
زياد عيتاني – اساس ميديا
هو كـ”حنظلة” في رسومات ناجي العلي يدير ظهره إلى حيث ينظر الجميع. نظنّ أنّه لا يُعير الحدث اهتماماً. فيما الحقيقة تقول إنّه ينظر إلى حيث ينظر “حنظلة” إلى لبّ القضيّة حيث يكمن السرّ وخارطة الطريق.
وليد جنبلاط الساكن في القلق المسؤول، دائماً يمنع نفسه من فرح اللحظة، فهاجسه فرح الأيّام المقبلة. الحاضر سيمرّ سريعاً أو بطيئاً، لكنّه سيمرّ بالنهاية. الهمّ كلّ الهمّ هو المستقبل، الذي لا بدّ أن يحمل من التحدّيات الكثير، كأنّ جنبلاط قرأ، وأظنّه فعل، “بنك القلق” للكاتب المصري توفيق الحكيم، وهو نتاج أدبيّ مسرحي كتب عنه محمد حسنين هيكل في كتابه الشهير “وقائع تحقيق سياسي أمام المدّعي الاشتراكي”، الذي قال فيه: “نشرت الأهرام في تلك الفترة لكبار كتّابنا أعمالاً نقدية بارزة، منها “بنك القلق” لتوفيق الحكيم الذي كتبه لغير النشر وأعطاه لي كي أقرأه. قلت له إنّني سأنشره، فأبدى انزعاجاً شديداً، فقلت بالحرف: إذا كنت أنت وجدت الشجاعة لكي تكتب، فإنّ لدي الشجاعة لكي أنشر”. حينما صدرت الحلقة الأولى من “بنك القلق” احتجّت أجهزة أمنيّة كثيرة في تلك الفترة، وفوجئت بالرئيس جمال عبدالناصر يدعوني إلى لقائه ومعي نسخة ممّا كتبه توفيق الحكيم لأنّه كما قال لي لم يكن قد قرأه لكنّه تلقّى احتجاجات كثيرة عليه. وصلت إلى مكتبه فوجدت هناك المشير عبدالحكيم عامر الذي واجهني بغضبه الشديد ممّا نشرته “الأهرام”. وتجادلنا أمام الرئيس عبدالناصر فطلب منّا الخروج من مكتبه حتّى يقرأ “بنك القلق” بهدوء، ثمّ دعانا إلى الدخول بعدما فرغ من القراءة، وقال إنّه يرى استمرار النشر لأنّ قلق الحكيم حافز للتصويب”.
جنبلاط الساكن في القلق المسؤول، دائماً يمنع نفسه من فرح اللحظة، فهاجسه فرح الأيّام المقبلة
يؤمن وليد جنبلاط أنّ النصر صبر ساعة، وبالتالي النصر مربوط بالصبر، والصبر كما يُقال مفتاح الفرج. لقد تعلّم من التجارب القاسية التي مرّ بها طوال ثلاثين عاماً. رقص مع الطغاة والوحوش والقتلة، واحتضن أيتام الشهداء والأرامل والثكالى. تعلّم من كلّ شيء وتأمّل كلّ شيء. “هو كعادته لا يهمل شيئاً”، يقول أحد المحازبين القريبين منه، “التحضير لأيّ احتفال أو مناسبة عند وليد بك لا ينتهي إلّا بانتهاء المناسبة أو الاحتفال”.
جرأة وليد جنبلاط
يعلك وليد جنبلاط الألم والغضب وتساؤلات ناسه في كثير من المحطّات. هو “الفادي” لقومه فلا ضير إن لم يستوعبوا موقفه في لحظة من اللحظات، ولا ضير إن انفضّ عنه البعض استنكاراً لقرار أو موقف لا يعجب جمهور الناس ولا الأصدقاء. دائماً عند “أبي تيمور” العبرة في الخواتيم، ودائماً يقول عنه صديقه ورفيقه توفيق سلطان: “الحقيقة في ما يقوله دائماً وليد حنبلاط حتّى لو لم ينطق بها بعد”.
وليد جنبلاط
يملك وليد جنبلاط جرأة الاعتراف بالهزيمة، وجرأة قول الحقيقة وجسارة الشجاع في التمسّك بالثوابت. يصف ما حصل في المملكة العربية السعودية خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانقلاب الكبير، فيقول: “باتت لدينا سوريا جديدة وشرق أوسط جديد”. ويسارع زارعاً قلقه على لبنان إلى القول: “نتمنّى في هذا الشرق الأوسط الجديد أن نحافظ على خرائط سايس بيكو لأنّه يهمّنا لبنان الكبير ووحدة الأرض السورية. ولكنّ هذه الخرائط تبقى مشروطة بالحلّ في فلسطين”.
يؤمن وليد جنبلاط أنّ النصر صبر ساعة، وبالتالي النصر مربوط بالصبر
عروبة الدّروز
وقف بوجه مئات العمائم عندما قال: “الدروز عرب. هم قلب العروبة وحرّاسها”. نفر منه الكثيرون وتحوّل خفافيش الليل إلى بلابل منشدة تسوِّق للعمالة. وحده وقف لا يهاب كلّ هذا قائلاً: “أنا صاعد إلى “دمشق الشرع”، هناك الضمانة وهناك يمكننا صناعة الحلّ الكبير”.
أيّام قليلة وانكفأ خفافيش الليل إلى جحورهم داخل المغاور وتغيّرت ألسنة الكثير من العمائم، وبات الكلّ يتحدّث بما تحدّث به وليد جنبلاط من وحدة سوريا إلى عروبة الدروز إلى استنكار العمالة لإسرائيل، إلى تكاملهم مع المحيط الاسلامي السنّي الكبير. كان الكبير تقيّ الدين الصلح يقول: “الدروز هم سُنّة احتياط”، أي دائماً يقفزون دفاعاً عن السنّة “الأمّة” عندما تحيط بهم المكائد والمخاطر والمؤامرات. ما فعله وليد جنبلاط في سوريا في اللحظة الحرجة جعل السُّنّة كلّ السُّنّة احتياطاً عند وليد جنبلاط. هذا ما قاله نهاد المشنوق متحدّثاً فرحاً بوصف ما فعله وليد جنبلاط.
ربح وليد جنبلاط الرهان على عروبة الدروز. هو محترف للفوز بالرهانات. وها هو بالأمس وقف في بكفيّا في بيت المستقبل بحضور آل الجميّل ممثلّين بالوالد الأمين ونجله سامي ليقول إنّ هناك “تحدّيات كبيرة، ولا أوافق القول إنّ ما يجري هو حرب الآخرين على أرضنا. فقد وقعت حروب كبيرة وصغيرة، وكان هناك عدم ثقة وتراكم تاريخي، وإذا أردنا لبناناً جديداً فهل نغيّر “الطائف”؟ طبعاً لا نريد أن نُحدّث “الطائف”. نريد لبناناً جديداً. تغيير الطائف سيدخلنا في المجهول”.
هذا هو وليد جنبلاط القلق دائماً من المجهول.