زياد عيتاني – اساس ميديا
على طريقة الكتابة بأسلوب “الهرم المقلوب”، تعاملت المملكة العربية السعودية مع ملفّ السلام في الشرق الأوسط، وتحديداً القضية الفلسطينية. ذهبت قيادة المملكة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ووليّ العهد الأمير محمد بن سلمان إلى اعتماد الانطلاق من حيث يسعى الجميع إلى الانتهاء إليه. الانطلاق من الذروة لتكون التفاصيل خطّ النهاية أمرٌ خلاّق في التدبير السياسي الدبلوماسي افتقده العرب والفلسطينيون منذ اللحظة الأولى للصراع عام 1947. كانت لاءات العرب قديماً لاءات تَمنّع لا مبادرة، فقالوا “لا صُلح.. لا تفاوض.. لا اعتراف”. فخسروا فلسطين ومعها أجزاء من دول الطوق كما أُطلق عليها. لبنان في جنوبه، وسوريا في جولانها، والأردن على ضفّة نهره، ومصر في سينائها.
لاءات المملكة لاءات السلام
ثلاث لاءات حدّدتها المملكة العربية السعودية عبر البيان الصادر عن وزارة خارجيّتها نهار الثلاثاء الفائت، لتحقيق السلام في الشرق الأوسط والولوج إلى التطبيع بين العرب وإسرائيل، وقبل كلّ ذلك إعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني:
1- لا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتمّ الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلّة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
2- لا مفاوضات سلام مع إسرائيل قبل إيقاف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وانسحاب كلّ أفراد قوات الاحتلال الإسرائيلي من القطاع.
3- لا تحقيق للسلام العالمي، قبل اعتراف المجتمع الدولي وعلى وجه الخصوص الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
لاءات المملكة العربية السعودية هي لاءات السلام والاستقرار وليست لاءات الحرب والدمار
لاءات المملكة العربية السعودية هي لاءات السلام والاستقرار وليست لاءات الحرب والدمار. لاءات لا تُكتب كشعارات على الجدران بل كوثائق دوليّة تُرسّخ الحقوق والعدالة والسلام. هي ليست بالجديدة ولا الطارئة، ولطالما كانت من ثوابت السياسة السعودية العربية والإسلامية منذ لحظة التأسيس في عهد الملك عبد العزيز.
الهرم المقلوب
على قاعدة الهرم المقلوب كانت المملكة العربية السعودية واضحة منذ اللحظة الأولى أنّها تريد التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. لم تخفِ ذلك. كلّ ما كان يُبحث تداوَله الإعلام وأكّده المسؤولون وعلى رأسهم الأمير محمد بن سلمان وليّ العهد في لقائه مع قناة “فوكس نيوز” الأميركية في شهر أيلول من العام الفائت، إذ أشار إلى أنّ المملكة العربية السعودية تقترب من التطبيع.
الوضوح السعودي تجاه ملفّ التطبيع مع إسرائيل لم يكن الوجبة الوحيدة على طاولة المفاوضات، كما أنّه لم يكن الطبق الرئيسي، بقدر ما كان طبقاً أساسيّاً لا يمكن ولا يُسمح بتناوله إلا ضمن قبول وتناول باقي الأطباق الموجودة وعلى رأسها الملفّ الفلسطيني.
نظرت قيادة المملكة إلى التطبيع من زاوية إحلال السلام والاستقرار في العالم، وتحديداً في الشرق الأوسط. والمملكة منذ إطلاقها للمبادرة العربية للسلام في قمّة بيروت 2002 كانت واضحة في أنّ السلام في المنطقة مقرون بالعدالة للقضية الفلسطينية، أي الأرض مقابل السلام. على ذلك وافق كلّ الزعماء العرب، الممانع منهم وغير الممانع.
