بقلم الكاتب صفوح منجّد
نزوح قاتل ولا يصدّق وغير مسبوق من بعلبك والبقاع بعضه بإتجاه سوريا وبعضه الآخر نحو شمال لبنان وصولا إلى طرابلس، ونزوح آخر كالحلم من سهل مرجعيون (من الخيام وصولا إلى بعلبك)، إنه الإنتقال إلى المجهول في وطن يكاد “يندثر” وسط أعمال عنف لم يشهدها اللبناني إلآ في أفلام ال”أكشن” الخيالية، المليئة بالأحداث الدامية وبالعنف القاتل، كل ذلك جرى ويجري على تلك المساحة الممتدة من بعلبك الصمود إلى الفيحاء الصابرة وكأن هناك حقد دفين يسعى إلى إزالة معالم التاريخ تماما كما سبق وحصل قبل أيام في العاصمة وفي صيدا وصور وفي بلدات الجبل وهو الآخر لم ينج من تمدد الحقد القاتل في مختلف جوانب الوطن، فالإستعدادات لمواصلة جرائم الحقد تتنقل بكل الإتجاهات مستهدفة كل المناطق حيث تستمر أعمال القصف بكل أنواع السلاح الثقيل ولا من يسأل ومن يجيب.
وبالخاتم الأسود وبتحريك سبابته اليمنى متشبها بالشهيد حسن نصر الله دشّن الشيخ نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله تحمّل مسؤولياته، في حين كان المرشح للرئاسة الأميركية دونالد ترامب يتعهّد في حال تجديد ولايته بوقف المعاناة والدمار عن لبنان.
ووسط هذا الإنتظار الطويل والمجهول وككل المدن اللبنانية يبدو طلاب طرابلس نصفهم في المدارس ونصفهم الثاني متشرّد بعد ان تخلوا عن مقاعدهم المدرسية لإخوة لهم قدموا من مواقع المواجهات الدامية.
كان اللبنانيون خلال الأحداث السابقة “يتشردون” من حارة إلى أخرى أو من شارع إلى آخر ليتقاسموا مقاعدهم مع زملاء ضيوف قدموا من البلد الواحد، فكأن التشرّد لا يكتفي بالإنتقال من شارع إلى آخر او من قرية قريبة حيث طاردهم القصف والقتل والموت ولا يدركون شيئا عن جرس العودة إلى ديارهم.
والأصعب من كل ذلك البيانات والفرمانات الصادرة عن عدوٍّ لئيم وغادر يتهدّد أبناء القرى والبلدات الحدودية وغيرها، وإضطروا إلى الإنتقال السريع ومغادرة منازلهم مع عائلاتهم إلى أماكن أخرى في أقضية أو محافظات أخرى، وغالبا مشيا على الاقدام يحملون ما تمكنوا من جمعه في “شنت” مهترئة حملوها على ظهورهم أو رؤوسهم وبالكاد يتثنى لهم مدّ عنقهم ليتحققوا من سلامة الطريق وعدم الإنزلاق إلى حفرة أو هُوّة على أمل أن يصلوا إلى بر الأمان وعدم إطالة الإقامة للعودة إلى مكان سكنهم (في حال بقي هذا الآخر سالما معافى).
ومن حقنا هنا أن نردد مع ضيوفنا ما هذا الحكم؟ وهؤلاء الحكّام عندنا الذين لم يستطيعوا تكوين قوّة فاعلة عالمية أو مناطقية للدفاع عن هذا البلد وعن كل بلد في المنطقة في حال تعرضه لإعتداءات أجنبية، (أم أن ذلك لم يكن سوى خيوط عنكبوت!) في كتاب التاريخ التي أفاضت في ذكر الدول المحبة للسلام؟ وهل هذه الأخيرة للفرجة عبر صندوقة العجائب؟ وعندما يتعرض البلد لإعتداءات وحروب من قِبل الآخرين ومن قبل مجرمين وسُعاة إلى تدمير البلد بأهله ومكوناته، يغيب محبو السلام؟!
بل أين كان هؤلاء الحكام طوال تلك السنوات التي ربطت البلد بمنظمة الأمم المتحدة ودولها المحبة للسلام؟
كيف ولماذا فرّط الحكم طوال السنوات الماضية بهذه الطاقات والإمكانات والقوى التي كان بالإمكان أن تقدّم المساعدة للبلد المنكوب في هذه الأجواء والأيام الصعبة التي يعيشها البلد؟
لماذا لم تحرّك الدولة العليّة ساكنا في المؤسسات وأروقة الأمم المتحدة لمواجهة وفضح الأعمال الإجرامية التي قامت وتقوم بها إسرائيل؟ وفضح أعمالها ومشاريعها وأهدافها الجرمية؟ بل لماذا أصلا سكتت عن إستمرار وجود هذا النظام المجرم اللئيم؟
لقد تأكد لنا جميعا أن لا وجود ولا إستمرار لنا بمعزل عن الدولة، بل كان ولم يزل المطلوب تكاتفنا جميعا وأن نتخلى عن إنتماءات وهمية، وأن نتماسك جميعا وننبذ من صفوفنا المسؤول أو الأصح المسؤولين عمّا جرى ويجري عن وعيٍ وتصميم، وهذا هو الأصح، ويجب أن يحاكم القائمون بذلك من قِبل الناس أولا ومن قِبل القضاء ثانيا، هذا إذا بقي بلد، وهو سيبقى ويتعافى، لنعيد معا بناء هذا الوطن على أسس العدالة والمساواة ونبذ المعايير الشاذة والإنقسامات والإنتماءات والولاءات اللاوطنية ونتكاتف حول بلد واحد في سبيل شعب واحد.