منير الربيع – المدن
بفوقية يعود رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى القمة العربية. تقابلها بلا شك دونية لبنانية قديمة متجددة، تتزايد أسبابها في هذه المرحلة. ومن أبرزها، حالة الانهيار التي يعيشها لبنان على مختلف المستويات، وانعدام القدرة على إنتاج تسوية قابلة لأن تنتج حلاً سياسياً للأزمة. بالإضافة إلى الخلافات المستفحلة بين الأفرقاء اللبنانيين حيال التوجهات السياسية أو المالية أو الاقتصادية.
التطويق والتطبيع
عاد الأسد متحرراً من أي شروط، ومن مبدأ “الخطوة مقابل خطوة”، فيما الوقت يتكفل باستثناء ما تبقى من شروط موضوعية كانت أم شكلية. وهذا من شأنه أن يلقي بأعباء كثيرة على اللبنانيين، لا سيما أن غالبيتهم يترقبون ويتخوفون من آثار هذه العودة وانعكاساتها على الواقع الداخلي في الاستحقاق الرئاسي أم في غيره. هو ملف جدّيد يُطوق لبنان إلى جانب الانهيار المالي والاقتصادي، والتطويق السياسي، والتطويق القضائي الدولي لحاكم مصرف لبنان.
هذا التطويق سيكون متفرعاً إلى ملفات متعددة ترتبط بالعلاقة مع دمشق. أولاً، نتيجة الانقسام المحلي حول مقاربة هذه العلاقة، بين من يتحمس لإعادتها، وبين من يرفض. لكن المحصلة أن الموانع العربية قد سقطت عن ذلك. وبما أن لبنان يلتزم مقررات الجامعة العربية، فسيذهب بدافع من الوقائع إلى التطبيع الموضوعي مع دمشق، والبحث في الكثير من الأمور العالقة. على وقع عودة الأسد، يبقى اللبنانيون في حالات انتظارهم لما ستحمله تطورات الخارج، خصوصاً وسط التركيز على ما سيصدر عن القمة العربية من مقررات، ستطال ملف رئاسة الجمهورية، وستشير إلى ضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي في أسرع وقت ممكن. ما ينتظرونه أيضاً هو تطور مسار العلاقات العربية مع دمشق وكيف سينعكس على لبنان.
منطق الوصاية
كل ذلك يأتي وسط تضارب في التقديرات الداخلية بين الاهتمام الخارجي بلبنان واللامبالاة، على قاعدة أن لا أحد يريد الانشغال بالملف اللبناني، فيما لبنان لا يبدو أنه يستنفر أطرافاً إقليمية ودولية للبحث عن حلول، أو خوض معارك بأي اتجاه من الاتجاهات. تلقي القوى الخارجية المسؤولية على اللبنانيين، وتدعوهم إلى الاتفاق فيما بينهم على إنجاز الاستحقاق الرئاسي وغيره، فيما تعلم هذه القوى عدم نضوج اللبنانيين للاتفاق. وهذا يترك البلاد أمام احتمال من اثنين. الأول أن يبقى الفراغ قائماً، والثاني هو اندفاع الخارج إلى فرض الحل أو التسوية على اللبنانيين، أي العودة للتعاطي مع لبنان وفق منطق الوصاية التي تلزم.
الأخطر وسط ذلك، هو قدرة سوريا على فرض نفسها ملفاً أساسياً، سواء قبل القمة العربية أو بعدها، فيما فتحت قنوات التفاوض مع دمشق على ملفات متعددة، منها ضبط الحدود ومكافحة التهريب، ومنها إعادة تموضع القوى الأجنبية والميليشيات على أراضيها. وهذا ما سيركز الاهتمام العربي والخارجي على الجانب السوري، فيما لبنان سيكون محيداً، وسط مساع كثيرة من داخله وخارجه تدفعه باتجاه تطبيع العلاقة مع دمشق من دون أي عقبات أو عوائق عربية مثلاً، كما كان الحال في السابق. ما سيفرض على لبنان وضع خطّة وسياسة حكومية واضحة لجهة التعامل مع النظام السوري، سواء في ملف ضبط الحدود ومكافحة التهريب المتبادل، بالإضافة إلى وقف تهريب المخدرات، وصولاً إلى البحث في ملف إعادة اللاجئين وكيفية توفير ذلك. كما أن السياسة لا بد لها أن تطال جوانب أخرى أيضاً، أبرزها على المسار الأبعد ما يتعلق بترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين، وسط تشكيك في إمكانية أن تكون هناك قدرة لبنانية من قبل السلطة الحالية على وضع مثل هذه السياسة.