كشف المحلل العسكري الاسرائيلي يواب ليمور في صحيفة “إسرائيل اليوم” أن الخبراء العسكريين الإسرائيليين اختلفوا في آرائهم،حول قابلية الانفجار الحالية ودرجة اشتعال الأوضاع على الحدود الشمالية، خصوصاُ أت هناك من يعتقد أنها مرتفعة وأنها الأخطر منذ سنوات نتيجة مجموعة من الأسباب الداخلية في لبنان،والخارجية التي تدفع بـ”حزب الله” على أن يكون أكثر جرأة من ذي قبل، ويقدر آخرون أن هذه مجرد أجواء متوترة، ولن يقوم “حزب الله” بخطوات قد تعرضه ولبنان للخطر.
واشار ليمور، في تقرير نشره اليوم، إلى “أن “حزب الله”وجد له فرصة مناسبة ليتصدر عناوين الصحف،في الخلاف الدائر بين إسرائيل ولبنان على ترسيم مسار الحدود البحرية، على عكس الحدود البرية فإن الأهمية اقتصادية في البحر في المقام الأول، فكل من البلدين يضع أعينه على تطوير حقول الغاز البحرية، والأرباح الهائلة التي سيجنيها من ذلك”.
ولاحظ أن “هذا النزاع هامشي نسبياً من حيث مفاهيم النزاعات الدولية، فهو لا يتعلق بحقل الغاز “كاريش” الذي يقع بالكامل في مياه المنطقة “البحرية الإسرائيلية”، بل بجزء صغير يمتد جنوب الخط الذي من المتوقع أن يفصل المياه اللبنانية عن المياه الإسرائيلية، وتجري الوساطة من قبل الولايات المتحدة حول هذا الجزء في محاولة للوصول إلى حل متفق عليه، ومع ذلك كما هو الحال في الشرق الأوسط – و بحسب طبيعة الوسطاء – تتم الأعمال بتكاسل، ما يترك مجالاً كبيراً للجهات المختلفة و”حزب الله” على رأسها لإحداث فوضى”.
ورأى أن “السبب المباشر للضجة الحالية هو العمل في حقل الغاز “كاريش”، والذي من المفترض أن يبدأ في أيلول (سبتمبر)، وإسرائيل بلا ادنى شك معنية بإنهاء الخلافات بحلول ذلك الوقت،بحيث يمكن البدء في تطوير الحقل دون انقطاع أو تهديدات، أدرك “حزب الله” الفرصة وبدأ في إطلاق التهديدات: “إذا لم ينقب لبنان فلن يقوم أحد بالتنقيب”، كما حذر – أو على حد تعبير الامين العام حسن نصرالله، الذي استخدم إعادة صياغة لكلماته خلال حرب لبنان الثانية “بأن الحزب يعرف كيف يصل إلى ما بعد حيفا”، قال هذا الأسبوع: “يمكننا الوصول إلى ما بعد كاريش”.
وأطلق “حزب الله” قبل اسابيع تهديدات الطائرات المسيرة تجاه منصة الغاز “كاريش”،في حادثتين مختلفتين، واعترض الجيش الإسرائيلي الطائرات المسيرة، وحُرم “حزب الله” من إنجاز معنوي، لكن الخوف من احتمال تسليح الطائرات المسيرة في المرة القادمة أثار اليقظة لدى الجيش الإسرائيلي.
وكانت النتيجة المباشرة هي التهديدات التي أرسلها رئيس الوزراء يائير لابيد ووزير الدفاع بيني غانتس إلى لبنان هذا الأسبوع، وحذر لابيد من أن كل من يحاول المس بسيادتنا أو بمواطني إسرائيل سيكتشف بسرعة كبيرة أنه ارتكب خطأً فادحاً، كما تم توزيع صور من هذه الجولة بهدف تعزيز قوة الرسالة الإسرائيلية.
و تابع ليمور: “أما النتيجة الفورية الثانية فكانت محاولة تسريع استكمال المفاوضات الأميركية التي تجري بحسب توقيت واشنطن وليس بحسب توقيت تل أبيب، صحيح أن اللبنانيين يستجيبون ببطءٍ شديد لاقتراحات الوسيط عاموس هوكاشتين – نتيجة الفوضى السياسية التي لا تنتهي في البلاد،وعدم قدرة الأطراف المختلفة على اتخاذ القرارات – لكن الوسيط نفسه لا يبدو أنه مهتم أو على عجلة من أمره، الأسبوع الماضي تحدث معه مسؤولون إسرائيليون وطلبوا منه الإسراع والتوصل إلى اتفاقيات بحلول أيلول (سبتمبر) في محاولة لتجنب تصعيد الخطاب العنيف والتهديد الذي قد ينزلق حتى إلى تصعيد مادي على الأرض”.
ورأى ليمور أن “المنظومة الأمنية الإسرائيلية تعتقد بأن “عربدة” نصر الله الكلامية غير العادية لا تنبع من محاولة فتح جبهة عسكرية نشطة ضد إسرائيل في لبنان، بل من دوافع سياسية داخلية، لاسيما أن نتائج الانتخابات الأخيرة مخيبة للآمال من وجهة نظر “حزب الله”، الذي يُلقى باللوم عليه أيضاً، لتدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي في لبنان، والذي تفاقم خلال الأشهر الأخيرة، بسبب الحرب في أوكرانيا حيث تعطلت إمدادات القمح الى لبنان، وارتفعت أسعاره، ونتيجة لذلك حدثت قفزة حادة في أسعار الغذاء والطاقة ما أثر على الوضع العام في البلاد وعلى مزاج سكانه.
