كتبت فانيسا مرعي في “الأخبار”:
ما إن ينام اللبنانيون على حلّ، حتى يستفيقوا في اليوم التالي على «تبخّره» أو على أزمة جديدة. هكذا هي الحال اليوم مع توالي الأزمات في القطاع الصحي، الذي يعيش رهينة فيروس كورونا وانفلات سعر الدولار في السوق.
في أقسى الأزمات اليوم، تأتي أزمة الدواء والانقطاع المستمر في أنواعٍ أساسية من الأدوية، منها ما يستهلكه المرضى بشكلٍ يومي، ومنها ما لا يستطيع الأطباء الاستغناء عنه. ومن بين تلك الأدوية التي تعدّ أساسية في «المكانين»، أدوية البنج التي يضربها التقشف حيناً والانقطاع أحياناً أخرى. وفي هذا السياق، تشكو رئيسة لجنة صيادلة المستشفيات في نقابة الصيادلة، رنا العلي، من أن «البنج مفقود كلياً في المستشفيات الصغيرة في المناطق، فيما لا تزال المستشفيات الكبيرة تملك بعض الكميات منه». وأمام هذا الواقع، تعمل صيادلة المستشفيات وفق آليةٍ جديدة عنوانها «الشراكة»، حيث إن «هناك تضامناً مهنياً بين الصيادلة، إذ تجرى عمليات تبادل للأدوية في ما بين الصيدليات للمساعدة في إجراء العمليات الطارئة»، على ما تقول العلي.
ما يجعل تلك الأزمة صعبة هو انحسار أعداد المستوردين لأدوية البنج. ففيما كانت أربع شركات تستوردها، يقتصر العدد اليوم على شركتين فقط. وما يزيد الطين بلة أن هاتين الأخيرتين تتأخران في بعض الأوقات بالاستيراد والتسليم، بسبب الفترة الطويلة التي تستغرقها موافقة مصرف لبنان على طلبات دعم الاستيراد. ولأجل ذلك، لم تعد تتوفر لدى هاتين الشركتين «سوى كميات قليلة من أدوية البنج التي توزّعها بالقطّارة على الصيدليات». وإذ لفتت العلي الى أن هناك «عصابات تقوم بعمليات التهريب وتبيع الأدوية بالدولار لجني الأرباح»، نبّهت إلى «حصول عمليات تهريب لأدوية السرطان أيضاً من خلال تقديم وصفات طبية مزوّرة»، كاشفة أن «هناك اتجاهاً لحصر بيع أدوية السرطان بعدد محدّد من الصيدليات».
متى بدأت الأزمة تتفاعل؟ يشير مصدر في أحد مستشفيات جبيل إلى أن «أزمة فقدان أدوية البنج بدأت قبل مطلع العام الجاري، ومع الوقت بدأت تصبح أكبر». ولذلك، وتجنباً للانقطاع النهائي وحدوث الأسوأ، تعمد بعض المستشفيات في الوقت الراهن إلى «إجراء 50% من العمليات، والتي تصنّف ضرورية». والسبب في ذلك أن «المستشفى يحتاج إلى 3500 إبرة بنج (700 علبة) شهرياً، بينما الكمية التي تتسلّمها من الشركتين اللتين تواصلان التسليم، انخفضت لتصل حالياً الى 1000 إبرة بنج (200 علبة) شهرياً».
من الجهة المقابلة، يوضح مصدر في إحدى الشركات المستوردة للأدوية أن شركته تواصل توزيع أدوية البنج على صيدليات المستشفيات، مشيراً الى أنها «تستورد صنفين من أدوية البنج، أحدهما مفقود منذ بداية العام بسبب انقطاعه لدى الشركة الأساسية المصنعة له، أما الصنف الآخر (ويستخدم في إجراء العمليات)، فلا تزال الشركة قادرة على تلبية حاجة المستشفيات منه، وهي تزوّدها به بشكل اعتيادي، من دون أي تقنين حتى الساعة». وكشف المصدر أن أدوية البنج التي توزّعها الشركة هي من المخزون المتوفر في مستودعاتها، لافتاً الى أن «الكمية الموجودة حالياً يمكن أن تكفي لشهرين أو ثلاثة أشهر كحد أقصى». أما بالنسبة إلى مصدر آخر في شركة أخرى لاستيراد الأدوية، فلم تعد الشركة تستورد «سوى صنف واحد من أدوية البنج، والمخزون الموجود في الوقت الراهن لا يكفي سوى لأسبوعين»، مؤكداً أن تراجع مخزون أدوية البنج لدى الشركة والشحّ الحاصل هو «بسبب التأخر في وصول الشحنات المطلوبة من الخارج نظراً الى الحاجة الى أذونات مسبقة من مصرف لبنان ووزارة الصحة». ومن جهة أخرى، لفت إلى أن «الكميات التي سبق أن كانت الشركة توزعها على صيدليات المستشفيات التي تتعامل معها لم تتبدّل، والتوزيع يتم بطريقة عادلة ومتوازنة، إلا أنّ عدد المستشفيات التي تطلب أدوية البنج من الشركة ارتفع، نتيجة عدم توفر هذه الأدوية لدى بعض الشركات المستوردة الأخرى».
إلى ذلك، يصادق رئيس لجنة الصحة النيابية، الدكتور عاصم عراجي، على ما يقوله المصدر السابق لناحية الوقت المتبقي لانقطاع أدوية البنج، فيؤكد أن «الكمية المتوفرة حالياً لا تكفي سوى أسبوعين». مع ذلك، يرجّح عراجي إيجاد حلّ قبل نفادها كلياً.
من جهته، شدد أمين سر نقابة مستوردي الأدوية، جوزيف غريّب، في حديثه إلى «الأخبار» على أن هناك «إجراءين أساسيين يجب القيام بهما: أولاً، الإسراع في إعطاء الأذونات المسبقة من مصرف لبنان ووزارة الصحة للتمكّن من شحن الأدوية من بلد المنشأ، وثانياً، أن يدفع المصرف المركزي المبالغ المستحقة للشركات، لأن البضاعة التي وزّعتها على الأسواق خلال الأشهر الستة الماضية لم تُسدد فواتيرها بعد للشركات المصنّعة». أما ثالث الأسباب، وهو الطارئ، فيتعلق بالنقص الحاد عالمياً في أدوية البنج «بسبب استخدامها خلال أزمة كورونا في علاج المصابين».