كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
منذ أكثر من أسبوع، كشف رئيس حزب «التوحيد العربي» الوزير السابق وئام وهاب، أنّ «رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي طلب موعداً من رئيس الجمهورية ميشال عون والأخير رفض»، مشيراً إلى أنّ «وزير السياحة وليد نصار حمل إلى ميقاتي رسالة من عون مفادها «إذا ما عندك شي جديد ما تجي لعندي»… فخضعت «السكوب» التي ألقاها وهاب على الهواء مباشرة، وهو المولع بهذا النوع من الخبريات، للأخذ والردّ، والتحليل والتنقيح، قبل أن تثبت مجريات الأحداث صحّتها.
صبيحة يوم 29 حزيران الماضي، أي قبل أكثر من عشرين يوماً، وصل رئيس الحكومة المكلف إلى قصر بعبدا، وذلك عقب الاستشارات النيايبة غير الملزمة التي أجراها مع الكتل النيابية. يومها قدّم ميقاتي، وفي خطوة قياسية في السرعة، أولى مسوداته الحكومية، وقد كُتبت أسماؤها بخطّ يده، سرعان ما سلكت طريقها إلى الإعلام لتشعل نار السجالات بين الفريق العوني والفريق الميقاتي.
وبعد عودة الهدوء الى جبهة بعبدا – السراي، سُجل لقاء ثانٍ بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، قدّم خلاله الأول رزمة أفكار واقتراحات وملاحظات حيال المسودة الأولى، تهدف بشكل أساسي إلى تطعيم الحكومة بوجوه سياسية، وإدراج وزارة الداخلية على لائحة الوزارات الخاضعة للمداورة، لتكون هذه المرّة من حصّة «التيار الوطني الحرّ».
لم تكد تمرّ ساعات حتى سارع مكتب ميقاتي للردّ من خلال التصويب المباشر على «التيار» والإشارة إلى أنّ «احتفاظ «التيار الوطني» بحقيبة وزارة الطاقة 17 عاماً من دون توفير الحل هو مضبطة الاتهام الفعلية، وإبعاد «التيار» عن الوزارة هو المدخل الى الحل لأزمة القطاع والإصلاح الحقيقي في هذا الملف»… فكانت «خبرية» وهاب بمثابة النقطة التي فاضت بالكأس خصوصاً أنّ ميقاتي رأى فيها تجاوزاً للأصول بعدما تجاهل القصر طلب ميقاتي موعداً للتشاور مع الرئيس.
عاد ميقاتي إلى السراي مصرّفاً للأعمال، ليهمل ملف التأليف وكأنّه غير قائم أصلاً. هكذا، تكرّس الجمود على خطّ التأليف، فيما تشي المعطيات بأنّ هذه الحال قد تطول طالما أنّ المعنيين، وتحديداً الفريقين العوني والميقاتي، غير مستعدين للتقدّم خطوة للأمام، وسط اتهامات متبادلة بينهما بالتعطيل وبالمماطلة، وكأنّ حكومة تصريف الأعمال هي الأنسب.
فالفريق العوني يأخذ على الرئيس المكلّف عدم حماسته لتسريع إصدار مراسيم التأليف بعدما وضع التكليف في جيبه خصوصاً أنّ العهد يشارف على نهايته وهو بالتالي ليس مضطراً لمجاراته في مطالبه وبالتالي إنّ الإبقاء على الحكومة الحالية، على علّات مواصفاتها الدستورية، تبقى أهون الشرور. فيما ميقاتي يأخذ على الفريق العوني أنّه غير متحمّس أصلاً للتأليف لأنّ حصّته في الحكومة الجديدة ستتقلّص، وبالتالي من الأفضل أن يبقي على «ودائعه»، وتحديداً في وزارة الطاقة. ولهذا، يتقاطع الفريقان، رغم خلافهما، على خيار الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال، أقله حتى الأيام الأخيرة لنهاية عهد الرئيس عون. عندها، وحدها معطيات الاستحقاق الرئاسي، هي التي قد تفرض مسارات جديدة.
ولكن في هذه الأثناء، هل سيصار إلى تعويم أو تفعيل حكومة تصريف الأعمال؟
حتى الآن، يكتفي ميقاتي بالحدود المتعارف عليها لتصريف الأعمال ولا يبدي أي إشارة من شأنها أن توحي أنّه بصدد توسيع الإطار، مع العلم أنّه لا يمانع أبداً، إذا اقتضت الظروف أن يتوسّع بمفهوم تصريف الأعمال من خلال الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء وهو سبق وفعلها في العام 2011، خصوصاً أنّه لا يعاني هذه المرة من «عقدة» المزايدات التي قد يمارسها أبناء طائفته. ولكن حتى اللحظة، لا يرى موجباً للإقدام على هذه الخطوة، ويكتفي بالاجتماعات الوزارية التي يعقدها في السراي بخصوص الملفات الحيوية واليومية.
وفي هذا السياق، لا يتردد ميقاتي في توجيه الرسائل لمن يهمّه الأمر، بأنه مستعد لعقد جلسة لمجلس الوزراء لإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ولكن شرط الاتفاق المسبق على البديل. وهو بذلك يقصد الردّ على الاتهامات التي تطاله بتأمين الحماية والغطاء لحاكم مصرف لبنان، من خلال وضع معبر التفاهم الإلزامي، قبل عقد الجلسة، وهو المتيقّن أنّ هذا الشرط غير متوفر.
وبذلك، يُفهم أنّ ميقاتي قرر الانصراف إلى تصريف الأعمال خصوصاً بعد الإشكال البروتوكولي الذي تعرّض له، برفض تحديد موعد له في القصر… ما يعني أنّ الرئيس المكلف لن يزور بعبدا، إلّا اذا حصل «تصحيح» بروتوكولي يعيد المياه إلى مجاريها، خصوصاً أنّ ما يصل مسامعه من أجواء سلبية من المحيطين بقصر بعبدا، يزيد من الزيت المرمي على النار، الأمر الذي دفعه إلى الاستعانة بأغنية «ع العصفورية»!