رنى سعرتي – نداء الوطن
قد تكون فضيحة وحدة بنك عودة بسويسرا التي كشفت عنها هيئة الرقابة على سوق المال السويسرية يوم الاثنين والمتعلّقة بانتهاك المصرف التزاماته في مكافحة تبييض الأموال، بالإضافة الى فضيحة بنك الاعتماد المصرفي الذي كشف تقرير لجنة الرقابة على المصارف عن مخالفات جسيمة فيه وعن فقدان البنك معايير السيولة والملاءة، خير دليل على المفاجآت التي قد تظهر في حال تنفيذ أحد بنود الاتفاق المبدئي الذي وقّعه لبنان مع صندوق النقد الدولي في نيسان 2022 والذي ينصّ على الشروع في تقييم أكبر 14 بنكاً، كل على حدة، بمساعدة خارجية من خلال التوقيع على نطاق التكليف مع شركة دولية مرموقة.
سبب التواطؤ
مصادر مراقبة تلقي اللوم الأول على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وتسأل عمّا إذا كان متواطئاً ضمناً مع المصارف لتمييع هذا الاستحقاق. وأضافت: واضح جدّاً أن ميقاتي استهتر بهذا البند رغم أنه قابل للتنفيذ. أمّا حجّة الكلفة وعدم تقدم شركات تدقيق دولية لإنجاز المهمة فهي حجّة واهية. فبالنسبة للكلفة التي هي بملايين قليلة من الدولارات كان بالإمكان صرفها بسهولة كما صرفت حكومة ميقاتي 1.1 مليار دولار هي حقوق السحب الخاصة التي أتتنا من صندوق النقد الدولي في 2021.
وعن سبب ذلك الاستهتار والتواطؤ، تتوقّع المصادر أن المصارف لا تريد فتح دفاترها لشركات تدقيق دولية محترفة كي لا تظهر لديها موجودات بأكثر من الذي تعلنه (فالمصارف كسرت يدها وتشحد عليها) كي لا تجبر على التزامات إضافية بردّ الودائع لأصحابها. وتشمل تلك الموجودات خصوصاً محفظة عقارية هائلة مسجّلة بقيم أدنى بكثير من القيم السوقية فضلاً عن استثمارات في أوراق وأدوات مالية وهناك موجودات سائلة وبقايا محفظة القروض بالدولار.
أصوات برلمانية
ورغم أن أصواتاً برلمانية تتظاهر أنها تطالب الحكومة بالتدقيق في وضع البنوك اللبنانية، إلّا أن رئيس الحكومة لم يبادر الى تكليف شركة دولية للقيام بذلك، كما لم يطالب لجنة الرقابة على المصارف، وهي الجهة المخوّلة القيام بالتدقيق تلقائياً، بإيفاده بتقييم مفصّل حول موجودات ومطلوبات المصارف، خصوصاً أن هذا الإجراء بديهي وأساسي قبل الشروع بعملية إعادة هيكلة المصارف ووضع خطة للتوازن المالي، وتحديداً لأن تقييم موجودات ومطلوبات المصارف يسهّل العمل على تحديد خسائر الودائع تمهيداً لوضع أطر حول كيفية تسديدها كلياً أو جزئياً.
فؤاد مخزومي
سؤال مخزومي
في أواخر 2023 تقدّم النائب فؤاد مخزومي بسؤال الى الحكومة حول تقييم حسابات المصارف والسبب في عدم تكليف الحكومة حتى تاريخه شركة دولية لمراجعة تقييمات لجنة الرقابة على المصارف، كما تقدم كلّ من النواب مارك ضو، وضّاح الصادق وميشال الدويهي، بسؤال آخر إلى الحكومة بشأن تقييم أوضاع المصارف، ولم يلقوا جواباً عنه!
فهل إن المصارف تضغط باتجاه عدم إجراء هذا التقييم؟ وهل تخضع السلطتان التنفيذية والتشريعية والنقدية لضغوطات جمعية المصارف في هذا البند أيضاً كونها لم تطالب لجنة الرقابة على المصارف بتلك التقارير المحدّثة دورياً؟
تقييم لجنة الرقابة
في هذا الإطار، أوضحت مصادر حكومية على اطّلاع ببنود الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، أن بند تقييم 14 بنكاً لم ينفّذ بسبب عدم توفر شركة تدقيق دولية من الدرجة الأولى، مستعدّة للتعامل مع لبنان بسبب المخاطر المرتفعة التي تحيط به، مشيرة الى أن لجنة الرقابة على المصارف هي المعنيّة بالتواصل والاتفاق مع الشركات الدولية، علماً ان التقييم الذي تقوم به لجنة الرقابة على المصارف بشكل دوريّ يختلف نسبياً عن المطلوب ببنود الاتفاق مع الصندوق والذي ينصّ على أن يتمّ التدقيق من قبل جهة خارجية مستقلّة.
