أحمد الأيوبي – أساس ميديا
عادت التسريبات السياسية والإعلامية، حول إحياء تنظيم “داعش”، إلى صدارة الاهتمام، مع دخول المفاوضات الإيرانية – الأميركية مرحلة شدّ الأعناق، وليس ليّ الأذرع فقط. إضافة إلى إصرار إيران على استحضار أوراقها العسكرية والأمنية لإنضاج ظروف العودة إلى الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة من دون تعديل في الشروط. والهدف أن تحافظ إيران على ميليشياتها، لتبقي على احتلالها عواضم عربية وتهديد دولها التي لم تسقط بعد في دائرة المحور الإيراني.
تحتاج طهران، لتقوية أوراقها التفاوضية، إلى إطالة أمد الأزمات، وتسخين الجبهات واستعادة الدور الذي تعتقد أنّه سيعيد إليها “التكليف الدولي” للبقاء في العالم العربي، وهو “مكافحة الإرهاب” (السنّي). وهي مهمة وجدتها لنفسها من خلال التلاعب مع المنظمات المتطرّفة، لاجتياح أربع عواصم عربية وإخضاع شعوبها، مستغلّةً الفراغ الذي أتاحته لها الإدارات الأميركية منذ غزو العراق عام 2003.
عادت التسريبات السياسية والإعلامية، حول إحياء تنظيم “داعش”، إلى صدارة الاهتمام، مع دخول المفاوضات الإيرانية – الأميركية مرحلة شدّ الأعناق
وفي هذا السياق، لا بدّ من وضع بعض الحقائق أمام الرأي العام:
– التنظيمات المتطرّفة، داعش والقاعدة ومتفرعاتهما، تحظى برعاية واضحة من الحرس الثوري الإيراني. وهذا ما كشفته وقائع احتضان قيادة القاعدة في إيران بعد الغزو الأميركي لأفغانستان، ثمّ التواطؤ غير المخفيّ الذي مارسه نوري المالكي في تسهيل استيلاء “داعش” على الموصل بعد إطلاق العدد من قياداتها من السجن، وتسهيل امتداد التنظيم في المدن والمحافظات السنّيّة، قبل أن يحوّلها الطرفان إلى أنقاض.
– تكشف التقارير الحديثة مزيداً من تواطؤ الميليشيات الإيرانية مع تنظيميْ “القاعدة” و”داعش”. وآخرها مذكرة من الحكومة اليمنية الشرعية وجّهتها آخر شهر آذار الفائت، إلى الرئيسة الدورية لمجلس الأمن الدولي، السفيرة الأميركية لندا توماس غرينفيلد، تضمّنت تقريراً موجّهاً إليها وإلى أعضاء مجلس الأمن، تثبت العلاقة والتعاون بين ميليشيات الحوثيّ والتنظيمات الإرهابية، مثل “داعش” و”القاعدة” في اليمن، والتعاون الأمني والاستخباري بينهما.
وأورد التقرير أنّ ميليشيا الحوثيّ أفرجت عن 252 سجيناً من عناصر “القاعدة”، وعن أحد مخطّطي الهجوم على السفينة “يو.إس.إس.كول”، مشيراً إلى أنّ معارك الحوثيّين ضدّ القاعدة في اليمن هي “معارك صوريّة”، وأنّ 55 من عناصر “القاعدة” موجودون في صنعاء تحت رعاية الحوثيّين.
ولفت التقرير إلى أنّ “القاعدة” أخلت عدة مناطق وسلّمتها للحوثيّين للالتفاف على الجيش اليمنيّ، وعناصر من “داعش” قاتلت في صفوف الحوثيّين، والجيش الوطني أسر عناصر من “القاعدة” قاتلوا مع الحوثيّين.
– في هذا السياق يقع تصريح قائد القيادة المركزية الأميركية كينيت ماكينزي، في شباط الماضي، بقوله إنّ تنظيم “داعش” سيستمرّ على شكل تمرّد، وسيحاول تجديد نفسه وتطوير أهدافه، محذّراً من ظهور جيل جديد من الموالين للتنظيم، من خلال انتشار أفكاره وسط المعتقلين في “المعسكرات التي لا تشرف عليها قوّاته في سوريا والعراق”. وهي معسكرات إيران وحلفائها. وقد أعلن ماكينزي عن وجود نحو 10 آلاف مقاتل “داعشيّ” في هذه المعسكرات، بينهم نحو 2000 أجنبي. وقد تكرّرت محاولات إطلاق هؤلاء، منذ تنظيم “فتح الإسلام” إلى مقاتلي “داعش”.
– من خلال استعراض المسار الزمنيّ للأحداث في المنطقة، يتّضح جليّاً أنّ العمليات الإرهابية لا تتحرّك ولا يشتدّ أوارُها، إلاّ عندما تكون إيران ومحورها في أزمة خانقة، فيظهر “داعش” وينقذ الموقف، في سوريا والعراق ولبنان، وحتّى في أوروبا.
تكشف التقارير الحديثة مزيداً من تواطؤ الميليشيات الإيرانية مع تنظيميْ “القاعدة” و”داعش”
يربط إعلام الممانعة بين حماوة التفاوض وبين ما يحتاج إليه الإيرانيّون من مناورات وضغوط ميدانية وسياسية، نراها مندلعة من العراق إلى اليمن، وصولاً إلى رهن لبنان في الحصارات المتبادلة بين واشنطن وطهران. وهذا يفسِّر تعطيل تشكيل الحكومة تحت ذرائع واهية بين أطراف التحالف الواحد، ووصول البلد إلى خطر التفكّك، الأمر الذي دفع بالكنيسة المارونية إلى الخروج عن صمتها والتحرّك لإنقاذ لبنان من براثن المفترس الإقليمي.
على هذه الخلفية، تصاعدت المواجهة بين إيران وحزبها في لبنان، وبين بطريرك أنطاكية وسائر المشرق بشارة الراعي. فأخطر ما واجهه “حزب الله” في هذه المرحلة هو إخراج رئيس الجمهورية ميشال عون من المعادلة المسيحية والوطنية، وتصدّر البطريرك الراعي المشهد بعدما أخذ بصدره مهمّة إنقاذ لبنان.
لهذا حضر الوفد الإيراني الديني إلى لبنان بهدفٍ واحدٍ: احتواء مواقف البطريرك، بعد مشاورات بين النائب جبران باسيل وقيادة “حزب الله”، توصّلت إلى ضرورة تطمين الراعي وتهدئة مخاوفه بما يخصّ السياسة الإيرانية في لبنان، لأنّ استمرار المواجهة، كما حصل في الفترة الماضية، ستؤدّي إلى خسارة باسيل ما بقي له من تأييد في الشارع المسيحي وهو قليل، والأهمّ أنّها ستدفع البطريرك إلى المضيّ قُدُماً في طريق المواجهة وقيادة المبادرة وجمع شتات المعارضين للحزب والعهد تحت سقف المبادرة الوطنية لبكركي، وتقوية سمير جعجع مسيحيّاً ولبنانيّاً.
الصراع الآن مكشوف بين طهران وميليشياتها، وبين بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق، ومعه المسيحيّون ومعارضو إيران المسلمون في لبنان والمنطقة، وهم الأغلبية الساحقة من أهل هذه البلاد، وخصوصاً الجمهور السنّيّ في لبنان، الرافض لخنوع قياداته وتهرّبهم من المسؤولية. لهذا عادت التهديدات باستحضار النموذج العراقي، الذي شهد استهدافاً مزدوجاً للمسيحيّين وللسنّة، تاركاً جراحاً تحتاج إلى عقود طويلة لتندمل وتشفى.