ساطع نور الدين – المدن
ما زال في مقتبل العمر، لكن الرئيس سعد الحريري، بات يوحي بأنه طاعن في السن، يهرم بسرعة، ويمضي الايام بتكاسل، بانتظار نهايته السياسية الوشيكة، من دون أن يقرر بعد ما إذا كان الأمر يستدعي كتابة وصية أو رسالة وداع.. أو إعتذار.
ما زال مقيماً في بيت الوسط، وفي موقع الوسط، يتردد عليه بين الحين الأخر كأنه مغترب قديم، أو مهاجر بعيد، يدب به الحنين الى بلده الأول، أو الثاني.. أو الثالث حسب الترتيب الاخير لإقامته الاماراتية الدائمة. كأنه يشعر بإلحاج الحاجة الى إستئناف البحث عن هوية جديدة، بعدما تقطعت به السبل، ومزق مختلف هوياته السابقة، أو يكاد.
ما زال يتنقل بطائرته الخاصة، بين عواصم العالم، التي باتت تضيق بإستقباله، وتأنف عن احتضانه ورعايته. بعدما بدد الثروة المالية التي ورثها عن والده الشهيد رفيق الحريري، وبات قاب قوسين أو أدنى من تبديد ثروته السياسية، بالتعاون والتواطؤ الضمني بينه وبين شقيقه البهي. معاً جعلا الاسرة والارث نهب الطامعين، وهزء الساخرين.
الفراغ حصل منذ زمن بعيد، منذ الرابع عشر من شباط فبراير 2005، لكن الجميع أنكره، وإختار الرهان المتسرع على سدّه، بالاسلوب العشائري المألوف. فكانت السنوات ال16 الماضية، سلسلة من الفراغات التي تزداد عمقاً وإتساعاً، حتى وصل الأمر الى الكارثة الراهنة، التي تدفع البيت والأسرة والارث الى قاع لا يُردم. ولا يمكن لأي أموال، غير متوافرة أصلاً، ولا لأي رحلات جوية تتقلص وجهاتها ومسافاتها، أن تسترد بعض الشعبية، وبعض الدور، وبعض المقاعد النيابية.
لكن الوريث ما زال يصر على أنه باقٍ زعيماً أوحد، برغم ان جنازة والده إنتهت، ومحاكمة قتلته رُفعت.. مستنداً الى غالبية برلمانية تبدو اليوم وكأنها من القرن الماضي، والى نظرية رائجة، ومشبوهة، حول تعذر العثور على بديل من داخل طائفة مستضعفة، مهيضة الجناح، مفككة الاوصال، أكثر من بقية الطوائف.. لكنها تختلف عن تلك البقية بأنها حتى اليوم أشد تمسكاً بالسلم الاهلي وحرصاً عليه، وأقل حماسة للتورط في أي نزاع داخلي.
سعد الحريري اليوم، صار عبئاً ثقيلاً على هؤلاء جميعاً، على البيت والاسرة والطائفة. وهو عبء أكبر بما لا يقاس من عبء الرئيس ميشال عون، على بيته واسرته وحزبه، وطائفته التي لا تزال تمتلك الأدوات للصمود السياسي، ولطي صفحة تلك التجربة المرّة من تاريخها، من دون أن تضطر الى التضحية بممثلها في قصر بعبدا، قبل الأوان.
في تناقضه مع إرث والده الراحل وتجربته، ما يثير العجب. قبل أن يتم الغدر برفيق الحريري، كان قد تنحى أكثر من مرة، عندما كان يشعر أن القيادة السعودية صرفت بعض النظر عنه. اليوم، تقول الرياض بصريح العبارة، أن سعد لم يعد مرغوباً به، لإسباب عديدة، يدركها أكثر من سواه. أصر على البقاء، على العودة الى رئاسة الحكومة، بطرق ملتوية. وأختار اللجوء الى دولة الامارات التي تتسع الهوة بينها وبين السعودية، وتكاد تصنف كدولة منبوذة من مختلف أشقائها العرب، بعدما تحولت الى قاعدة علنية لإسرائيل.
هي محطة الغربة الاخيرة لسعد الحريري، الذي لن يجد في نهايته السياسية سوى الاغتراب عن بلده الأول والثاني.. وقد تتحول طائرته الخاصة الى وطنه البديل، الذي يلقي منه المزيد من تغريداته غير المفهومة، وتصريحاته العبثية، التي لا تمت بصلة الى أي من أزمات الوطن الأم وإنهياراته المتتالية، والتي لا تبيح له أبداً التبرؤ من جانب كبير من المسؤولية عن تلك الازمات.
إذا لم يلاحظ الحريري بسرعة أنه على غرار الإجماع العربي والدولي الذي تشكل ضد الرئيس ميشال عون، والمعطوف على غالبية محلية مناهضة لحكمه، يتشكل اليوم إجماع مماثل، وغالبية محلية مشابهة، تطالب بتخليه عن السعي لرئاسة الحكومة، بل وحتى بخروجه من السياسة نهائياً.. وإلا فأنه يستحيل ان يصمد البلد، حتى 31 تشرين الاول اكتوبر 2022، بعملته وعلَمه وخريطته الحالية.