زياد عيتاني – أساس ميديا
حقيقة واحدة، وأربع وقائع لا يمكن تجاوزها أو التغافل عنها عند الحديث عن عودة العلاقات ما بين الخليج، وتحديداً المملكة العربية السعودية، وبين النظام السوري، وعلى رأسه بشّار الأسد.
في الوقائع الأربع:
– منذ عام 2016، هناك علاقات تعاون أمني وعسكري وديبلوماسي ما بين مصر والنظام السوري.
– منذ عام 2018، خرجت الحرارة إلى العلن على خطّ أبو ظبي – دمشق، وتُرجم ذلك بعودة التمثيل الديبلوماسي الإماراتي إلى سوريا في 12 كانون الأول من عام 2018.
– نائب الرئيس السوري علي المملوك زار كلّاً من العواصم العربية الثلاث: الرياض وأبو ظبي والقاهرة خلال السنوات القليلة الفائتة، وعقد اجتماعات كان بعضها في الطائرة التي أقلّته ولم يغادرها، وفي بعضها الآخر عقد لقاءات داخل حرم المطار، وفي بعضها الثالث تمكّن من التجوّل الرسمي من دون إفراط.
– في الأشهر الأخيرة من عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، تصاعد الكلام، كما يتصاعد اليوم، عن عودة العلاقات إلى طبيعتها ما بين السعودية وسوريا، ليعود الكلام إلى الانحسار لأسباب عديدة، منها ما ينطق باللغة العربية، ومنها ما لا يجيد لغة الضادّ.
غير أنّ هذه الوقائع الأربع، لا تخفي حقيقة ثابتة واضحة تظلّل كلّ شيء، ألا وهي أنّ الرئيس السوري بشار الأسد لا يملك ما يقدّمه إلى أيّ طرف داخلي أو خارجي، إن كان حليفاً له أو مناوئاً معارضاً.
حقيقة واحدة، وأربع وقائع لا يمكن تجاوزها أو التغافل عنها عند الحديث عن عودة العلاقات ما بين الخليج، وتحديداً المملكة العربية السعودية، وبين النظام السوري، وعلى رأسه بشّار الأسد
لقد تحوّل النظام السوري، بقيادة بشار الأسد، من مرتبة الحليف لإيران وروسيا إلى مرتبة التبعيّة المطلقة، بفعل كلّ ما قدّمه الطرفان للأسد من أجل استمراره وبقاء نظامه خلال السنوات الفائتة من أموال وأرواح وضغوط وحسابات. حتّى إنّ كلام الغرف المغلقة والأحاديث المتداولة تشير إلى أنّ أمن الأسد في قصره الرئاسي بدمشق لا يخضع لإمرته، بل هو بإمرة الإيرانيّين مباشرة..!
ويروي كثر من ضبّاط الجيش السوري أنّ طلباتهم، من إصدار قرارات أو خلافه، لا تتحقّق بشكل سريع إلا إذا قصد المسؤولَ العسكريَّ لحزب الله في دمشق، وهو لبنانيّ الجنسية.
على خلفيّة كلّ ذلك لم يعد لدى بشار الأسد ما يمنحه لحليفيه، فكلّ ما يريدانه حصلا عليه، والباقي تفاصيل صغيرة مهملة لا تقدّم ولا تؤخّر.
العجز الأسديّ يتصاعد أكثر، وتنجلي صورته بوضوح في الحديث عن العلاقات ما بينه وبين الأطراف الدولية المناوئة له أو التي على خلاف معها. وهنا يطرح السؤال المفتاح: “ماذا لدى بشار الأسد ليقدّمه إلى دول الخليج، وتحديداً إلى المملكة العربية السعودية، كي تعود الحرارة إلى العلاقات الثنائية؟”. الإجابة عن هذا السؤال لا يمكن أن تكون إلا عبر الإجابة عن أسئلة أربعة تمهيدية تعبّد الطريق للإجابة الرئيسة المطلوبة:
1- هل لدى بشار الأسد الرغبة والقدرة السياسية والعسكرية والأمنيّة على الخروج من العباءة والهيمنة الإيرانية المباشرة على مفاصل مؤسّسات الدولة السورية.
2- هل يمتلك بشار الأسد القدرة على إجراء مصالحة وطنية عاجلة تعيد النازحين إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم، على أساس بنود مؤتمر جنيف وقرارات الأمم المتحدة التي لطالما أعلنت السعودية التمسّك بها؟
3- هل يملك بشّار الأسد أوراقاً في لبنان يَقدِر على بيعها أو وضعها على الطاولة العربية في مواجهة الهيمنة الإيرانية؟
4- هل بشار الأسد قادر على تأدية دور الوسيط في الملعب اليمني، أو الأصحّ، هل مسموح له إيرانياً أن يقوم بدور الوسيط في الملف اليمني؟
الإجابة عن هذه الأسئلة من شأنها أن ترسم الصورة الحقيقية لكلّ ما يقال عن عودة الحرارة إلى العلاقات السعودية السورية تحديداً.
يروي كثر من ضبّاط الجيش السوري أنّ طلباتهم، من إصدار قرارات أو خلافه، لا تتحقّق بشكل سريع إلا إذا قصد المسؤولَ العسكريَّ لحزب الله في دمشق، وهو لبنانيّ الجنسية
لقد توهّم العرب كثيراً، إثر اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا عام 2011، القدرةَ على إخراج بشار الأسد من العباءة الإيرانية، وخاب ظنّهم. ولعلّ الحقيقة تكمن في ما قاله رئيس الحكومة السورية الأسبق رياض حجاب في حوار تلفزيوني أخيراً من أنّ بشار الأسد أخبره أنّه “إنْ خُيِّر بين الإيرانيين والروس، فسيختار الإيرانيين”.
في مقابل الوهم العربي بإعادة بشار الأسد إلى عروبته، كان الأخير ماهراً في إضاعة الجميع في متاهته. وهنا يقول وزير عربي سابق في مجلس خاص: “الحديث مع بشار الأسد تتذكّر بدايته وتنسى ما بعد ذلك لأنّ تركيزك ينصبّ على الدعاء أن ينهي بشّار حديثه المملّ”.
فيما قال ديبلوماسي عربي، لدى سؤاله عن حقيقة ما يدور من كلام عن تقارب سوري سعودي: “ليس هناك من تباعد، لا بل هناك حرص عند العرب على احتضان سوريا. لكن هل بشّار الأسد لديه الحرص نفسه؟”. يصمت هذا الديبلوماسي قبل أن ينهي كلامه: “بشار الأسد مثير للشفقة”.