كتبت تالا غمراوي في “أساس ميديا”:
بين صمت وزير الصحة حمد حسن، وشعبوية وصراخ الدكتور عبد الرحمن البزري، يبدو أنّ الضحية واحدة، في فضيحة التلقيح ضدّ كورونا، من بطولة عدد من النواب وعدد من فريق القصر الجمهوري… وهي المواطن اللبناني الذي يجد نفسه غارقًا في بحرٍ من أسئلة لا أجوبة عليها.
وزير الصحة يلتزم الصمت ورئيس لجنة التلقيح عبد الرحمن البزري بدا وكأنّه يسعى إلى تلقيح الثورة، ليكون المواطن أمام واقع واحد، وهو فقدان الثقة بكلّ هذه المنظومة، وحتّى باللجنة التي كانت رائدة في الإشراف على صحّة اللبنانيين خلال الأشهر الأخيرة.
كان يكفي البزري أن يُصدر بيانًا يرفض فيه ما حصل في مجلس النواب، بدلًا من مؤتمر صحافي يكرر فيه ما يقوله مرّات ومرّات، وكأنّه إعلان سياسي عن استقامة دوره التي عرفناها من كثرة مقابلاته التلفزيونية، واستعراضه الذي لم يتوقف لمعلوماته واختصاصه. مع الإشارة إلى أنّ الأهم في ما قاله، أنّه علم بما جرى في ساحة النجمة من المدير الإقليمي في البنك الدولي الذي تلقّى معلوماته من الصليب الأحمر الدولي. ومع الاعتراف أيضًا أنّ البنك الدولي اعتبر أنّ الخلل إذا ما تأكد يسهّل له تعليق تمويل اللقاحات.
“المسؤولون في مجلس النواب ومعهم وزير الصحة يتحمّلون مسؤولية ما حصل”، بهذه الكلمات يختصر النائب وهبي قاطيشا، أحد متلقّي اللقاح. يروي لـ”أساس” كامل التفاصيل ويقول: “لقد سجّلت اسمي في المنصة وجاءني جواب من وزارة الصحة بقبول التسجيل، بانتظار اتصال يُعلمني بموعد تلقّي اللقاح”.
وزير الصحة يلتزم الصمت ورئيس لجنة التلقيح عبد الرحمن البزري بدا وكأنّه يسعى إلى تلقيح الثورة، ليكون المواطن أمام واقع واحد، وهو فقدان الثقة بكلّ هذه المنظومة، وحتّى باللجنة التي كانت رائدة في الإشراف على صحّة اللبنانيين خلال الأشهر الأخيرة.
وأضاف: “مساء الاثنين تلقيتُ اتصالًا من مجلس النواب يُعلمني أنّ دوري بتلقّي اللقاح هو غدًا الثلاثاء في المجلس. هنا اعتقدتُ أنّ المجلس خصّص مكانًا للنواب لتلقّي اللقاح وفقًا للمنصة لأسباب أمنية، فذهبتُ في الموعد المحدد وكان هناك طبيب من وزارة الصحة وعناصر من الصليب الأحمر وتلقيت اللقاح”.
ويتابع النائب قاطيشا لـ”أساس”: “هناك خطأ قد وقع والمسؤول عنه هم المسؤولون في المجلس، ومعهم وزير الصحة. كان عليهم تنسيق الأمر مع الجهات المختصة دوليًّا ومحليًّا، كما أنّ هناك تضخيمًا للموضوع من قبل الدكتور عبد الرحمن البزري، الذي كما يبدو أنّه أراد لعب دور البطل… هناك خطأ قد وقع ومعالجته تكون بالحرص على عدم تكراره ومحاسبة من تسبب به، وليس بالشعبوية. نحن لم نرتكب جريمة. اتصلوا بنا كوننا مسجّلين على المنصة، وأعمارنا مناسبة وفقًا للبرنامج الموضوع، وليست مهمتنا كأيّ مواطن يتم استدعاؤه لتلقي اللقاح، الكشف على سجلات التلقيح كي نعرف من تلّقح ومن لم يتلقح”.
مصادر خاصة بـ”أساس” أشارت إلى أنّ “عملية تلقيح النواب جاءت عبر تنسيق ما بين رئاسة المجلس ورئيس لجنة الصحة البرلمانية النائب عاصم عراجي، ووزير الصحة حمد حسن. فتمّ الاتصال بالنواب كافة، إلّا إنّ بعضهم لم يتجاوب مع الدعوة كالنائب المستقيل سامي الجميل، الذي أشار إلى تلقّيه اتصالًا من المجلس بهذا الشأن، إلا أنه رفض كون عمره لا يدخل ضمن البرنامج الموضوع”. وتكشف المصادر لـ”أساس” عن “ضغوط تعرّض لها وزير الصحة للسير بالأمر”.
