كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”:
عشية وصول باخرة الاستكشاف إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة منتصف الشهر الجاري، لا تزال أسئلة أمنية كثيرة من دون أجوبة واضحة ونهائية، فيما الوقت ينفد من دون أن يبدأ بعد التنسيق بين الأجهزة الرسمية لإعداد البنية الأمنية اللّازمة، في حال تبيّن وجود غاز في البلوك الرقم 9.
في غمرة الانشغال بالملف الرئاسي وما رافق انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، غاب الاهتمام بوصول باخرة الحفر للتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة. صحيح أن وصول الباخرة كان منتظراً منتصف الشهر الجاري، وأن ملف التنقيب لم يعد يحمل جديداً بعد إقفال ملف الترسيم البحري «في شكل موقت، كون منطقة الطفّافات التي تمتد لنحو 5 كيلومترات مقابل الناقورة قيد النزاع وفقاً لما هو مدوّن في اتفاق الترسيم» وفق مصادر معنية، إلا أن الهاجس الأمني الذي يظلّل الوضع اللبناني عموماً، يواكب عملية الحفر من زوايا عدة. فالأسئلة المطروحة، عسكرياً، منذ أشهر، هي: مَن يحمي عملية الحفر وما بعدها من أعمال تطوير وإنتاج؟ وهل يؤمّن لبنان سلامة العملية التي تقوم بها شركة «توتال» من الألف إلى الياء؟ وأي إمكانات يمتلكها لتنفيذ عملية كبرى بهذا الحجم؟ وتصبح الأسئلة أكثر جديةً حين يهتز الأمن في أكثر من منطقة، كما حصل في عين الحلوة، أو حين تصدر تنبيهات من خطورة الوضع الأمني. هذا براً، فكيف الحال بحراً، مع الأنظار المتجهة إلى البلوك الرقم 9، وما يرافق ملف الاستكشاف من عناصر داخلية وخارجية.
قد لا يُعطى السؤال الأمني، تزامناً مع بدء الحفر، اهتماماً استثنائياً، بعدما شهد لبنان عملية حفر مماثلة في البلوك الرقم 4. لكن ثمة مؤشرات أكثر أهمية ترافق العملية المقبلة في البلوك الجنوبي، وسبق أن طُرحت، قبل نحو شهرين في مؤتمر عقده الجيش اللبناني بعنوان «أمن الحدود والمنشآت الحيوية»، هواجس أمنية لم تجد إجابة عليها بعد من الجهات الرسمية في لبنان وخارجه. علماً أن المراجع السياسية لم تظهر متابعة جدية لمواكبة الحفر بأبعد من الاحتفالية المنتظرة بوصول الباخرة وتأكيد التنسيق مع «توتال» حول التجهيزات اللوجستية، مع أن حدثاً كهذا يفترض استعداداً أمنياً واسعاً، تحسّباً لأي طارئ، وتعاوناً بين مختلف الوزارات والإدارات المعنية بالشأن البحري على كل الصعد المتعلقة بالأمن والسلامة.
لا يشبه الحفر في البلوك الرقم 9 ما جرى في البلوك الرقم 4. فالأخير كان قريباً من الشاطئ، وكانت زوارق الجيش قادرة على تأمين الحماية له إلى حد ما، إضافة إلى أن «توتال» والشركة التي قامت بالحفر أمّنتا السلامة الأمنية لطواقمهما، من دون إغفال أن الظروف الأمنية كانت حينها أفضل من الظروف الراهنة. أما العملية الحالية فتقع في منطقة تبعد نحو 130 كلم من مرفأ بيروت، وبمحاذاة الخط 23 عند الحدود البحرية اللبنانية مع فلسطين، ما يستغرق المراكب نحو 6 ساعات للوصول إلى مكان الحفر الاستشكافي، ونحو ساعة بالطوافة، الأمر الذي يستلزم استعداداً لوجستياً مختلفاً في صورة جذرية.