مارك ضو
ضو: حان وقت التقييم فوراً
من جهته، أوضح النائب مارك ضو لـ»نداء الوطن» أن الوقت مناسب اليوم ومثالي وضروريّ لكي يطالب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، لجنة الرقابة على المصارف، بتقارير حول تقييم وضع المصارف، مع اقتراب موعد إصدار المصارف ميزانياتها عن الفصل الأول من العام والمعدّلة وفقاً للتعميم 167 الذي ينصّ على احتساب ميزانيات المصارف أي موجوداتها ومطلوباتها على سعر الصرف الرائج أي 89500 ليرة حالياً، والتي ستظهر حقيقة وضعية المصارف بناء على ميزانيات واقعية وليس وهمية على غرار الميزانيات السابقة المبنيّة على أسعار صرف تختلف عن السعر الحقيقي والتي كانت تحتسب قيمة الموجودات والأصول والعقارات وغيرها على الـ15 ألف ليرة.
وأشار الى أن لجنة المال عند طرح اقتراح قانون إعادة هيكلة المصارف اعترضت على عدم إنجاز التقييم المطلوب لوضع المصارف، والذي على أساسه يُبنى أي اقتراح لإعادة الهيكلة وتحدّد تأثيراته.
واعتبر ضو أن مصرف لبنان بالتعاون مع لجنة الرقابة على المصارف ومع نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي قام باقتراح خطة التعافي المالي بناء على تقييم حصل من دون الإعلان عنه أو نشره لوضع المصارف، «وليس عبثاً»، وقد حُددّت كيفية التسديد على مدّة 15 عاماً والمبالغ التي يجب تسديدها وغيرها من الأمور وفقاً لهذا التقييم.
لكنّ المصادر الحكومية نفت هذا الموضوع، معتبرة أن تقييم لجنة الرقابة متاح ولا داعي لكي تطالب به الحكومة، مؤكدة ردّاً على سؤال أن صياغة قانون إعادة الهيكلة تمّ بشقّه التقني من قبل لجنة الرقابة على المصارف وبشقّه القانوني من قبل مصرف لبنان، وكان مبنيّاً على التقييمات السابقة للجنة الرقابة لأن ميزانيات المصارف وفق سعر الصرف الحقيقي الذي حدّده التعميم 167 لم تصدر بعد، علماً أن القانون وضع الإطار العام ولم يدخل في الأرقام!
من مصلحة المصارف
أما عن إمكانية ضغط المصارف لعدم إتمام التقييم، رأى ضو أن من مصلحة المصارف التأخير في تنفيذ التقييم وبالتالي خطط الإصلاح وإعادة الهيكلة، من أجل فرض أمر واقع يتمثل بمزيد من تذويب الودائع والاستمرار بتسيير أعمالها بالشكل الحالي من دون محاسبة.
الوضع صار مكشوفاً
بدوره، اعتبر مسؤول مصرفي أن وضع المصارف المالي بات مكشوفاً ولم يعد خفيّاً على أحد أنها بحاجة لضخ رأسمال جديد، وبالتالي هي بحاجة الى تقييم شفاف حول وضعها المالي من قبل شركة تدقيق دولية مرموقة يمكن أن تقدّمه وتستخدمه لاستقطاب مستثمرين جدد. مشيراً الى أن التدقيق يجب أن يشمل كافة المصارف وليس 14 واحداً منها فقط، وأن يتمّ من قبل جهة مستقلّة خارجية بسبب فقدان لجنة الرقابة على المصارف مصداقيتها في السابق.
ورأى أن المصارف، في حال كانت تضغط لتفادي هذا التقييم، فهي لن تنجح سوى في تأخير ظهور «علّتها»، «إلّا إذا كانت تهدف الى كسب مزيد من الوقت الى حين تجميل ميزانياتها أكثر وتصميم واجهاتها.