عدد من النواب الذين وردت أسماؤهم نفى تلقّيه اللقاح في المجلس. فأشار النائب ميشال موسى إلى تلقّيه اللقاح في وقت سابق كطبيب، عن طريق التسجيل في نقابة الأطباء وموافقة منصة وزارة الصحة. فيما النائب ألبير منصور أشار إلى أنّه تلقى اللقاح بناءً على جدول المنصة يوم السبت في الـ20 من الشهر الجاري في مستشفى رفيق الحريري في بيروت.
من جهته، رئيس اللجنة الوطنية للقاح كورونا الدكتور عبد الرحمن البزري، وبعد عدوله عن استقالته أوضح لـ”أساس”، أنّ “الخطة التي وُضعت لمكافحة كورونا، هي أهم خطة وُضعت في لبنان ولم نضع فيها أولوية سياسية، والهدف منها حماية المواطن والمجتمع، وإعطاء الموطن شعورًا بأنّ لبنان قادر في أسوأ الظروف، على القيام بما هو استثنائي”. وأعرب عن فخره ببرنامج المكننة لأنّه “صناعة لبنانية وهو من أفضل البرامج الموضوعة وقادر على المساعدة”.
وقدّم البزري اعتذاره “لكلّ مواطن لبناني عن هذا الخلل الكبير، وما حصل تجاوز غير مقبول، يجب ألا يتكرّر، وخرق لا نستطيع السكوت عنه، لأنّ هذا الخلل سيخلق خللًا آخر”، محمّلًا وزارة الصحة مسؤولية ما حصل “باعتبارها هي من أرسل اللقاحات إلى المجلس النيابي وهي من أعطى الإذن لإخراج اللقاحات”.
ويتابع البزري: “المجلس النيابي من المفترض أن يكون ممثلًا للشعب اللبناني، وبالتالي من المفترض أن يكون إلى جانب اللبنانيين في الاصطفاف في عمليات التلقيح بـ”الدور”، مثل بقية المواطنين. نحن شاهدنا شخصيات ونوابًا قدِموا إلى مراكز التلقيح وأخذوا دورًا لهم، معتبرًا أنّ “رجل الدولة الحقيقي هو الذي يتصرف مثل المواطن الطبيعي”.
وطالب البزري بتبرير الموقف: “في حال لم تُقدّم ضمانات بعدم تكرار الأمر، فلنا غدًا الأربعاء عند الساعة السادسة مساءً اجتماع لاتّخاذ خطوة. كنت في موقف حرِج بعد ما جرى وردّ الفعل المنطقي هو الاستقالة، لكنّ أعضاء اللجنة أثنوني عن ذلك”.
واستطرد البزري: “لقد عاهدت اللبنانيين أن تكون الخطة عادلة وشفافة، وعندما شعرت بخلل كبير تدخلت، والموضوع اليوم مبدئي ولا يُختصر بعدد النواب الذين تلقّوا اللقاح داخل المجلس”. ويشير إلى “أنّنا وضعنا استراتيجية واضحة لتلقيح المواطنين، وطلبنا من المسنّين المجيء إلى مراكز التلقيح، لذا ما حصل في البرلمان كان خللًا وسيزعزع ثقة المواطن بخطة التلقيح. ما حصل غيّر ميزان المعادلة ونريد تصحيح ما جرى لنعود ونعطي نسيمًا يتنشقه المواطن ليشعر إنّنا أعطينا نموذجًا صالحًا”.
وأشار البزري إلى أنّ المنصة يراقبها ديوان المحاسبة: “وهو يعرف من تسجّل على المنصة ومن دخل إليها، ونحن لا نطلب نوعًا من الإشراف الدولي على عملنا. نحن لم نترك الخطة من دون رقابة”.
ودعا إلى التمييز بين خللين: الأوّل خلل غير مقصود كالذي حصل في اليومين الأولين وكان نوعًا من التجربة (المنصة)، ووعدنا بتصحيحه، والثاني خلل مقصود كالذي حصل اليوم، وهو يسمى خللًا “مسؤولًا”.
وتوجه إلى اللبنانيين بالقول: “سنكون شفافين وسنتصدى لكلّ خلل آخر، وإذا كان من تأجيل لقرار استقالتي فهو من أجل التصدي”.
وكان مكتب رئيس الجمهورية ميشال عون قد أكّد تلقّيه اللقاح مع زوجته و 10 من أعضاء الفريق اللصيق والملازم للرئيس، الذين سجلوا أسماءهم وفقًا للأصول على المنصة الخاصة بالتلقيـح، من دون أن يعني ذلك أنّ التسجيل على المنصة يعطي الفريق الملاصق الحق بالتلقيح خارج المعايير المعتمدة كالسن أو الحالة الصحية الخاصة.
اللجنة الوطنية للقاح اجتمعت عند السادسة مساءً لاتخاذ القرار المناسب تجاه ما حصل: فهل يتجه رئيسها عبد الرحمن البزري إلى الاستقالة كما قال؟ أم أنّ ما حصل سيكون زوبعة في فنجان؟
ما هو مؤكد أنّ القرار الآن عند البنك الدولي الذي بناءً على ما سيتخذه من إجراءات سيُبنى على الشيء مقتضاه.