لا شك في أن عملية الحفر الأولية التي تستغرق شهرين لاستكشاف وجود أو عدم وجود ثروة نفطية، أخفّ وطأة أمنياً. فالشركة التي تتولى أعمال الحفر مسؤولة عن أمنها وتجهيزاتها، واتخاذ قرار لإطلاق عملية تجهيز أمني يتعلق بلبنان لن يكون متوافراً نظراً إلى ضيق الوقت. إلا أن التحدي الأكبر، يكمن في مرحلة لاحقة، إذا ثبت وجود ثروة نفطية، ما يفترض خطة أمنية طويلة الأمد يجب التحضير لها من الآن، ولا سيما أن أحداً غير قادر على توقع تهديدات مستقبلية سواء ضد لبنان أو ضد الشركة المشغّلة، وفق معنيين بالملف. كما لا يمكن تحديد الكميات المقدر اكتشافها، ما خلا التكهنات بكميات مماثلة لما وجدته إسرائيل، وهذا ما سيظهره الحفر الاستكشافي في مهلة تراوح بين شهرين وأربعة أشهر لإظهار النتائج وتحليلها.
مع ذلك، فإن التحديات الأمنية أمام المعنيين تتعلق بمستويات عدة حتى في الشهرين الأولين اللذين تتم فيهما عملية الحفر الأولية.
عملياً يتولى الجيش اللبناني، عبر القوة البحرية، مراقبة الحدود البحرية اللبنانية، ما يفترض تجهيزه بما يلزم لتأمين الحماية ليس للمنصة النفطية فحسب، إنما للقاعدة اللوجستية في مرفأ بيروت، ولخط سير إبحار المراكب وتحليق الطوافات التابعة للشركة المتعاقدة مع مشغّل البلوك 9. فالمراكب والطوافات الخاصة بالشركة هي التي تتولى عملية نقل الموظفين والتقنيين والعمال والبضائع والتجهيزات، لكن المسؤولية الأمنية في صورة شاملة هي من صلاحيات الجيش والقوى الأمنية الأخرى. والجيش سبق أن طلب تزويده بزوارق وطوافات مجهزة بتقنيات وأسلحة حديثة وما يستتبع ذلك من تدريب للفريق العملاني، وهو يمتلك الخبرة والخطط اللوجستية، لكن تنقصه الإمكانات التي تتطلب تمويلاً من الدولة عبر مصادر يفترض أنها بدأت تفتش عنها مع اقتراب مهلة الحفر. فيما الوعد الفرنسي بتقديم ثلاثة زوارق، بواسطة قرض، لم يتحقق بعد. ومن المرجح بحسب المعلومات أن السبب هو انتظار ما ستظهره عملية التنقيب، حتى لا يكون تقديم الطوافات والزوارق هباء، من دون إمكان تسديد القروض إذا لم يستكشف الغاز.
ووفق المعلومات فقد طلبت «توتال» بشكل واضح أن يتولى الجيش كامل المسؤولية الأمنية، وهو أبدى استعداده للقيام بذلك، «وفق الإمكانات المتاحة له». علماً أن أي عملية حفر ترافقها مخاوف من احتمالات غير متوقعة، فكيف الحال في وضع أمني غير مستقر في المنطقة، ومع احتمال حصول أعمال إرهابية بحراً وبراً. فالأمن ليس في عرض البحر فقط، خشية حدوث أي عمل تخريبي أو هجوم بالزوارق، إنما يتعلق كذلك بالحفاظ على الأمن في مرفأ بيروت (وقضية المرفأ قضية حساسة ودقيقة) وحصر المسؤولية الأمنية بموقع أمني وعسكري واحد وليس تحميل الجيش وحده المسؤولية، في حين أن الجيش واحد من الأجهزة داخل المرفأ وهو يقدم الدعم وليس مسؤولاً عن كل نقاط التفتيش والمراقبة داخله. والأمر يتطلب تجهيزاً فنياً وتقنياً كاملاً وإجراءات أمنية معتمدة وفقاً للقوانين المرعية الإجراء.
كل ذلك أصبح على طاولة النقاش الجدي لدى جهات عسكرية، وقد طُرحت مجموعة اقتراحات ستوضع قيد البحث، لكن الوقت بدأ ينفد لتحقيقها، نظراً إلى تشابك الصلاحيات بين الوزارات المعنية والإدارات المختصة (ولا سيما أن هناك جانباً منها يتصل بالشركة المشغّلة والعلاقة مع قبرص في مجال البحث والإنقاذ البحري). ومن بين هذه الاقتراحات، ما يتعلق بتحديد مناطق الأمان الواجب اتخاذها حول منشآت البترول، وسلامة المنصات الثابتة، والتسرب النفطي ومعرفة إجراءات السلامة من جانب الشركة المشغّلة والتنسيق مع الجيش، والإحاطة الأمنية الكاملة بمرفأ بيروت وتفعيل دور غرفة العمليات البحرية.