
هيام القصيفي – الأخبار
مرة جديدة، يتوقع أن ينتهي التحرك الفرنسي قبل أن تبدأ المحادثات الفرنسية – اللبنانية. ورغم أن باريس رفعت من مستوى مبادرتها بإيفاد وزير خارجيتها، إلا أنها لا تزال تصطدم بعدم رضى واشنطن والرياض
أي تنسيق فرنسي – روسي هو تنسيق على مستوى الصف الثاني من الدول المؤثرة
ثانياً، لم يعُد الملف اللبناني أولوية في باريس، بقدر ما يكثر الحديث في بيروت عن الدور الفرنسي في إيجاد حل للأزمة اللبنانية. ما يشغل بال اللبنانيين من اهتمام فرنسي تعطى له توصيفات متعددة وتحليلات حول مستوى العقوبات ونوعيتها والمستهدفين بها، لا يشغل بال الفرنسيين، بأكثر من محاولة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تحقيق خرق دبلوماسي خارجي، وسط التخبط الداخلي. خصوصاً بعد مشهد باريس في الأيام الأخيرة، من بدء معركة الرئاسة واستعداد ماكرون لها، إلى موقف الجنرالات والعسكريين الذين وقعوا بياناً حول تفكّك فرنسا، وقانون الإرهاب الجديد والمناظرات والنقاشات التي لا تنتهي حول ما بدأ يُستخدم من مصطلحات «الحروب الفرنسية الداخلية». من هنا، فإن الرهان الفرنسي على تحقيق خرق في الدبلوماسية الخارجية يتم لأسباب داخلية محض، قد لا يكون هو نفسه لدى المسؤولين اللبنانيين المعنيين بتشكيل الحكومة.
ثالثاً، لا يتم التحرك الفرنسي المتجدد بتنسيق مع الرياض ولم يحُز رضاها. لا تزال الرياض على موقفها غير المبالي بالتشكيل الحكومي، لا بل إن كلام دبلوماسييها بات مكشوفاً في تناول الرئيس المكلف سعد الحريري من دون قفازات. والسعودية لا ترغب في إعطاء أي فرصة للتحرك الفرنسي، وهي كانت واضحة في إبلاغ موقفها المتراوح بين التجاهل التام للتحرك الفرنسي، وبين النصيحة بأن أي نتيجة لن تسفر عنه. والكلام عن أي حوار سعودي في المنطقة مع إيران أو غيرها، لا علاقة له بلبنان لا من قريب ولا بعيد، كما أن لا صلة له بموقف السعودية تحديداً من الحريري وعدم مباركتها لعودته إلى رئاسة الحكومة. وتبعاً لذلك يمكن التكهّن سلفاً بمستقبل التحرك الفرنسي إذا كان أحد الأطراف الرئيسية في أي تسوية، مصرّاً على عدم التدخل، لا بل إظهار عدم الرضى عن أيّ تحرك خارج التنسيق معه.
رابعاً، أما من جهة واشنطن فإن التحرك الفرنسي لا يتم أيضاً بالتنسيق معها، ولو أن زيارة لودريان تتزامن مع انطلاق التفاوض مجدّداً بين لبنان وإسرائيل، برعاية الأمم المتحدة والولايات المتحدة. فلواشنطن اهتمامات مختلفة تماماً عن باريس. ما يعني واشنطن هو انطلاق التفاوض، على الأقل من أجل الإبقاء على العملية في حدّ ذاتها قائمة، في انتظار بلورة الأوضاع والحوارات الدائرة في المنطقة. فبعد موقفها الرافض لتوقيع المرسوم حول الحدود البحرية، الذي أبلغت المعنيين في لبنان رسمياً رفضها له، باتت عملية انطلاق التفاوض واجبة من باب الضرورة لإبقاء فكرة التفاوض حيّة، من دون توقّعات كبيرة بتحقيق تقدّم سريع.
خامساً، تكثر الإشارات عن تنسيق فرنسي – روسي في شأن إطلاق عجلة التفاوض الحكومي، خصوصاً أن روسيا فتحت أبوابها لقوى سياسية لبنانية أخيراً. لكن أيّ تنسيق فرنسي – روسي يعني حتى الآن أنه تنسيق على مستوى الصف الثاني من الدول المؤثرة في صياغة قرارات تتعلق بتسوية حكومية وما وراءها، من ترتيب لإنقاذ لبنان من أزمة اقتصادية وسياسية. فالقرار اليوم ليس في باريس أو موسكو. إنما في مكان آخر، مع صنّاع قرار من نوع آخر.