كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
إعلان عن زيارة سفيرتي اميركا وفرنسا الى السعودية أحدث خضة على مستوى الحكومة حتى صار مصيرها مرهوناً بعودتهما وبما ستحملانه، خصوصاً وان مثل هذه الزيارة وأياً كانت اللقاءات التي ستعقدانها، تعني استعداد المملكة للعودة تدريجياً الى الساحة اللبنانية.
طغى الإعلان عن الزيارة على أخبار اعتذار الحريري. ذاك الاعتذار الذي اتخذ قراره الرئيس المكلف سعد الحريري لكنه احتفظ لنفسه بتوقيت الاعلان عنه، مراعياً بذلك تمنيات من حوله والتمسّك بالتكليف افساحاً في المجال امام عامل المفاجآت، والاستجابة لرغبة رئيس مجلس النواب نبيه بري في اختيار البديل. شرط يرفض الحريري تلبيته ويراه غير ممكن في الوقت الحاضر، يمكن للحريري ان يوافق على اسم بديل لا ان يقترحه وهو اذ يعتبر ان طرح الرئيس السابق يمكن ان يكون مقبولاً، غير ان الاخير يرفع سقف شروطه ويطلب تغطية سعودية وإجماعاً سنياً داخلياً وضمانة من بري و”حزب الله”، باقناع عون بالتعاون على ان يطلق يده في عملية التشكيل. خيار قيد النقاش لم يلغ العودة الى الاستعانة بالسفير مصطفى اديب مجدداً.
وفيما تعجز الجهود الداخلية عن إيجاد حل للمعضلة الحكومية، تتسارع الخطوات والتحركات المتعلقة بلبنان بعيداً عن التنسيق مع المسؤولين فيه. في سابقة، تعلن السفيرتان الاميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو عن مغادرتهما لبنان الى المملكة السعودية لعقد اجتماعات مع مسؤولين سعوديين في الثامن من شهر تموز الجاري. وتأتي هذه الزيارة “امتداداً للقاء المشترك لوزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان ونظيره الأميركي أنطوني بلينكن، مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود الذي انعقد في إيطاليا في 29 حزيران الفائت، على هامش قمة مجموعة العشرين.
وفي بيانين منفصلين أعلنت شيا انها ستبحث خطورة الوضع في لبنان وسوف تؤكد أهمية المساعدة الإنسانية للشعب اللبناني، فضلاً “عن زيادة الدعم للجيش وقوى الأمن الداخلي”. وبالشراكة مع نظيريها الفرنسي والسعودي، سوف تواصل السفيرة شيا “العمل على تطوير الاستراتيجية الدبلوماسية للدول الثلاث، التي تركز على تشكيل الحكومة وحتمية إجراء الإصلاحات العاجلة والأساسية التي يحتاجها لبنان بشدة”. وأفادت السفارة الفرنسية ان “السفيرة الفرنسية ستشرح خلال لقاءاتها بأنه من الملحّ أن يشكّل المسؤولون اللبنانيون حكومةً فعالة وذات مصداقية، تعمل بهدف تحقيق الإصلاحات الضرورية لمصلحة لبنان، وفقاً لتطلّعات الشعب اللبناني”.
وفي حين افادت المعلومات ان السفيرتين سبق وان طلبتا موعداً للقاء وكيل وزارة الخارجية السعودية للوقوف منه على حقيقة الموقف تجاه تشكيل الحكومة في لبنان، ومساعدته مالياً الا أن ما تضمنه البيانان لم يلغِ الحاجة الى تحليل للزيارة على مستوى سفراء، خاصة وأن الإعلان قد تزامن مع إعلان مماثل عن عودة السفير السعودي وليد بخاري الى لبنان بعد زيارة الى بلاده استمرت اياماً، والعودة محملاً بكلمة سر الحكومة ورئيسها المكلف. وان تأتي الزيارة عقب اللقاء الذي حصل على مستوى وزراء خارجية الدول الثلاث والذي طالب خلاله الجانب الاميركي نظيره السعودي، بضرورة عودة بلاده لتلعب دوراً على الساحة اللبنانية ومساعدة لبنان للخروج من أزمته المالية، فهذا قد يحمل مؤشراً خصوصاً وان الوزير السعودي ورغم اعادته التذكير بموقف بلاده بأن لبنان لم يعد مدرجاً ضمن سلم اولوياتها، وانها لا ترى ان الوقت ليس مناسباً بعد لعودتها الى لبنان الا انه طلب التريث بالرد النهائي، واعداً بنقل هذا التمني الى المسؤولين في بلاده. غير ان آخر المستجدات على هذا المستوى أبلغها الموفد القطري مباشرة الى الرئيس المكلف بتأكيده ان المملكة ليست بوارد إعادة النظر بقرارها، لجهة عدم التعاطي بالملف اللبناني. فما التغيير الذي طرأ في الساعات الاخيرة؟
تؤكد معطيات مصادر مطلعة على الموقف الاميركي ان الزيارة شكلت مؤشراً الى تطور سجل على مستوى الحكومة والرئيس المكلف، بالنظر الى وقع الازمة في لبنان والحاجة الى تطويقها والاتفاق على تسوية ما بعد الحريري. وبالبحث الاميركي الفرنسي والسعودي يكون لبنان امام وصاية ثلاثية الابعاد سياسية واقتصادية وأمنية، خصوصاً في ضوء الالحاح الاميركي على وجوب عودة السعودية للعب دورها حفاظاً على لبنان ودعمه اقتصادياً، والإتفاق معها على شخصية اخرى اذا كانت لا تريد الحريري رئيساً للحكومة.
المعطى المؤكد هو عودة المملكة العربية السعودية الى لبنان تلبية لرغبة اميركية، عودة عبرت عنها مشاركة وزير خارجيتها مع نظيريه الفرنسي والاميركي ثم استدعاء السفيرتين الى اجتماعات لبحث ملف لبنان. فما الذي تحمله هذه العودة وهل يكون انسحاب الحريري التدريجي اولى علامات ظهورها؟ ام انه تم تحميل الزيارة أبعد مما تحتمل؟