
مقال للكاتب والصحافي صفوح منجّد
أطاحت القفزات الجنونية بأسعار صرف الدولار الأميركي في الأسواق المحلية بكل الإهتمامات الشعبية على صعيد متابعة التطورات السياسية بشأن الإستحقاق الرئاسي، سيما وأنّ المواقف من قضية تسعير الدولار الجمركي ب20 ألف ل.ل. قد بدأت إنعكاساته “الجرمية” تتحقق على أرض الواقع الإقتصادي والمعيشي بصورة خاصة ومسارعة أصحاب السوبر ماركت ودكاكين بيع المواد الغذائية برفع أسعار بضائعهم ومنتوجاتهم بشكل “فلكي”، في وقت لم يعد فيه الناس قادرون على تأمين حاجياتهم اليومية ودفع قيمة فواتير أصحاب المولدات وصهاريج المياه، في حين يتلهى أصحاب القصور السياسية في مسألة إحتساب أصوات هذا المرشح أو ذاك لإنتخابات الرئاسة التي ستدخل مرحلتها القانونية – الدستورية في غضون إسبوع.
وسط هذه الأجواء المفعمة بالظلم والظلام تشير بل تُجمع المصادر على أنّ تحرّك “الشوارع” اللبنانية باتت (قاب قوسين أو أدنى) لتضاف المسائل المعيشية على مآثر هذه الطغمة السياسية الفاسدة التي لا همّ لها سوى تكديس وتجميع “المغانم” ولا همّ لها ما تعانيه الطبقات الشعبية الفقيرة والمتوسطة التي أصبحت معدومة الحال هي الأخرى.
ولا تستبعد المصادر تحرّك الناس من معظم الطوائف اللبنانية لمساءلة وملاحقة كل هؤلاء الذين (يطبّلون ويزمرون) لإمكانية تمديد ولاية العهد (أمل إبليس بالجنة) خلافا للدستور وللقوانين اللبنانية التي ترعى حتى الآن الطرق القانونية والدستورية لهذه الإنتخابات، وأنّ أي تلاعب بمصيرها وبحتميتها وفق التواريخ المحددة سيدفع بالقوى الشعبية إلى ممارسة دورها إلى جانب المؤسسات النيابية والعسكرية والقضائية، فتراكم الأزمات وأساليب (الإستلباص) لم تعد تنفع، ولنحتكم إلى ما يقوله ” الكتاب” (الدستور) كما كان يقول الرئيس وقائد الجيش السابق فؤاد شهاب، فأين منه ساكن بعبدا اليوم ؟؟
الثالثة ليست ثابتة
مع إقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية وبدء الجلسات النيابية الخاصة بهذا الإستحقاق يعود سيناريو البقاء في قصر بعبدا ليشد عصب ساكنه الحالي بإعتبار أنّ “الثالثة ثابتة ودائمة” وفق المثل الشعبي، متناسيا أنّ لكل قاعدة شوازا وهذه المرّة بالتأكيد لن تكون لا ثابتة ولا دائمة، ففي العام 1989 وبعد إنتخاب الرئيس رينيه معوض في 5 تشرين الأول تمّ تعيين حكومة عسكرية بإعتبار أن البلد كان مقسوما وسرعان ما تسلّم الرئيس سليم الحص رئاسة أكثرية أعضاء هذه الحكومة التي إنقسمت على نفسها وعُرفت بحكومة (الغربية) وإنفرد ميشال عون مع بعض الضباط بالحكم في المنطقة( الشرقية) ، وخلال تلك المرحلة الصعبة تمّ تصعيد الإقتتال بين المنطقتين والجيشين، وإنتهت هذه المواجهة بإتفاق عربي قضى بدخول القوات السورية إلى لبنان، وهروب عون كما هو معروف بالبيجاما إلى السفارة الفرنسية، ومنها إلى باريس بحيث لم يتثنّى له طيب الإقامة في قصر بعبدا كما كان يمنّي نفسه.
وفي العام 2016 إنتُخب عون رئيسا للجمهورية بدعم أساسي من طرفين هما كتلة المستقبل وكتلة حزب الله، لتدخل البلاد في مرحلة صعبة من الإضطرابات والمشاكل وليبشّر عون اللبنانيين أنهم واصلون إلى “جهنّم” دون أن يطرح أيّ خطط أو مشاريع للخروج من هذه المخاطر المحدقة بلبنان واللبنانيين على مختلف الصعد، وها هو للمرة الثالثة يُقدم على ترشيح نفسه مجددا إلى الرئاسة خلافا لكل الأعراف والقوانين الدستورية والقانونية ولينال تأييد مجموعة من “مناصريه” وفي طليعتهم صهره جبران وصاحب الفتاوى الوزير السابق جريصاتي الذي ردّ على المطالبين بأن ينصاع عون ويغادر القصر فور إنتخاب رئيس جديد في سدة الرئاسة الأولى، حيث يردّ قائلا: “لا يجب عليهم المراهنة على الوقت، أي على المغادرة والرئيس عون ملتزم بأحكام الدستور وبعدم مراكمة الفراغ على الفراغ” .