ويبدو، بحسب ليمور، أن “نصرالله يسعى إلى تحويل الانتباه إلى إسرائيل وحقل الغاز “كاريش”، ومن المحتمل أن تكون دوافعه أكثر التواءً فهو يقدر أن المفاوضات بين الدول ستنجح وسيتم التوصل إلى اتفاق ويريد أن يُنظر إليه على أنه الشخص الذي تسبب ضغطه العسكري الذي مارسه في جعل إسرائيل تتراجع، يحاول نصر الله تقديم نفسه مرة أخرى على أنه المدافع عن لبنان ويريد أن تظهر إسرائيل كدولة ضعيفة تستسلم لتهديداته”.
ولفت إلى “أن نصر الله لم يأخذ في الحسبان الانتقادات التي ستثار بشأن تحركاته بالذات من الداخل، فقد هاجمته جهات سياسية مختلفة في الداخل،بمن فيهم قادة الدولة بعد إطلاق الطائرات المسيرة وقالوا انه يعرض لبنان ومصالحه للخطر، ربما تكون حقول الغاز هي شريان الحياة الوحيد الذي يلوح في الأفق للبنان المحطم و المدمر اقتصاديا، وقادته – الذين ابتعدوا للحظة عن الفساد والاستفادة لأغراض شخصية – يعرفون أنهم لن يكون لديهم انتعاش إذا لم يدفعوا باتجاه التنقيب عن الغاز على الجانب اللبناني أيضاً”.
ورأى ليمور ان “إسرائيل تأمل في أن يؤدي هذا الضغط اللبناني الداخلي وظيفته ويهدئ “حزب الله”، كما يُنظر إلى حقيقة أنه من المفترض أن تقوم الشركة نفسها (Energyan) بتطوير الحقول في كلا البلدين كعامل استقرار، لكن الواقع قد يتبين أنه أقل تفاؤلاً، نتيجة مقامرة خطيرة من “حزب الله” أو نتيجة لسوء تقدير يؤدي إلى التدهور بل وحتى التصعيد.
واعتبر ليمور إن “سيناريو طائرة مسيرة تليها طائرة مسيرة أخرى تتحدى الجيش الإسرائيلي، والرد الإسرائيلي،الذي قد يؤدي إلى رد فعل مضاد من قبل “حزب الله”، بعيد كل البعد عن أن يكون مبالغ فيه، ولهذا السبب سارع الجيش الإسرائيلي في استعداده لاحتمال أن يجد نفسه في معركة محدودة في الشمال (أو حسب المصطلحات التي تستخدمها القيادة الشمالية عادة أيام القتال)، لا يوجد أحد يعتقد أن حرباً واسعة وشاملة مطروحة على الجدول، ولكن هنا أيضاً يجب أن نكون حذرين في التقييمات، صحيح أن الحدود بعد 16 عاماً من حرب لبنان الثانية أكثر استقراراً من أي وقت مضى، ولكن كما تم إثبات ذلك حينها وكما يقول الإعلان القديم: “الأخطاء لا تحدث، بل يتم ارتكابها”.
وبحسب ليمور، “صحيح أن “حزب الله” اليوم مردوع أكثر بكثير مما كان عليه في عام 2006، ولكنه أقوى بمرات عديدة أيضاً، ونتيجة لذلك فإن إسرائيل هي الأخرى مردوعة، وتفكر ألف مرة قبل أن ترد على أي استفزازات من الشمال، هذا الأمر قد يوضع على المحك إذا حدث هناك بالفعل تصعيد محدود على الحدود، وسيُطلب من إسرائيل بعد ذلك أن تقرر كيفية الرد، والتمييز بين الأهداف المحلية التي ستضمن عودة الهدوء والأهداف النوعية، مثل أهداف “حزب الله” ما قد يخاطر بتوسيع التصعيد”.
و لفت ليمور إلى “انه من مصلحة إسرائيل – أن يسمح الهدوء بتطوير حقل الغاز في الجانب الإسرائيلي، وكذلك الحقل الذي في الجانب اللبناني – الأمر الذي سيساهم في تحسين الوضع الاقتصادي في لبنان ويكون أيضاً رادعاً استراتيجياً.
واوضح ليمور ان الذي قد يقوض هذا السيناريو المحتمل هو حركة “حماس”، حيث انه في الأشهر الأخيرة عزز “حزب الله” تعاونه مع الحركة وساعدها في إنشاء بنية تحتية عسكرية في مخيمات اللاجئين في لبنان، وشارك نشطاء من حركة “حماس” بالفعل في إطلاق صواريخ على الأراضي الإسرائيلية،خلال شهر رمضان هذا العام وخلال عملية “حارس الأسوار” العام الماضي .
يبدو، بحسب ليمور، أن نصرالله يعتقد أنه يستطيع الاستعانة بحركة حماس لتحدي إسرائيل، دون تعريض منظمته أو لبنان للخطر، لكن النخبة السياسية والأمنية في إسرائيل تجد أنه مخطئ، بصفته صاحب السيطرة على الأرض، فإنه سيدفع ثمن أي عمل يتم تنفيذه ضد إسرائيل، حتى لو لم يكن مسؤولاً بشكل مباشر عن ذلك.
وختم ليمور: “إذا كان من الممكن الوثوق بـ”حزب الله” في الحفاظ على الهدوء، فيمكن الوثوق بحركة “حماس” في محاولة إحداث فوضى، هذه وصفة للاحداث المحتملة، والتي تلزم إسرائيل بالتفكير والتخطيط المسبق لها، حتى قبل أن يأتي الشر من الشمال”.