شعار ناشطون

فن صناعة السفن داخل زجاجات أبدع به الطرابلسيون وأهملوأ الإحتفاظ بمقتنياته في المتاحف وتوريثه للأبناء

19/09/23 09:39 am

<span dir="ltr">19/09/23 09:39 am</span>

بقلم ليلى دندشي

 

 

 

فن السفن الزجاجية أو السفن داخل الزجاجات حظي بإعجاب عالمي بالغ أقيمت له المعارض في مختلف أرجاء العالم وكتبت عنه العديد من المطبوعات والمجلات الدورية وحظي هذا الفن بإهتمام واسع لدى الأسر وخاصة تلك التي إشتهرت بإقتناء كل ما هو اثري وفني لتزويد قصورهم بهذه التحف المهنية الراقية، وإتسع نطاق هذه المهنة في العديد من البلدان العربية وخاصة في تلك المدن القائمة على البحر التي راجت فيها صناعة هذه التحف التي لم تُصنع لغرض واضح محدد بخلاف المتعة أو التسلية والتحدي، وكلها لها جذورها الواضحة في تقاليد الفن الشعبي الذي يرجع بواكيره إلى القرن الثامن عشر منذ أن بدأ البحارة في إعداد هذه السفن الزجاجية أو (السفن داخل زجاجات)، ومنذ ذلك الحين والعالم لا ينتهي من إبداء إعجابه بهذه السفن الصغيرة جدا والمصنوعة ببراعة يدوية وبعشق، بأيدي البحارة الخشنة أثناء ساعات راحتهم.

 

 

 

وعلى إمتداد سنوات وسنوات ظهرت هذه السفن في أماكن عديدة حيث تخلى البحارة عنها وقدموها هدايا لمحبيهم وأصدقائهم واقاربهم، وفي الغالب لدفع قيمة الديون التي كانت تتراكم عليهم في الموانىء بسبب رغبتهم بالترفيه عن انفسهم خارج السفن.

 

 

 

ويمكن القول أن تاريخ هذه الصناعة قد واكب نمو صناعة الزجاجات الشفافة، لذلك عادة ما يتحدد هذا التاريخ بتاريخ الزجاجة نفسها عن طريق الإستدلال بشكلها وإسلوب صناعتها وعلامات الصانع الظاهرة عليها، حيث من المحتمل أن تظل الزجاجة قابعة في ركن منسيّ لعدد غير معلوم من السنوات في هذا القصر أو المنزل أو المكتب قبل أن يقرر شخص ما أن يُخل فيها سفينة، وبمجرّد تقدم تقنيات الصناعة إلى درجة أمكن معها إمكان إنتاج الزجاج بقدر كافٍ وبشفافية ونقاء بحيث يسمح للبحارة والآخرين بالبدء في وضعهم للسفن داخل الزجاجات، ووضع تصاميم داخلها فبدأ هذا الفن الشعبي في الإنتشار على نطاق كبير.

 

 

 

وراج هذا الفن، بل هذا الفن الصناعي بشكل خاص في المدن الساحلية كميناء طرابلس التي إشتهرت بمرفئها  منذ القرون الوسطى، وأخذ دوره التجاري الهام على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وقد تزامن ذلك بإزدهار صناعة الزجاج في محيط مرفئها وفي جواره حيث إستمر ذلك إلى فترة قريبة جدا سواء في بلدة البداوي وفي البساتين المجاورة للمرفأ، مما سمح في الترويج لهذا “الفن” أي صناعة إدخال السفن اليدوية داخل القناني الزجاجية، فراجت هذه المهنة إلى جانب الإبداع في حرفٍ فنية مماثلة سرعان ما إكتسبت الشهرة وتمّ إقتناؤها في العديد من منازل المدينة،  وإنتشر بيعها في الأسواق التجارية وتمّ تبادلها كهدايا جميلة يمكن عرضها للزائرين ضمن خزائن خاصة أو على طاولات في قاعات الإستقبال.

 

 

 

ولطالما أشاد الطرابلسيون المعمرون بهذه المقتنيات وعمد البعض من الجمعيات المحلية إلى تنظيم المعارض في الفترة الاخيرة والتي إحتوت على مقتنيات من الصناعات اليدوية التي إشتهرت بها المنازل والقصور الطرابلسية حتى أن البعض منها لا يزال يحتفظ بالعديد منها، ويُبدي إستعداده للمشاركة في المعارض المحلية في حال طُلِب منه المساهمة بإبراز مقتنياته بهدف إعطاء صورة عن الصناعات اليدوية التي كانت سائدة عبر عصور ولأزمان طويلة، وإشتهرت بها طرابلس بشكل خاص نظرا لخبرة العاملين والمشتغلين بهذه الحرف التي إشتهرت بها الفيحاء لسنوات طويلة.

 

 

 

وفي أرشيف المجلس الثقافي للبنان الشمالي أنه بادر إلى تنظيم معرض كبير ولقي إهتماما واسعا نظرا لتعدد المقتنيات التاريخية واليدوية حيث إستمر المعرض الذي أقيم في “قصر نوفل” التابع لبلدية طرابلس، لعدة أيام، وبعض المعروضات آنذاك وهي يدوية الصنع تعود إلى العام 1800 م الأمر الذي يشير بوضوح إلى التقدم الذي أحرزته طرابلس في المجالات الصناعية وخاصة الفنية منها والتي ما تزال البيوت القديمة والقصور في طرابلس تقتني العديد منها.

 

 

 

والسؤال الذي كان ولم يزل يتبادر إلى اذهان العديد من المشاهدين: كيف يتم إدخال السفينة في زجاجة؟؟ والجواب طبعا يتطلب شرحا طويلا للعمل الممل جدا وللجهد الشديد المطلوب، فليس هناك طرق مختصرة، بل يتطلب العمل الكد والإجتهاد وصناعة كل قطعة في النموذج بمفردها وفقا للمقياس الصحيح كما يشير إليه بعض المسنين في المدينة.

 

 

 

ومن قرون مضت كما تشير إليه الدراسات المختصة، كان رجال كل طائفة حرفية يبتدعون أدواتهم الخاصة التي تتوافق مع إحتياجاتهم، ولكنّ هذا الفن بدأ بالإضمحلال ويتلاشى، بإستثناء الأماكن التي تفتقر إلى الأدوات التي يستخدمها الفنان أو الصانع، وهنا يجب عليه أن يعود إلى الوراء ويلجأ إلى الطرق العريقة للصهر والسبك والمطرقة والسندان ويصنع أدواته لنفسه.

 

 

 

ويتساءل البعض هل هناك ما هو اصعب من هذه الزجاجات؟؟ والإجابة نعمن فهناك نوع لا يقل صعوبة عن هذه الزجاجات بل يكاد يكون أصعب، ليس لطبيعة النموذج المبني هذه المرة، ولكن لأن النموذج مبني داخل لمبات الإضاءة التي يتمتع زجاجها بصفائه وشفافيته، وإن كان أيضا مكمن صعوبة لأنه رقيق هش وقابل للكسر والتلف سريعا، فالمقارنة بزجاجات السوائل، هذا بالإضافة إلى القاعدة النحاسية التي تمثل طرف اللمبة وهي صعبة الفك أو الحل جدا ولذلك توضع اللمبة في حمام كيميائي ساخن لمدة لا تقل عن 5 ساعات قبل بدء العمل وإدخال النموذج المعروض بها، ثم إعادة تركيب القاعدة النحاسية مرة ثانية.

 

تابعنا عبر