
زياد عيتاني – اساس ميديا
“هي الشمس تعطي الشيء ظلّاً بقدره
فإن قصّرت يوماً فمنّا قصورها”
بهذا البيت من الشعر زيّن الآباء المؤسّسون البيان السنوي الأوّل لجمعيّة المقاصد الخيرية الإسلامية وأتبعوا بيت الشعر في كتابهم الذي حمل اسم “الفجر الصادق” بالقول: “هكذا اتّحدت الهِمم الشبابيّة في بيروت على تأليف جمعية إسلامية خيرية، فتمّ ذلك بالمساعدات الإلهيّة لليلة غُرّة شعبان لسنة خمسٍ وتسعين ومئتين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل التحيّة، حيث اجتمعنا نحن أعضاءها العجزة في منزل أحدنا الشيخ عبدالقادر قبّاني، وهناك تلا علينا أحدنا الشيخ سعيد الجندي الأحاديث الشريفة النبويّة الآمرة بلزوم الاتّحاد لخدمة الأمور الخيرية، فتعاهدنا على ذلك ووضع كلّ منّا ما ألهمه الله به من النقود رأسمالاً لصندوقها وكتبنا له تعليمات على شكل قانون لترتيب داخليّتها واجتماعها ومذاكراتها وربط أمورها وأمضى منّا بعد التعهّد بإنفاذه ومراعاته”.
النصّ واضح صريح بأنّ المقصد من تأسيس المقاصد في “الفجر الصادق” الصادر عن الآباء المؤسّسين هو التعهّد فيما بينهم بلزوم الاتّحاد لخدمة الأمور الخيريّة وليس سلوك الفرقة لتحقيق الأهواء الفرديّة.
الاتّحاد ليس رسالة المقاصد منذ تأسيسها على صعيد المجتمع الإسلامي وحسب، بل على صعيد الوطن كلّ الوطن، حيث ذكر الآباء المؤسّسون في الفجر الصادق متمنّين بمشيئة الله أن يعترف كلّ من بيده الحلّ والربط بلزوم اتّحاد الجمعيّات الخادمة للإنسانية والفقراء، التي كلّ منها يسعى إلى مقصد واحد. كان الآباء المؤسّسون يتطلّعون إلى وحدة العمل الخيريّ وعدم تشتّته إسلاميّاً بل وطائفياً على مستوى الوطن كلّ الوطن، فكيف بوحدة هذا العمل على صعيد المجتمع الإسلامي!
الاتّحاد ليس رسالة المقاصد منذ تأسيسها على صعيد المجتمع الإسلامي وحسب، بل على صعيد الوطن كلّ الوطن
من يحرف “المقاصد” عن مقاصدها؟
بعد 147 عاماً على تأسيس “المقاصد” وإطلاق “الفجر الصادق”، هناك من يسعى لاستبداله بفجر كاذب عبر حرف “المقاصد” عن مقاصدها. ففي الوقت الذي كان تأسيس “المقاصد” من أجل وحدة المجتمع واتّحاده، ها هي اليوم تخوض معركة الفرقة والتفريق والتشتّت بفضل رئيسها الطبيب البيطري فيصل سنّو، الذي هاله أن يترشّح لرئاسة بلدية بيروت عضو مجلس الأمناء المهندس بسام برغوت، فزمجر وصال وجال بين مكاتب دار الفتوى ومكاتب الجمعية صارخاً مردّداً: “ترشيح برغوت لن يمرّ”. فدفع عضوَ مجلس الأمناء فادي درويش ليرأس لائحة الحلف مع التغييريين والمثليّين والمنادين بالجندرة بأنواعها الثلاثة (ذكر وأنثى وفئة لم تحدّد بعد ميولها)، وعندما حاول عقلاء بيروت ووجهاؤها الاجتماع مع فادي درويش لعلّه يكون بوّابة للتوافق وليس للفرقة، ملأ الغضب عقل الطبيب البيطري، فاستدعى أحد أعضاء مجلس الأمناء رولا العجوز العضوة السابقة في بلديّة بيروت التي ترعرعت في كنف أبيها في مجلّة “أجنحة الأرز”، ملوّحاً لفادي درويش باستبداله إن واصل التواصل من أجل الوفاق والتوافق.
