كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يشهد قصر بعبدا لقاءً جديداً بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف نجيب ميقاتي من دون وجود بوادر إيجابية توحي بولادة الحكومة قريباً.
يبدو أن ميقاتي سيعيش السيناريو نفسه الذي عاشه الرئيس سعد الحريري، فالقوى السياسية المتحكّمة بالتأليف ما زالت ممسكة بهذا الملف وإن تغيّرت الوجوه، كذلك فإن الذهنية الحاكمة لا تزال تدور في فلك المحاصصة والمذهبية والطائفية وتسجيل الأهداف على حساب وجع الشعب وآلام الوطن بأكمله.
وعلى رغم ضخامة الحدث ومآسيه، لم تشكّل ذكرى 4 آب مناسبة تدفع الفريق القابض على السلطة سواء بجناحه السنّي أو الشيعي أو المسيحي إلى تقديم تنازلات، فكل فريق يتمسّك بمواقفه ولا يريد تسهيل الولادة الحكومية.
مرّت سنة على أكبر إنفجار والبلاد باقية بلا حكومة، فالرئيس الحريري بالتعاون مع “الثنائي الشيعي” أطاح المبادرة الفرنسية نتيجة رفضه أن يتولّى رئاسة الحكومة سنّي غيره، وذهب بعيداً في لعبته مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى حدّ محاولة ضرب التحقيق في إنفجار المرفأ. من جهته، فإن “الثنائي الشيعي” مصرّ على المضيّ بمشروعه الخاص الذي يؤمّن سيطرة الدويلة على الدولة، ويتمتّع بغطاء من عون وبمسايرة من الحريري.
أما رئيس الجمهورية فدخل في صراع شخصي مع الحريري ما عرقل فرص تأليف الحكومة، وكل همّه ينصبّ على تأمين مستقبل صهره رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل، في وقت يصمّ آذانه عن سماع صوت الشعب الذي يصرخ من وجعه.
وأمام كل هذه المعطيات، لا يبدو أن لقاء اليوم بين عون وميقاتي سيحمل أي تطوّر جديد، إذ تشير مصادر متابعة لملف التأليف إلى أن كل فريق متمسّك بمواقفه، فالرئيس ميقاتي لا يمكنه التفاوض دون السقف الذي حدّده الحريري ورؤساء الحكومات السابقون، ولا يمكنه التخلّي عن مكاسب يعتبرها من حقّ الطائفة السنية أو يظهر بمظهر الخاسر أمام عون وباسيل، أما رئيس الجمهورية فيدعو إلى اعتماد معايير واحدة في التأليف، ولا يريد أن يتخلّى عمّا يعتبره حقّاً له في ما خص تسمية الوزراء المسيحيين، ويعتبر أنه يستطيع المطالبة بالحقيبة التي يراها مناسبة سواء كانت “الداخلية” أو “العدل” أو أي حقيبة أخرى.
من هنا، سيكون لقاء اليوم في بعبدا مثل “بدل عن ضائع”، مع غياب أي مؤشرات جدية وتلويح الرئيس ميقاتي بأن المهلة غير مفتوحة للتأليف وإذا لم يستطع التأليف بسرعة فسيعتذر، في حين أن كل الإتصالات السياسية التي جرت في الأربع والعشرين ساعة الأخيرة لم توصل إلى تضييق هامش الإختلاف بين عون وميقاتي.
وفي السياق، فإن كل الضغوط المالية والإقتصادية التي يعيشها الشعب ومؤسسات الدولة، والأوضاع الأمنية المتردّية والتي ظهرت في خلدة وتمتد إلى كل الأراضي اللبنانية، لن تكون دافعاً للقوى المشاركة في التأليف لتقديم التنازلات المطلوبة وتأليف حكومة تباشر بالإصلاحات، في حين أن المجتمع الدولي مصرّ على منح لبنان الأوكسجين فقط من أجل الإستمرار.
وأمام كل هذه العوامل فإن عجلة التأليف ستتباطأ على وقع إشتداد الأزمة الإقتصادية وإرتفاع منسوب المخاطر الأمنية التي تضرب البلاد، والتي لا يوجد سبيل لإيقافها من دون تأليف حكومة إختصاصيين مستقلّة تُرضي الشعب والمجتمع الدولي.