غادة حلاوي – المدن
مواكبة دولية حثيثة رافقت زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت. الورقة التي يناقشها مع لبنان وإسرائيل مستقاة من الورقة الفرنسية مع إضافة بنود جديدة تتعلق بالمراقبة والحدود. تفضل الولايات المتحدة أن يكون دورها في الطليعة، وتلعبه بمعزل عن اللاعبين الآخرين المعنيين بالملف اللبناني، وأولهم فرنسا الموجودة خلف الكواليس في المفاوضات، وإن كان دورها واضحاً في كل البنود، وأولها لجنة المراقبة وحفظ الحدود واليونيفيل، وستكون محطة هوكشتاين التالية متى أعلن عن نجاح المباحثات. أسند إليها الإخراج للاتفاق بالشكل.
بحذر تتعاطى أوساط ديبلوماسية مع المباحثات الجارية بشأن وقف النار، وعينها على رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، وعما إذا كان ينوي وقف الحرب أو توسيع رقعتها. تترقب خطوات هوكشتاين وتأمل الوصول إلى اتفاق. وإذا كانت الولايات المتحدة تقدم نفسها كمعنية مباشرة، فإن لهذا الاتفاق جذوره الفرنسية، وستكون فرنسا ممثلة مباشرة في آليته التنفيذية وضامنة أساسية لتطبيقه.
توسيع لجنة المراقبة
في تفاصيل ما يجري النقاش بشأنه، توسيع لجنة المراقبة للحدود، لتشمل ممثلين عن الجانبين الفرنسي والأميركي إلى جانب الممثلين الثلاثة المتواجدين في اللجنة الحالية أي لبنان وإسرائيل وقوات اليونيفيل بعد فشل إسرائيل بفرض تمثيل بريطانيا وألمانيا. لن تؤثر اللجنة على مهام وصلاحيات اليونيفيل. في تقنيات العمل يفترض أن ترفع اليونيفيل ملاحظاتها عن الخروق إلى لجنة المراقبة للبت فيها.
وتجنباً لإشكالية التعديل وحاجته إلى موافقة مجلس الأمن، كان المخرج باعتماد الصيغة التي سبق وأقرت للجنة المراقبة في أعقاب اتفاق عناقيد الغضب 1996، والتي تضم ممثلين عن الولايات المتحدة، فرنسا، إسرائيل، لبنان، وسوريا التي لن تكون ممثلة. وسيكون عمل اللجنة مقتصراً على مناقشة الانتهاكات للاتفاق اللبناني الإسرائيلي ومعالجة أسبابها ميدانياً.
الحدود البرية
بقيت الحدود البرية موضع جدل، ليس معلوماً كيف سيكون رد نتنياهو على رفض لبنان تعديل حدوده والتمسك بالاتفاقيات الموقعة في هذا الخصوص. تلك المتعلقة بالحدود البرية. بالنص المرفق تنسف إسرائيل اتفاقيات الترسيم وتطالب بترسيم جديد للحدود لا يعترف بالخط الأزرق. ترفض الانسحاب من القرى التي دمرتها وتوغلت إلى عمقها، وتريد الاحتفاظ بمساحة جغرافية توازي السيطرة على عمق ثلاثين قرية وبلدة لبنانية لتعيد تركيب أجهزة المراقبة التي دمرها حزب الله بحجة حماية المستوطنات.
بين أخذ ورد استمرت المفاوضات بين هوكشتاين وعين التينة، بعد التراجع التكتيكي للسراي الحكومي. خلاف على ترجمة بعض المصطلحات، وعلى التفاصيل المتعلقة بالانسحاب والحدود وأمور تقنية أخرى استدعت الاستعانة بخبراء. ورقة منقحة حملها هوكشتاين إلى إسرائيل، تتمحور كلها تحت عنوان تطبيق القرار 1701 كي لا يضطر الطرفان أي لبنان وإسرائيل لإحالة أي اتفاق إلى مجلس الأمن لإقراره مجدداً.