التطبيع الذي تريده السعودية عبارة عن صفقة متكاملة تحقّق السلام للجميع وتطمئن وتبدّد هواجس الجميع. هذا التفصيل إن تجاهلنا تصريحات المسؤولين السعوديّين في شأنه فإنّ ما جاء على لسان الوسيط الأميركي يوضح كلّ شيء، فوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في حوار مع شبكة “CNBC” على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس قال: “لقد أخبرت نتانياهو أنّه كي يتمّ تطبيع علاقات السعودية مع إسرائيل عليهم حلّ القضية الفلسطينية”.
الوضوح السعودي تجاه ملفّ التطبيع مع إسرائيل لم يكن الوجبة الوحيدة على طاولة المفاوضات، كما أنّه لم يكن الطبق الرئيسي، بقدر ما كان طبقاً أساسيّاً
هذا ما يريده الفلسطينيّون
يروى أنّ الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد كانت لديه حساسيّة من مصطلح التطبيع، وعندما انطلقت المفاوضات عبر الأميركيين بينه وبين إسرائيل استغرق أسبوعين من الزمن كي يصل إلى مصطلح غير مصطلح التطبيع يُحقّق المبتغى، وبعبارة أخرى إلى أن توصّل إلى مصطلح “مستلزمات السلام”. ولأنّ الشيء بالشيء يُذكر فإنّ مستلزمات السلام لمن يهوى العبارة أو التطبيع الذي تنادي به المملكة العربية السعودية مقرون بأمرين هما إعادة إعمار غزة وبدء خارطة طريق لإقامة دولة فلسطينية ضمن سباق حلّ الدولتين. هو تماماً ما أعلن الفلسطينيون بكلّ أطرافهم وأهوائهم قبوله كحلّ للأزمة والقضيّة. من فتح وخلفها السلطة الفلسطينية منذ عام 1993 بعد توقيع اتفاقية أوسلو وصولاً إلى حركة حماس عام 2017 في مؤتمر صحافي لقيادتها في العاصمة القطرية الدوحة.
عندما توافق على حلّ الدولتين أنت توافق على سلام بين الدولتين وتوافق على التطبيع، فلا أحد يسعى إلى إقامة دولتين متناحرتين بل إلى دولتين تعملان على ترسيخ السلام العالمي. هذا جوهر حلّ الدولتين في السياسة والقانون والمنطق.
السعودية بشجاعة وإقدام قدّمت رؤيتها للحلّ في فلسطين عبر ثلاثة عناوين:
1- وقف إطلاق النار.
2- إطلاق الأسرى والمعتقلين.
3- إعادة إعمار غزّة مترافقاً بإعلان السير في طريق إقرار حلّ الدولتين. واحدة هي اسرائيل والثانية هي فلسطين.
هذا ما تراه المملكة بوّابة للسلام، ومن يمتلك غير الشعبوية وشعارات لا تنفع إلا للكتابة على الجدران فليتقدّم بها وليعارض حلّ الدولتين والتطبيع، وليقف إلى جانب نتانياهو وعبد اللهيان الذي قال إنّ ما يجمع إيران وإسرائيل هو معارضة حلّ الدولتين، وليبقَ القتل والدم إلى يوم الدين أو فلنشترك جميعاً في معركة السلام، معركة هزيمة نتانياهو بالعمل على إقامة دولة فلسطين. ألم تسمعوه حينما صرّح قائلاً: “ما دمت رئيساً للوزراء لن أقبل بقيام دولة فلسطين”.
على خلفية كل ذلك، إنّ التطبيع الذي تتحدث عنه المملكة العربية السعودية يحظى بقبول أكثرية العرب والمسلمين، لأنه يقوم على معادلة واضحة أننا نقبل ما يقبل به الشعب الفلسطيني ونرفض ما يرفضونه. بعد عدوان غزّة ومنعاً للتخوين واختبارات فحص الدم لا نجد حرجاً بالقول أننا نقبل ما يقبل به الشعب الفلسطيني، كل الشعب الفلسطيني ومنظماته وحركاته فتح وحماس والجبهة بنوعيها علمانيين وإسلاميين، مقدسيين وغزاويين. حلم كل هؤلاء أن تقوم دولة فلسطين، وهذه هي خارطة الطريق التي تعمل عليها السعودية لتحقيق هذا الحلم الكبير.