
كتبي -ياسمين صالحة:
إنتهت الإنتخابات في مدينة طرابلس على نسبة مشاركة بلغت نحو 26%، في استحقاق بلدي واختياري انتظره الطرابلسيون منذ سنوات، أملاً بتحقيق تغيير طال انتظاره. إلا أن يوم الانتخابات لم يشهد الحماسة المرجوة، إذ جاءت النسبة مخيبة للآمال مقارنة بمناطق أخرى كالكورة والمنية–الضنية، حيث كانت المشاركة أوسع.
رغم أهمية الاستحقاق، بدا واضحًا عزوف شرائح واسعة من المواطنين عن التوجه إلى صناديق الاقتراع، وهو ما طرح علامات استفهام حول أسباب هذا الامتناع، وإن كانت تعود إلى فقدان الثقة بالعملية الانتخابية أو إلى تخلٍ عن المسؤولية الوطنية. فالمفارقة المؤلمة أن كثيرين يكتفون بـ”الشكوى” عبر وسائل التواصل، لكنهم يترددون أو يمتنعون عن أداء واجبهم الانتخابي في لحظة الاستحقاق.
أجواء هادئة وآمال محدودة
سادت أجواء هادئة في المدينة منذ ساعات الصباح، حيث بلغت نسبة الاقتراع في الفترة الأولى حوالي 7%. ورغم التنظيم الجيد، بقيت مراكز الاقتراع شبه خالية من الناخبين وحتى من مندوبي اللوائح، لا سيما في ظل غياب الدعم السياسي الفعلي لماكينات انتخابية، وخصوصًا لتلك المدعومة من بعض القوى التقليدية.
وفي هذا السياق، أعرب عدد من المرشحين عن استيائهم ممّا اعتبروه “تخلياً” من السياسيين الذين شجعوهم سابقًا على الترشح، ثم تقاعسوا عن دعمهم لوجستيًا. فقد ضمّت طرابلس ست لوائح انتخابية، ثلاث منها مدعومة من السياسيين، والثلاث الأخرى ممثلة للمجتمع المدني، لكن غابت الحماسة عن معظمها.
شهادات من الناخبين: بين خيبة أمل وتفاؤل حذر
قالت إحدى الناخبات إنها شاركت فقط لأن ذلك “حقّها كمواطنة”، لكنها لم تعد تؤمن بقدرة الانتخابات على إحداث تغيير فعلي، وأضافت: “سئمنا الوعود التي لا تُترجم إلى أفعال”.
في المقابل، أبدى أحد المواطنين تفاؤله بالمرحلة المقبلة، مؤكداً أنه اقترع للائحة كاملة “أملاً بالتغيير”، داعيًا إلى عدم مقاطعة العملية الانتخابية، لأن “الصوت، ولو بسيطًا، يحدث فرقًا”.
ميقاتي: اخترت الكفاءات من مختلف اللوائح
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي أدلى بصوته في ثانوية حسن الحجة الرسمية، أكد في تصريح صحافي أن الانتخابات فرصة للإنماء، مشيدًا بـ”الإنجاز الديمقراطي” والتنظيم الجيد.
وأوضح أنه لم يلتزم بلائحة واحدة، بل اختار مرشحين من مختلف اللوائح بناءً على الكفاءة، مع مراعاة التنوّع الطائفي وتمثيل النساء. وأضاف: “اخترت شخصيات تتمتع بالأخلاق والعقلانية لتشكيل مجلس بلدي متجانس”.
ودعا ميقاتي أبناء المدينة إلى المشاركة الفاعلة، مؤكدًا أن “العمل البلدي إنمائي بحت ويجب إبعاده عن السياسة”، معلنًا أنه سيكون جزءًا من فريق دعم المجلس المنتخب لخدمة طرابلس.
ريفي: المعركة إنمائية وليس سياسية
من جهته، شدّد النائب أشرف ريفي على أن الانتخابات في طرابلس ليست سياسية بل إنمائية، مثنيًا على حياد الدولة وأجهزتها الأمنية لأول مرة منذ سنوات.
وأشار إلى وجود أمل بإطلاق مشاريع اقتصادية كتشغيل مطار رينيه معوض ومصفاة البداوي، مؤكدًا على أهمية الحفاظ على التعددية والعيش المشترك، ومُحذّرًا من خطر فقدان التنوع الطائفي ما لم يُقر قانون يحميه.
كما شدد على ضرورة إيصال الأكفأ إلى المجلس البلدي، والتعاون داخله لخدمة المدينة بعيدًا عن التفرقة.
جولة الحجار وتأكيد على الشفافية
وزير الداخلية والبلديات القاضي أحمد الحجار قام بجولة تفقدية في طرابلس، رافقه فيها محافظ الشمال رمزي نهرا وعدد من القادة الأمنيين.
وأشاد الحجار بالأجواء الهادئة والتنظيم، مؤكداً التزام المواطنين داخل المراكز، وشكر القوى الأمنية على ضبط أي إشكال. كما شدد على أن الوزارة تتابع الشكاوى عبر الخط الساخن، وأنها فتحت الأبواب لوسائل الإعلام والمندوبين، مشيرًا إلى حل بعض الثغرات مثل نقص الموظفين والخلل الكهربائي في أحد المراكز.
وأكد أن ذوي الاحتياجات الخاصة تتم مواكبتهم لضمان اقتراعهم بكرامة، وشدد على التزام الشفافية في كل المراحل.
طرابلس… حاضرة بالحرمان وغائبة في القرار
رغم الوعود المتكررة من السياسيين بتحقيق التنمية، تبقى طرابلس وحيدة تواجه التهميش وغياب الاهتمام الفعلي، في وقت ينسحب فيه المواطن من ساحة القرار.
ومع انتهاء يوم الانتخاب، يترقب الطرابلسيون ما إذا كانت نتائج صناديق الاقتراع ستترجم إلى تغييرات ملموسة في مجالس بلدية طالما افتقدت الفعالية، وسط دعوات لتحمّل الجميع مسؤولياتهم، لأن التغيير لا يُمنح بل يُنتزع.