كتبت كريستال خوري في “أساس ميديا”:
منذ أيّام يعزف “المستقبليّون” على “لحن” اعتذار نجيب ميقاتي بعد اتجاه بورصة التأليف نزولاً بفعل التعقيدات التي تتوالى، سواء تلك الظاهرة منها أو تلك المخفيّة. على أحرّ من الجمر ينتظر سعد الحريري لحظة تلاوة خلفه بيان الاعتذار، لتكون الشرارة التي ستدفع الفريق السنّيّ برمّته إلى صفوف الاعتكاف السياسي ومقاطعة قصر بعبدا بمن فيه… حتى انتهاء الولاية.
سيناريو انقلابيّ يعدّ له المتحمّسون من الجانب السنّيّ الذين يعتقدون أنّ الفريق العوني يفرض بالممارسة تعديلات على اتفاق الطائف تلغي ما تحقق من صلاحيات لرئاسة مجلس الوزراء، ولذا تتّخذ المعركة أبعاداً كثيرة تتجاوز مسألة العدد والحقائب والأسماء.
المطّلعون على موقف رئيس الحكومة يُلفتون إلى أنّ العلّة ليست أبداً في دور الحكومة، وإنّما في مقاربة الفريق العوني الذي لم يتعلّم من تجربته مع الحريري، ويصرّ على استنساخها
وفق “المستقبليّين” فإنّ كفّة الاعتذار راحت “تطبش” على حساب كفّة التأليف حين قاربت المشاورات مربّع المحرّمات، وهو الثلث المعطِّل. يؤكّدون أنّ الحريري لن يرضى بمنح الفريق العوني، عبر حكومة ميقاتي، ما رفض تقديمه طوال فترة تسعة أشهر. ولهذا فإنّ الثلث المعطِّل هو خطّ أحمر لن يسمحوا بتجاوزه. يرفض أحد “المستقبليّين” أن يجزم إذا كان ميقاتي سيفعلها أم لا، وإذا كان سيعطي رئيس الجمهورية هذا الثلث بالمواربة. لكنّ تقديراته تشير إلى أنّ الأمور اقتربت من الحائط المسدود… ولو أنّ بعض المعلومات تؤكّد أنّ خطّ التواصل بين بعبدا ومقرّ ميقاتي لا يزال “شغّالاً”، ويركّز اهتمامه على الأسماء.
بالتوازي، فإنّ ما يصدر عن رئيس الحكومة المكلّف يشي بأنّ الرجل بدأ التمهيد لخطوة الاعتذار، على قاعدة تحقيق هدفين: أوّلاً، الضغط على الفريق العوني ودفعه إلى تقديم تنازلات تسمح له بدخول السراي في لحظة متغيّرات إقليمية يسعى جاهداً إلى أن يكون إلى طاولتها حين تحصل. وثانياً، تمهيد الطريق أمام انتقاله من مربّع التأليف إلى صفوف المعارضة.
على الضفّة العونية، تبدو المقاربة مختلفة. يرى هؤلاء أنّ حكومة ميقاتي، الذي لم يكونوا بالأساس متحمّسين لتسميته لكونه وجهاً ثانياً لعملة واحدة سبق أن فشلوا في التعامل معها، أي الحريري، يجب أن تكون بداية مرحلة جديدة لا تتمّة مرحلة “مرذولة”. ولهذا يخوض رئيس الجمهورية معركة مهمّة هذه الحكومة ودورها قبل رؤيتها النور. ويؤكّدون أنّ المفاوضات الجارية راهناً بين الرئيس عون وميقاتي تتجاوز الأسماء والحقائب لتشمل دور الحكومة العتيدة لكونها الفرصة الأخيرة المتاحة أمام العهد. فإمّا تتمكّن هذه الحكومة من إنجاز الإصلاحات المطلوبة منها لوضع البلد على سكّة الإنقاذ، وإلا فلا داعي لقيامها.
يشدّدون على أنّ الرئيسين يبحثان بحثاً جدّيّاً في الكثير من الملفّات المالية والنقدية قبل بتّ التشكيلة الحكومية، وذلك كي لا تحصر الحكومة العتيدة مهمّتها بالانتخابات النيابية، وتكون جسر عبور ترقيعيّ لمرحلة ما بعد الانتخابات.
لكنّ المطّلعين على موقف رئيس الحكومة يُلفتون إلى أنّ العلّة ليست أبداً في دور الحكومة، وإنّما في مقاربة الفريق العوني الذي لم يتعلّم من تجربته مع الحريري، ويصرّ على استنساخها. فميقاتي، ولو أنّه متخفّف من أثقال تشنّج العلاقة الشخصية مع رئيس الجمهورية، لكنّه لن يكون أكثر تساهلاً من الحريري، ولا سيّما في المضمون. وإذا لم يغيّر الفريق العوني من طبيعة أدائه ونظرته، فقد تنتهي الأمور إلى اعتذار ثالث… ولكنّ هذه المرّة لا رابع للرؤساء المكلّفين.
فعليّاً، تحول عقباتٌ دون تحقيق ميقاتي هدفه بالعودة إلى الرئاسة الثالثة. أولاها هو التصعيد الإقليمي بعد إعلان “حزب الله” وصول أولى الشحنات النفطية الإيرانية، وسيستحيل على ميقاتي أن يرأس حكومةً مطلوباً منها موقف واضح ومحدّد من “حرب السفن” المستجدّة. ثانيتها هو تصلّب الحريري، فكأنّه يضع العصيّ في دواليب ميقاتي. ثالثتها هي “النقزة” التي قد تثيرها الهجمة الأميركية باتجاه التأليف لدى “حزب الله” خشيةً من أجندة مخفيّة قد تخبّئها الحكومة. ورابعتها خوض الرئيس عون معركة حياة أو موت للحصول على ثلث معطِّل لجبران باسيل في حكومة الشغور الرئاسي.
وتعقيباً على التسوية التي عقدتها رئاسة حكومة تصريف الأعمال مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لشراء المشتقات النفطية على أساس سعر الدولار 8 آلاف ليرة، على أن تدفع وزارة المال بالمقابل 8 آلاف عن كل صفيحة، ثمّة مَن يقرأ فيها شراء مزيد من الوقت، لأنّ مشوار ميقاتي يكاد ينتهي.