وتشير المصادر الصحفية لعون: لا توجد سلطة قادرة على إخراجه(عون) من القصر بالقوّة. وردا على سؤال ماذا سيفعل عون عندما يصبح رئيسا سابق للجمهورية حيث سيكون القصر تحت إدارة مدير عام رئاسة الجمهورية الدكتور أنطوان شقير؟ تماما كما حصل بعد إنتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان ،فهل يستطيع شقير مثلا أن يأمر الرئيس عون بالمغادرة لأن إقامته في القصر باتت غير شرعية؟ يجيب شقير: أمنيا القصر سيصبح تحت سلطة لواء الحرس الجمهوري التابع لقيادة الجيش. هل يبدّل قائد الجيش الحرس الجمهوري قبل 31 تشرين ؟ وماذا إذا تمّ إستقدام أعداد من المسلحين التابعين للتيار الوطني للتغطية الأمنية ، هل سيكون هناك صِدام بين الجيش ومناصري عون ؟.
كل هذه التساؤلات هي سيناريوهات لعملية إنتحارية ستكون إنعكاساتها سيئة على كل البلد، ولكن هناك من هو في بعبدا ولا يهمه أن يخسر بقدر ما يهمه أن لا يربح منافسوه، ويؤيده في هذه التصورات والهلوسات صهره ” المحروس” وهو يُدرك أنّ خروجهما من القصر سيكون بداية نهاية تيارهما.
كتلة التغيير
في غضون ذلك أعلن تكتّل” قوى التغيير” عقد خلوة حضرها جميع نوابه ال 13 لإستكمال التحضير للإستحقاقات الدستورية لاسيما موضوع إنتخاب رئيس الجمهورية وتحديد الأولويات التشريعية للمرحلة المقبلة.
وأشار في بيان إلى إطلاق مبادرة تطرح مقاربة متكاملة له وتشمل المواقف السياسية والمقاربة الدستورية التي تؤسس لحاضنة سياسية وشعبية تدفع بإتجاه إنتخاب رئيس يساهم في إطلاق مسار إنقاذي للبلاد، وأكدوا أنّ الحل يكون من خلال إقرار خطة متكاملة على كل المستويات المالية والإقتصادية والإجتماعية توصلا إلى إتفاق على مستوى الخبراء بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي وسلّة الحلول المتكاملة هي السبيل الوحيد لوقف الجريمة المالية والإقتصادية المتمادية بحقوق المواطنين.
رئيس حزب القوات
من جهته لفت رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع إلى أن “أهم وأكبر الصحافيين في لبنان اليوم يكتبون يوميا في مقالاتهم تحليلات مفادها أنه لم تتضح الصورة بعد بالنسبة إلى ما ستؤول إليه الأمور في موضوع انتخابات رئاسة الجمهورية.
وشدد على أن “لا أحد في الخارج يبالي أساسا إن حصلت انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان أو لم تحصل، والإيرانيون يمكنهم أن يؤثروا في هذا الإستحقاق من خلال حزب الله الذي لديه كتلة نيابية إلا أنه بالنسبة لباقي الدول كيف بامكانها التأثير؟ انطلاقا من هنا ما يحدد وجهة انتخابات الرئاسة هم الأفرقاء المحليون وإيران فقط من بين الدول الخارجية يمكنها أن تؤثر وذلك حصرا من خلال حزب الله، لا أكثر ولا أقل، ولو كان للحزب نائبان فقط لكان حجم تأثيرها يوازي نائبين فقط”.
وختم :أمامنا ثلاثة أشهر صعبة والسؤال اليوم إذا ما كنا سنتمكن من إيصال رئيس بالحد الأدنى المقبول، يكون قادرا على اتخاذ بعض القرارات وأن يكون باتجاه سيادي وأن يكون إصلاحيا ومن أصحاب الأخلاق الحسنة، لأن الإتيان برئيس من دون طعم أو لون أو رائحة لمجرد أن يسكن في قصر بعبدا وألا يقوم في نهاية المطاف بأي شيء، هو في مثابة من لم يقم بأي شيء أساسا.