ويدخل ضمنها إعطاء كلا الطرفين حق الدفاع عن النفس. وهذه صيغة اعتمدت كمخرج لطلب إسرائيل القيام بعمليات متى شعرت بالخطر دفاعاً عن النفس. خلال المفاوضات أبدى لبنان تجاوباً كلياً مع البنود وأبدى مرونة في التعاطي. يومان من المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل انتهت إلى وضع هوكشتاين اتفاق إطار جديداً أو تفاهماً جديداً بضمانة دولية أميركية فرنسية.
يتوقع لبنان تجاوباً من نتنياهو. مكتبه تولى التفاوض بالتواصل عبر هوكشتاين، وعبره تم وضع اللمسات الأخيرة. ومن جانب حزب الله، فالموقف الذي أخرجه أمينه العام الشيخ نعيم قاسم يشير في خلفيات سطوره إلى موافقة ضمنية تحت تهديد استكمال العمل في الميدان.
الفصل أمر واقع
لكن ما تتوقف عنده المصادر الديبلوماسية أن الاتفاق يقوم على فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة بتشجيع من إيران التي دفعت باتجاهه، وطلبت تسهيل التفاوض، بما يعاكس مواقفها السابقة، بربط الجبهتين. سلم لبنان أخيراً بفصل الجبهتين، ولو فعل ذلك سابقاً، حسب المصادر، لوفر على لبنان ثمناً باهظاً دفعه، وهذا كان لا يزال مطلباً إسرائيلياً ملحاً بالنظر إلى رغبة نتنياهو استكمال عدوانه على الضفة الغربية بعد غزة وحينها، سيكون حزب الله خارج معادلة الاسناد والردع حسب الاتفاقية الجاري نقاشها، والتي تسحب من حزب الله دوراً كهذا وتفرض تراجعه المسلح إلى ما وراء شمالي الليطاني.
المصادر عينها تؤكد أن الاتفاق وإن كان اتفاقاً أمنياً، لكن الشق السياسي منه سيكون شفهياً وستتولاه فرنسا، التي ستعلن عن اتفاق يدخل ضمنه انتخابات رئاسة الجمهورية، حيث تسجل فرنسا عتباً على تأخير الاستحقاق، وتحمل مسؤوليته للأطراف المسيحيين والموارنة على وجه الخصوص. ولن يكون بعيداً أن صيغة أي اتفاق على الرئيس ستتضمن الاتفاق على رئاسة الحكومة كي لا يلي التعطيل الرئاسي تعطيل مماثل في الحكومة.
لكن كل ما تقدم قد يكون سابقاً لأوانه ما لم يقبل نتنياهو الاتفاق المعروض عليه. ذلك أن الفرنسيين كما الأميركيين يتخوفون من رفضه. قالها هوكشتاين في عين التينة إن رئيس وزراء إسرائيل سيفعل المستحيل للتعطيل حتى فترة الأعياد كي تنتهي ولاية الرئيس جو بايدن ويبيع الاتفاق للإدارة الأميركية الجديدة. ولأجل هذا تساهل لبنان قدر المستطاع، وخصوصاً حول إلية مراقبة المراقبين ووقف النار وانسحاب إسرائيل من القرى التي توغلت اليها، ليتم بعدها الاتفاق النهائي بشأن الترسيم للحدود البرية والتنفيذ التقني الفعلي للقرار 1701.
تقول مصادر سياسية مواكبة لحراك عين التينة في تلخيص المفاوضات مع الموفد الأميركي، خرج رئيس المجلس مبتسماً من اجتماعه مع هوكشتاين، لكن وجهه فيه شيء من عدم الارتياح.
العيون على اجتماع نتنياهو هوكشتاين، وهل سينصت رئيس حكومة إسرائيل للأصوات التي تنصحه باسثمار “إنجازاته” في السياسة، أم سيستمر في حربه وتتجدد أكثر معادلة حزب الله: تل أبيب مقابل بيروت.