كتبت البحرينية فاطمة المتوّج النجاح بـ”صافرة” ذهبية، بعدما باتت أول حكم في تاريخ البحرين تنال الشارة الدولية، عقب اجتيازها كل الإختبارات المطلوبة من الاتحاد الدولي لكرة السلة (فيبا)، لتنضمّ إلى القائمة الجديدة الممتدة من 2023 حتى 2025.
لكن، هل تعلمون أنّ المتوّج وصلت إلى العالمية بـ”الصدفة”؟
لم تكن ابنة الـ27 عاماً تُدرك أنّ قرارها في عام 2015 سيغيّر حياتها 180 درجة. فبعدما كانت لاعبة قبل عام 2014، أصبحت اليوم واحدة من أفضل الحكام في العالم العربي، ولا نبالغ لو قلنا على الصعيد العالمي، بدليل حصولها على الشارة الدولية عن جدارة واستحقاق.
الطريق إلى القمة
في عام 2015، قرّرت فاطمة تطوير معرفتها في مجال التحكيم، لذلك اتّخذت خطوة، لم تكن تعلم وقتها أنّها ستنقلها إلى مكان آخر، بالمشاركة في دورة تحكيم لتثقيف نفسها في قوانين اللعبة: “أصبحت حكماً بالصدفة. فأنا شاركت في إحدى الدورات في نهاية عام 2014 ومطلع 2015، بهدف الاستفادة والتعلّم أكثر عن كرة السلة، خصوصاً أنني كنت لاعبة في ذلك الوقت. اتّخذت قراراً بالتخلّي عن اللعب وبدء مرحلة جديدة في حياتي أكثر صعوبة ومسؤولية”.
أضافت المتوّج في حديث لموقع “النهار العربي”: “عندما اجتزت الدورة بدأت أتعلّم أكثر وأكثر كل ما يتعلّق بهذا المجال وأحببته، وطوّرت من نفسي كثيراً، حتى وصلت إلى الشارة الدولية. شعرت بأنّ مستقبلي في التحكيم أفضل من اللعب”.
وغالباً ما يواجه الحكّام ضغطاً جماهيرياً كبيراً، لكن فاطمة أكّدت أنّ على الحكم أن يكون جاهزاً لهذا الأمر ويدرك تماماً كيفية التعامل معه: “يجب أن يكون متوقّعاً ما يمكن أن يحدث، ولديه نظرة شاملة عن كل ما يحيط بالمباراة، وهذا ما يخفّف عنه الضغط”.
دعم عائلي كبير
وعلى الرغم من وصول المتوّج إلى مكان بعيد في كرة السلة، لتشرّف بذلك البحرين والمنطقة الخليجية والعربية، إلاّ أنّه لا يزال حتى الآن عدد الحضور النسائي متواضعاً في مجال التحكيم، ويعود ذلك “إلى عدم وجود التشجيع لهن للانخراط في هذا المجال. لا أحد يشجّع المرأة لأن تصبح حكم كرة سلة، والرجال هم الذين يمارسون هذا الدور، وبالتالي فليست هناك فرصة كبيرة لتواجد حكام من النساء، علماً أنّ التجارب تؤكّد أنّ المرأة بإمكانها أن تُبدع في كل المجالات، وليس فقط التحكيم”، تقول فاطمة.
وتلقّت اللاعبة البحرينية السابقة دعماً كبيراً من عائلتها وأصدقائها، منذ قرّرت دخول مجال التحكيم: “في البداية كان والدي ووالدتي خائفين، لأنّهما يدركان المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق الحكم والضغوط من الجماهير واللاعبين، لكن حين طوّرت قدراتي وشخصيتي وحصلت على الشارة الدولية، تغيّر رأيهما وأصبحا أول الداعمين لي، وهذا من أسباب نجاحي اليوم”.
وعن سبب ممارستها كرة السلة بدلاً من رياضة أخرى، أكّدت فاطمة أنّها تأثرت بوالدتها، التي كانت لاعبة سابقة: “كنت أحب أن أكون مثل أمي، لاعبة كرة سلة، وبالفعل حصل ذلك، بالتوازي مع مشاهدتي للمنافسات الخارجية، خصوصاً أسطورة لوس أنجلس ليكرز الراحل كوبي براينت”.
وشدّدت لاعبة الأهلي والنجمة سابقاً، أنّ قيادة المباريات، سواء للرجال أو السيدات أو حتى في الفئات العمرية، هو “أمر صعب للغاية. فكل مباراة لها ظروفها الخاصة، والحكم مطالب بأن يقود اللقاء بكل مسؤولية، ويطبّق القانون بشكل صارم”، مضيفةً: “لا توجد مباراة صعبة وأخرى سهلة بالنسبة إلى الحكم، فحدث واحد من الممكن أن يقلب الأمور. بالنسبة إليّ، الحكم عليه أن يكون مستعداً لكل السيناريوات”.
أضافت: “أتعامل مع أي احتجاجات متوقعة من اللاعبين أو الجهاز الفني حسب اللوائح وقوانين كرة السلة”.
رسالة إلى المرأة العربية
وعلى الرغم من الشهرة التي اكتسبتها كحكم كرة سلة، إلاّ أنّ المتوّج تمارس رياضات أخرى، مثل كرة القدم، السباحة، بادل، وغيرها من الرياضات، إضافة إلى الـ “يوغا”، فهي لا تترك أي وقت من دون أن تستفيد منه على الصعيد الرياضي.
وفي رسالتها إلى المرأة العربية عموماً والبحرينية خصوصاً، تقول فاطمة: “الله لا يضيّع تعب أحد، دائماً عليك السعي وراء تحقيق هدفك. نمرّ في صعوبات ونفشل ونحاول ونتعلّم، وفي النهاية سنصل إلى أحلامنا. لا شيء مستحيل”.
وتعدّ البحرين من الدول الأكثر انفتاحاً في الرياضة، فإضافة إلى المتوّج وحكّام نساء أخريات، فقد عيّن نادي النجمة البحريني فاطمة رياض في منصب مساعدة مدرب الفريق الأول لكرة السلة للرجال.
وباستثناء بعض الحالات ومنها في كرة القدم، من النادر أن تقوم امرأة في منطقة الخليج بقيادة فريق رياضي، بسبب النظرة الاجتماعية المحافظة، التي تدفع لأن تبقى النساء بعيدات من الأضواء.
لكن المنطقة شهدت في السنوات الأخيرة إصلاحات اجتماعية، سمحت للمرأة بلعب دور أكبر في سوق العمل وفي الرياضة وقطاع الفن والسينما وغيرها، وخصوصاً في السعودية والإمارات والبحرين.
ووفقاً لإحصائيات حكومية، شكّلت المرأة البحرينية ما معدّله 32 في المئة من إجمالي القوى العاملة في الفترة من 2010-2019. وفي الفترة ذاتها، شكّلت 54 في المئة من الإجمالي في الهيئات الحكومية.
وهناك أربع وزيرات في الحكومة المؤلفة من 24 وزيراً.