كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
انتهت زيارة الموفد الأميركي آموس هوكستين، كما بدأت. صفر نتيجة. أقله إلى الآن. هكذا بدت جولة ممثل البيت الأبيض بالنسبة للثنائي الشيعي، كونها لم تقدّم أي أفكار أو معطيات جديدة قد تستدعي قراءة أو مقاربة مختلفة. الأمور لا تزال على حالها، كما تركها هوكشتاين من زيارته الثانية بعد اندلاع الحرب. المتغيّر الوحيد هو توسّع رقعة العمليات العسكرية الإسرائيلية وقد طالت أخيراً البقاع، واحتمال الاتفاق على هدنة تجعل من شهر رمضان أكثر هدوءاً من غيره من الأشهر الماضية. وهو المرجح، كما فهم المسؤولون اللبنانيون الذين التقوا هوكشتاين.
ومع ذلك، كُثرٌ لم يقتنعوا بأنّ اللقاءين اللذين عقدهما الموفد الأميركي، مع رئيس الحزب التقدمي السابق وليد جنبلاط، وخمسة نوّاب من المعارضة (يتردد أنّ اللقاء حصل بناء على إلحاح هذه القوى بسبب استبعادها عن لقاءات هوكستين السابقة)، يأتيان في سياق مسعاه لوقف الأعمال العسكرية الحاصلة في جنوب لبنان. صحيح أنّه اختزل مهمته بإيجاد حلّ ديبلوماسي ينهي العمليات الحربية على الحدود، وهي بالفعل جوهر دوره في المنطقة، لكنه بالتوازي قرّر الانخراط في عمق الملف اللبناني من بابه الرئاسي. لم يقلها بالمباشر، لكن بعض الإشارات التي أتت من جانبه توحي بأنّ بند الرئاسة قد يكون انضمّ إلى سلّة الأفكار المعروضة للنقاش، والتي تدور حول مسألة جوهرية وهي وقف العمليات العسكرية.
إلى الآن، لا يزال الموفد الأميركي يتعامل مع الملف اللبناني، من جانبه الأمني المتصل بوضع الجنوب، على قاعدة إقناع «حزب الله» بالاستفادة من فترة الهدنة التي ينتظر أن يتمّ الاتفاق عليها في غزة، وذلك للانطلاق بخارطة طريق أمنية – سياسية، تبدأ بوقف العمليات العسكرية وتمرّ بطبيعة الحال ببعض «الهدايا»، و»الأثمان» منها تثبيت الحدود البرية بعد حلّ إشكالات النقاط العالقة (باستثناء مزارع شبعا)، وعودة الأعمال الاستكشافية عن الغاز في البحر اللبناني، وتنتهي بالاتفاق على رئاسة الجمهورية نظراً للحاجة لوجود رئيس لتثبيت الحدود البرية.
بهذا المعنى، وضع هوكستين، اللبنة الأولى لخارطة الطريق التي يعمل على صياغتها والترويج لها لكي تكون جاهزة خلال فترة الهدنة، على أن يعرضها ضمن ورقة مكتوبة خلال زيارته المقبلة، والمفترض أنها خلال الهدنة، إذا ما أتت إشارات إيجابية من جانب «حزب الله» تشي بإمكانية السير بها.
فعلياً، لم يقدّم هوكستين، وفق من التقوه، أي معطى جديد، قد يشكّل فارقاً عن فحوى مشاوراته في الجولتين السابقتين، وبدت زيارته الثالثة أشبه بإبرة مورفين، لا تهدف إلى المعالجة، وإنما للضغط تحت وطأة التصعيد العسكري، لعلّها تنفع في أخذ الوضع في الجنوب اللبناني إلى مكان آخر يكون أكثر هدوءاً من الوضع في غزة… وكل ما يعمل عليه هو إرساء الهدوء وفق ما قال بنفسه. حتى أنّ توقيت عودته كان موضع تساؤل من جانب القوى السياسية، وبينها «حزب الله» خصوصاً أنّه لم يطرح أفكاراً جديدة تستدعي مناقشتها. والأرجح أنّ توسّع العمليات العسكرية جغرافياً بعد استهداف البقاع والنبطية، قد شجّع هوكشتاين على الهبوط في مطار بيروت، لاعتقاده أنّ هذه التطوّرات قد تدفع «حزب الله» إلى تليين موقفه.
أكثر من ذلك، فإنّ تحذير هوكستين من عدم سريان مفعول هدنة غزة على الجنوب اللبناني، كان موضع استغراب أيضاً من جانب الثنائي الشيعي خصوصاً أنّ ما كان يصلهم من الجانب الأميركي، يناقض هذا الموقف، لا سيما أنّ واشنطن كانت تعمل على تعميم الهدوء في المنطقة ونقله من القطاع إلى الجنوب وصولاً إلى اليمن، في حال تمّ الاتفاق على الهدنة، وإذ بالموفد الأميركي يتبنى تهديد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت وهذا ما اعتبره «حزب الله» جزءاً من حملة التهويل التي تمارس بحق لبنان، مع العلم أنّ كلام هوكشتاين في اللقاءات السياسية كان أكثر إيجابية وميلاً لتعميم قاعدة الهدنة.
ولهذا، كان موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري واضحاً في تأكيده معادلة: أوقفوا إسرائيل ليلتزم «حزب الله» الهدوء. وقد أعاد تكرارها على مسمع الموفد الأميركي من جديد. وبالتالي، إنّ استمرار الأعمال العسكرية في غزة يعني حكماً استمرارها على حدود لبنان الجنوبية.
في الخلاصة، وحده الميدان هو الذي سيرسم معالم المرحلة المقبلة، سواء أكانت الهدنة من طرف واحد أم باتفاق ثنائي، وسواء راحت الأمور إلى مزيد من التصعيد. لكل سيناريو تبعاته. ومع ذلك، ثمة من يعتقد أنّ هوكشتاين لا يزال في طور البحث النظري عمّا يمكن التفاوض حوله في حال سكت المدفع.
جلّ ما يمكن رصده من كل الكلام الذي قيل في جلسات هوكشتاين، وعلى ضفافها، هو أنّ الرجل يعمل لأن تكون الهدنة المرتقبة في غزة، فرصة لفصل لبنان عما يحصل في القطاع. ومن بعدها يُصار إلى عرض الأوراق المكتوبة التي تتضمن الترتيبات الأمنية – السياسية للمرحلة المقبلة.
أما الجديد غير الرسمي وغير المعلن في جولته الأخيرة، فهو إضافة بند الرئاسة لعلّها تكون ضمن الترتيب السياسي للمرحلة المقبلة. حالياً ثمة مرشحان أساسيان جوزاف عون وسليمان فرنجية. والترجيحات تقود، إما إلى التنازل للقبول بأحدهما، وإما إلى قاعدة وسطية بمرشح جديد ثالث. الجواب لا يزال ضبابياً.