منير الربيع – المدن
أعقبت زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، إلى بعبدا، جولة مكوكية على القوى السياسية. فأرسل جنبلاط موفديه غازي العريضي ووائل أبو فاعور إلى لقاءات سياسية متعددة، باتجاه الرئيس سعد الحريري والرئيس نبيه برّي. وحسب المعلومات، فإن البحث تركز على ضرورة التنسيق لعدم تفاقم الأمور. وحسب المعطيات، فإن الحريري كان قد أُعلم من قبل جنبلاط بالحركة التي سيقوم بها، وأبلغه نتائج اجتماع بعبدا فيما بعد.
بلا شك، الرئيس المكلف أبدى عتباً على رئيس الاشتراكي، لكن الجواب كان واضحاً: “رئيس الجمهورية وجّه دعوة للقاء ولا يمكن رفضه. وأنت بالذات يا دولة الرئيس وجّه لك دعوة عبر الإعلام وقد لبيتها. وأنت قلت إنك تريد تخفيف الصدام في تصريحك من بعبدا. فلماذا يبقى وليد جنبلاط بحالة الصدام في هذه المرحلة الدقيقة والشديدة الخطر؟ اللقاء بين عون وجنبلاط كان عادياً، ما قيل في الداخل عبّر عنه الأخير في الخارج. أما اللقاءات مع برّي والحريري فكانت تنسيقية، للدفع في سبيل تشكيل الحكومة وتوفير فرص ولادتها.
ما يريده باسيل
تأتي هذه الحركة في مواكبة للضغوط المتزايدة على الحريري. وغالباً عندما يأخذ الرجل موقفاً ثابتاً سرعان ما يشعر بأنه أصبح وحيداً. المشكلة أن المعركة المفتوحة حالياً بينه وبين رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، هي “معركة وجود”. لكنها تأتي في ظرف صعب جداً ودقيق، يودي عملياً بالبلاد إلى انهيار سحيق. المعادلة بسيطة بين الحريري وباسيل. في اللحظة التي يشكل فيها رئيس الحكومة حكومته، ستكون ضربة قاصمة لباسيل بكل المقاييس. التعطيل، فرض الشروط، رفع السقوف، إصدار البيانات، كلها.. يهدف باسيل من ورائها إلى استدراج العروض، وإظهار نفسه عاملاً مؤثراً في المعادلة. يستدعي ذلك تواصلاً معه من جهات سياسية وديبلوماسية. أما في حال شكّل الحريري الحكومة، فسيكون باسيل في عداد المنسيين ولو مرحلياً. لن يعقد أي لقاء مع أي ديبلوماسي حينها، وستكون كل الأنظار موجهة على الحكومة ورئيسها وبرنامجه.
هذه إحدى الأسباب المركزية التي تدفع رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحرّ للتشدد في رفع السقوف، وعرقلة مسار الرئيس المكلف، وصولاً إلى حدّ محاولات الالتفاف عليه، تارة عبر الحصول على دعم حزب الله وأمينه العام، السيد حسن نصر الله، بعد خطابه الأخير، وطوراً عبر الانفتاح على السفير السعودي ومحاولة استغلال ذلك لمواجهة الحريري أو لإبعاده عن المشهد. وكذلك بالنسبة إلى خطوة عون في طلب لقاء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. فرئيس الجمهورية لا يريد الحريري، وحاول افتعال كل الإشكالات لدفعه إلى الإعتذار. وهذا ما لم ينله. هو سيبقى مستمراً في سبيل ذلك، بينما الحريري متصلب في موقفه. لا حلّ أمام عون إلا القبول بأي تشكيلة يقدمها الرئيس المكلف، فيوقع عليها ويحيلها إلى المجلس النيابي لنيل الثقة. وهناك فرصة لإسقاط الحكومة بحجب الثقة عنها. وعون لا يريد ذلك كي لا يصبح الحريري هو رئيس حكومة تصريف الأعمال. لكن الدستور واضح، بإمكانه إجراء إستشارات نيابية جديدة وسريعة لتكليف رئيس جديد وتشكيل حكومة سريعة أيضاً. مشكلة عون أنه لا يريد الحريري بينما كل القوى الأخرى متمسكة به.
قراءات متعارضة
لا جواب واضحاً إذا ما كان كل الحراك الحاصل سيؤدي إلى تشكيل الحكومة. لا أجواء جلية إذا ما كانت التسوية قد اقتربت أو أحد ما قد استشعرها. كل القراءات متعارضة حول احتمال تشكيل الحكومة قريباً أم الاستمرار في هذه الدوامة. جاء كلام أمين عام حزب الله، الذي شكل عنصر ضغط على الجميع، وخصوصاً على الحريري. إذ وضعه بين خيارين: إما تشكيل الحكومة أو تفعيل حكومة تصريف الأعمال، وطارحاً أيضاً الذهاب إلى تعديل الدستور أو إعادة “تفسيره”. عاد نصر الله في موقفه إلى حقبة تشرين 2019، عندما طالب بحكومة إختصاصيين وسياسيين، بشرط أن لا تكسر رئيس الجمهورية ولا رئيس الحكومة، ولا تبقي العهد في حالة الفراغ حتى نهايته. حرّك نصر الله الجمود القائم، في خطابه الأخير، حيّد جنبلاط الذي التقط اللحظة وتوجه إلى بعبدا للقاء عون. ومرر رسائل تجاه رئيس مجلس النواب نبيه برّي بشكل ملفت، دعم رئيس الجمهورية، فيما وجه نصائح للرئيس المكلف. كل هذه المواقف وضعت الحريري في زاوية الحرج. فأصبح كل الضغط ملقى عليه. وبالتالي، أصبح على مفترق طرق، إما أن يستمر في معارضة خريطة الطريق التي وضعها نصر الله، وما تحمله من حملة ستشن عليه وتحمّله مسؤولية التعطيل، أو أن يسعى إلى تحسين بعض الأسماء لتقديم تشكيلة حكومية جيدة أو موثوقة من قبل المجتمع الدولي.
الخروج من البرلمان!
بيان رؤساء الحكومات السابقين قابل لإعطاء قوة دفع للحريري لتشكيل حكومة على أساس 18 وزيراً، فيقدم تشكيلته يوم الإثنين ويرمي الكرة مجدداً في ملعب رئيس الجمهورية. فهو لم يعد قادراً على التراجع عن مبدأ الثمانية عشر، وحتى لو اضطر إلى هذا الأمر، في ظل تغير بعض المعطيات الخارجية والإشارات التي تأتي من باريس وغيرها، بأنه لا بأس بتشكيل حكومة، أي حكومة كانت، ولو لم تكن مكتملة المواصفات.
اللحظة مفصلية، الأنظار كلها تتجه على اللقاء الذي سيعقد بين الحريري وعون وإذا ما كان سيتخلله طرح تشكيلة حكومية جديدة أم البحث في القديمة وتعديلها للوصول إلى توافق. لا شيء محسوماً ولا نتيجة مضمونة. لكن كل القوى السياسية لا تزال تحت الضغط، فيما تتزايد الضغوط الأوروبية أيضاً، وسط تلويح بفرض عقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي، مع الإشارة إلى أن هذه الإجراءات تأخذ الكثير من الوقت في أوروبا، ولا تكون سريعة. وهي أصلاً غير محسومة.