقها، ولتكون لديها الإدارة القيادية التي تتمتع بالإرادة الصحيحة، ولديها الشجاعة والعزيمة الفائقة لإطلاق هذه المسيرة الاستنهاضية والمثابرة على سلوكها”.
وقال:”السؤال الكبير: هل سنشارك في هذا الجهد الوطني؟ وهل سنرفع معاً الأشرعة التي يحتاجها وطننا؟ قال الله تعالى: إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. إن الواجب يقتضي منا استنهاض مدينة طرابلس ومنطقة الشمال وإنقاذهما، وتعزيز الأمن والتشديد على استعادة القانون والنظام فيهما، بما يجعلهما جاذبتين ومسهّلتين للأعمال والاستثمارات والمبادرات الجديدة والخلّاقة. كما أنّ الواجب يتطلب منا التشديد مجدداً على أهمية العودة إلى تنفيذ وتحريك كل المشاريع المتوقفة في طرابلس والشمال والتي أعدت سابقا ولم تنفذ أو لم تستكمل، وبعضها لديه التمويل من الصناديق العربية والدولية وبالإمكان إعادة تحريكها”.
وختم: “إن الحاجة باتت ماسّة لجمع هذه العوامل والعناصر في ضميمة واحدة متآلفة، من خلال حركة استنهاضية لجميع النخب الطرابلسية والشمالية ولدى القطاع الخاص فيهما، لتوجيه الأنظار والاهتمام نحو تكوين بيئة ومُناخ داخلي يوحي بالثقة، ويكون جاذباً للاستثمارات اللبنانية والعربية التي يمكن، بل يجب أن ينطلق معها النهوض المنشود. وكما يقول أبو جعفر المنصور:
“إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا”
إذا كان القرار جاهزاً لاستعادة النهوض في طرابلس والشمال، فإنَّ المطلوب قد بات واضحاً، وأنا على ثقة بأنكم تستطيعون القيام بذلك. وفَّقكمُ اللهُ، وَحَيّ على العمل”.
درباس
والقى الوزير السابق رشيد درباس كلمة قال فيها: “قدم الرئيس السنيورة صفحات مكثفة من خزانة تجربته الطويلة في الحكم، وهو الذي كان مشاركا في إعادة التكوين في مشروع رفيق حياته وعقله الشهيد رفيق الحريري، حيث تولى منذ البداية وزارة المال الذي كان سائبا، بل مضيعا بين قيود كاذبة وقيود مخفية، ووسائل بدائية، إذ يروي أنه عندما دخل الوزارة لم يجد فيها آلة حاسبة، بل رأى كثيرا من الموظفين يستعملون ميزان الضرب على الطريقة التي كانت تعلم في الصفوف الابتدائية. وحارس المال في ذلك الزمان كان مستهدفا بالحملات الظالمة، لسببين، الأول أنه كان صارمًا بلا أي مسايرة، والثاني أنه كان في كثير من الأحيان عنوان الرسائل اللئيمة التي توجه إلى رفيق الحريري”.
أضاف: “المرحلة الثانية كانت بتوليه رئاسة حكومتين، فاتسمت مرتها الأولى بمرارات الاجتياح والحصار والاستقالات التي حاولت منع تأليف المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الحريري، لكنه ومن عقر الحصار انجز تلك المهمة الفائقة الصعوبة وظهرت الحقيقة وأدين القتلة، ومرتها الثانية بالحرب التي شنتها اسرائيل على لبنان، ودمرت بناه، فصمدت الحكومة في وجه الهول، واستحقت لقب حكومة المقاومة الديبلوماسية والسياسية، وقد كانت أيضا حكومة الإنسانية بتنظيم إيواء مئات آلاف من أهل الجنوب، كما استحقت أيضا لقب حكومة إعادة الإعمار الذي تولته وفق إرادات الجهات والدول المانحة لا سيما الأشقاء من الخ

تابعنا عبر