على خلفيّة ذلك، يصبح الكلام مع الطبيب غير ذي جدوى. فهو القائل في الذكرى الـ146 لتأسيس الجمعية في توصيف من انتقده لإسقاط أسماء أمّهات المؤمنين والصحابة الكرام عن المؤسّسات التابعة للجمعيّة: “المقاصد على أبواب القرن الـ21 لم تتأخّر عن مجاراة هذا القرن في مرافقها كافّة على الرغم من “الجعجعة” في بعض الأحيان التي هي كغثاء السيل لا تغني ولا تسمن من جوع…”. ولمّا كان الدفاع عن الصحابة بنظر سنّو “جعجعة”، وفي مقدَّم المدافعين كان أمين الفتوى في لبنان الشيخ أمين الكردي وشقيقه الأكبر رحمه الله، فإنّ الردّ على “بلغصة” سنّو وميوله وتفكيره مضيعة للوقت. السؤال هنا يوجَّه لأعضاء مجلس الأمناء الذي فيه خيرة من أبناء العائلات البيروتية الإسلامية التي بات سكوتها مؤلماً لدرجة الإيذاء، فالساكت عن الحقّ شيطان أخرس.
السؤال هنا لنائب رئيس الجمعية الدكتور عماد عيتاني ولبسّام برغوت وحسن بحصلي ومفكّرنا محمد السمّاك وأنس مغربل وغالب الداعوق وناصر وتار ومحمد الزاملي وفادي درويش ومحمد الحلبي وأديب بساتنة وغالب محمصاني وعبدالسميع الشريف والأحمدين منيمنة وحدّاد وجمال بكداش وفادي ميرزا، ومعهم العضوات الفاضلات مي مخزومي ومنى بوارشي ورولا عجوز وداليا سلام والقاضية الصلبة ميسم نويري وديانا طبّارة.
نسأل كلّ هؤلاء السادة والسيّدات الأفاضل: هل قرأتم “الفجر الصادق” للآباء المؤسّسين للجمعية؟ هل أنتم موافقون على توريط جمعية المقاصد، الجمعيّة الجامعة لأبناء بيروت والمسلمين، بالاختلاف والصراع على مجلس بلديّ مع باقي أبناء العاصمة؟ أين أنتم يا مجلس الأمناء من الأمانة التي تحملونها لتحقيق رسالة “المقاصد” في وحدة المجتمع وتكافل أعمال الخير؟ لماذا توافقون على أن تكون “المقاصد” جزءاً من الاختلاف البلديّ والتصادم بين أبناء العاصمة وعائلاتها؟ وكلّهم وكلّنا أبناء المقاصد.
بعد 147 عاماً على تأسيس “المقاصد” وإطلاق “الفجر الصادق”، هناك من يسعى لاستبداله بفجر كاذب عبر حرف “المقاصد” عن مقاصدها
الحياة موقف
لقد كانت “المقاصد”، كما قال الرئيس تقيّ الدين الصلح رحمه الله، منبعاً لتخريج كوادر المؤسّسات، فلماذا تسكتون على تحويلها من قبل الرئيس البيطريّ إلى ساحة للصراع والمناكفات؟
أيّها الأعضاء الأمناء، الحياة موقف ودون ذلك هي مسيرة هباء بهباء. فلا تكونوا شهود زور على نحر “مقاصدنا” ورسالتها. إنّ أمانة “المقاصد” ليست تشريفاً مجتمعيّاً ولا منصباً للوجاهة والقفز إلى الطموحات الشخصية. هي خدمة مجتمعية تكاد تكون أمانة لو عُرضت على الجبال لأبت أن تتحمّلها.
أيّها الأمناء، كونوا أمناء قولاً وفعلاً لا شهود زور على من يسعى إلى إطفاء فجر “المقاصد”. لقد قال الرئيس تمّام سلام في احتفال التأسيس عام 1983 إنّ “المقاصد مسؤوليّات تاريخية لتقدّم وكرامة المجتمع الإسلامي”، وقال رئيس “المقاصد” أمين الداعوق في الذكرى الـ138 للتأسيس إنّ “المقاصد توحّد ولا تفرّق، وهي خير ضمان لمجتمعها بالتعاون مع كلّ الجمعيّات الإسلامية والأهليّة والمدنيّة”.
حافظوا على “المقاصد” كما فعل السابقون كي لا يلعنكم اللاحقون، فلو دامت لغيركم ما آلت إليكم.