كتب منير الربيع في “المدن”:
تتحرك جهات ثلاث معاً وفي وقت واحد على خط الأزمة اللبنانية.
عقوبات وحدود وحكومة
الجهة الأولى فرنسا، التي لوّح وزير خارجيتها جان إيف لودريان ببدء تنفيذ إجراءات عقابية ضد مسؤولين لبنانيين متهمين بتعطيل تشكيل حكومة ومتورطين بملفات فساد.
والموقف الفرنسي هذا، حرّك المياه اللبنانية الراكدة، وأثار ردود فعل محلية. وفي الأسبوع المقبل يزور لودريان بيروت، لإبلاغ رسائل واضحة إلى الأفرقاء اللبنانيين، مفادها أن باريس ستبدأ إجراءاتها ضد شخصيات لبنانية، قد يصل عددها إلى حدود الأربعين، يمتنع عليهم الحصول على تأشيرات فرنسية.
الجهة الثانية هي الولايات المتحدة الأميركية، التي أعادت تشغيل محركاتها في سبيل العودة إلى مفاوضات ترسيم الحدود. وفي الساعات المقبلة يفترض أن يزور رئيس الوفد الأميركي المشارك في المفاوضات جون ديروشيه لبنان. فيلتقي رئيس الجمهورية وأعضاء الوفد المفاوض، لتحديد موعد بدء التفاوض والبحث في منطلقاته، وإرساء تفاهم معين حول ما يطرح على طاولة المفاوضات.
الجهة الثالثة هي الفاتيكان، التي تتحرك بالتنسيق مع البطريركية المارونية للبحث عن مخرج لتشكيل الحكومة.
ثلاثة تحركات وتوجهات متزامنة، يحتاج لبنان إلى تحقيق خروقات إيجابية فيها. ولا يمكن إغفال أي حركة من هذه التحركات. فكل منها يحاول تحقيق خرق إيجابي في جدار الأزمة، على إيقاع انفتاح بل استنجاد القوى اللبنانية المتصارعة بالقوى الإقليمية والدولية.
الموقف الفرنسي أصبح واضح المعالم: الإجراءات على أهبة التنفيذ، أما تجميدها فمرتبط بما تقدمه قوى وشخصيات محددة من تسهيلات وتنازلات. واشنطن غايتها واضحة من ملف ترسيم الحدود، وضرورة إنجازه.
الفاتيكان وبكركي
أما الفاتيكان فقد بادر إلى حركة متوازنة بعد زيارة الرئيس سعد الحريري ولقائه البابا فرنسيس.
وتؤكد المعلومات انزعاج الفاتيكان من موقف أطلقه الحريري من على منبره وصف فيه رئيس الجمهورية بأنه سائح في بعبدا. وذلك رداً على مواقف عون المنتقدة أسفار الحريري. وانزعاج الفاتيكان سببه إطلاق الحريري هذا التصريح من على بابه، فيما لا يخفى الاهتمام الفاتيكاني بالموقع المسيحي الأول، وموقع رئاسة الجمهورية، بصرف النظر عن شخص الرئيس.
وحصل تنسيق بين الفاتيكان والبطريرك الماروني بشارة الراعي، وجاءت الرسالة من البابا إلى رئيس الجمهورية، وزيارة الراعي إلى بعبدا، في محاولة لاستعادة التوازن، وإطلاق حركة جديدة يمكن الرهان عليها لبناء موقف جدّي يؤدي إلى تشكيل الحكومة.
ويحرص الفاتيكان على التوازن بين بعبدا وبيت الوسط لتشكيل الحكومة، ووقف الصراع بين الطرفين. وبذلك يكون الحرص على المسيحيين والسنّة.
الراعي والفرصة الأخيرة
وبناء عليه يعمل البطريرك الماروني على تجديد حركته واتصالاته بين عون والحريري، في محاولة للوصول إلى إتفاق معين أو تحقيق خرق، من خلال تثبيت معادلة 24 وزيراً، بلا ثلث معطّل، ونيل عون وزارة الداخلية، شرط أن يسمّي لها شخصية متوازنة ومقبولة من الجميع.
وتبقى مشكلة من يسمي الوزراء المسيحيين خارج حصة رئيس الجمهورية. عملياً العقد لا تزال على حالها. وما يفعله الراعي لا يتضمن فكرة جديدة. لكنها محاولة لكسر الجمود، وإعادة التواصل بين الحريري وبعبدا. إما من خلال اتصال، وإما من خلال زيارة، في حال توفرت الظروف.. على أن يحمل الحريري تشكيلة حكومة من 24 إلى رئيس الجمهورية. ويستبعد بعض المصادر احتمال تحقيق خرق يبنى عليه ويؤدي إلى تشكيل الحكومة.
وهناك من يرى في مساعي البطريرك فرصة أخيرة. أما في حال فشلها، فقد يقتنع الجميع بـ”استحالة أن يشكل الحريري الحكومة”. ويكون عون أعلن إعلاناً صريحاً بأنه لا يريد الحريري رئيساً للحكومة.
عقد واستحالات
ويُطرح سؤال أساسي هنا: ماهي خطوة الحريري بعد ذلك، وهل يمكن أن يقدم على الاعتذار؟
لا شك في أن الحريري سيكون في موقع حرج حيال التطورات والضغوط الخارجية والداخلية عليه، وهي تفرض تقديم تنازلات. أما عون فيستمر بتجميع أوراق الحكم بين يديه. لكن لا يمكن للحريري أن يعتذر. فاعتذاره يكرس سابقة: فرض رئيس الجمهورية شروطه في عملية تشكيل الحكومة، وامتلاكه قدرة على رفض الرئيس المكلف. ولا يمكن لرئيس الحكومة المكلف أن يقدّم تنازلاً لعون، لأن ذلك ينعكس عليه سلباً، داخلياً وشعبياً وخارجياً.
الأمور تتعقد أكثر فأكثر.