نشر السياسي الأميركي توماس فريدمان مقالاً تحليلياً في صحيفة “نيويورك تايمز” تحت عنوان “عزيزي جو، الأمر لم يعد يتعلق بالأسلحة النووية الإيرانية بعد الآن”، حذّر فيه من أنّ الشرق الأوسطالذي تركه الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن قبل 4 أعوام، أي عندما كان نائباً للرئيس باراك أوباما، “مختلف”. ونبّه الكاتب الأميركي من أنّ ما طرحه لا يتعلق بالاتفاق النووي الذي خرج منه الرئيس الأميركي دونالد ترامب أحادياً، متوقفاً عند اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده قبل أيام.
وكتب فريدمان قائلاً: “مع اغتيال عالم الذرة الإيراني وأهم مصمم للرؤوس النووية محسن فخري زادة، فمهمة الرئيس المقبل ستكون معقدة”. وفي هذا الإطار، كشف فريدمان عن “نصيحة” لبايدن وهي أن “يدرس ما حدث في الساعات الأولى من يوم 14 أيلول 2019، عندما أطلق سلاح الجو الإيراني 20 طائرة بدون طيار وصواريخ كروز دقيقة التوجيه باتجاه منشأة أبقيق”، واصفاً ما حصل بأنّه “كان لحظة فارقة”. وأضاف: “وحلقت الطائرات الإيرانية المسيرة والصواريخ على مستوى منخفض وبقوة حيث لم تكتشفها الرادارات السعودية أو الأميركية”.
وعلّق فريدمان: “شعر المحللون الإسرائيليون بالدهشة من القدرات التي أظهرتها إيران، وقالوا إن هذا الهجوم المفاجئ هو “بيل هاربر” الشرق الأوسط“، معتبراً أنّهم أصابوا في تقديرهم لأنّ “الشرق الأوسط الجديد تم تشكيله من خلال الصواريخ الإيرانية الموجهة بدقة وبرد ترامب وبرد إسرائيل ورد السعودية والإمارات”.
وأشار فريدمان إلى أن “هذا التحول الواضح في الموقف الأميركي (المقصود عدم اتخاذ ترامب قراراً بالرد) أدّى إلى ظهور أول عنصر جديد سيواجهه بايدن في هذا الشرق الأوسط الجديد – اتفاقيات السلام بين “إسرائيل” والإمارات العربية المتحدةوالبحرين – ومستوى جديد تماماً من التعاون الأمني السري بين “إسرائيل” والسعودية والتي من المرجح أن تزدهر في علاقات أكثر رسمية قريبًا”، بحسب ما كتب.وتابع فريدمان مشيراً إلى أنّ ترامب عمد بعد أسابيع إلى إرسال 3.000 جندي أميركي وبعض البطاريات المضادة للصواريخ إلى السعودية في محاولة لتقوية دفاعاتها وبرسالة في 11 تشرين الأول في 2019، قال ترامب: “سنرسل قوات وأمورا أخرى إلى الشرق الأوسط لمساعدة السعوديين ولكن هل أنتم مستعدون؟ ووافقت السعودية بناء على طلب مني على دفع كلفة كل شيء سنقوم به، وهذا أولا”.وهنا، قال الكاتب إن “ترامب أجبر “إسرائيل” والدول العربية “السنية” الرئيسية على أن تصبح أقل اعتمادًا على الولايات المتحدة، وأن تفكر في كيفية التعاون فيما بينها بشأن التهديدات الجديدة – مثل إيران – بدلاً من القتال من أجل القضايا القديمة – مثل فلسطين”.
واعتبر أن ذلك “قد يمكّن أميركا من تأمين مصالحها في المنطقة بأقل تكلفة مادية وبشرية، وقد يكون هذا الإنجاز الأكثر أهمية في السياسة الخارجية لترامب. لكن النتيجة الرئيسية هي أنه بينما يدرس بايدن إعادة المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، عليه أن يتوقع أن يجد “إسرائيل” والسعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدةتعمل كتحالف مناهض لإيران. يكاد يكون من المؤكد أن هذا سيُعقّد الأمور بالنسبة لبايدن”.
وأما الأثر الثاني لهجوم أبقيق بالنسبة إلى “إسرائيل“، فتناول بايدن تخلي إيران عن التزاماتها لتقييد مستويات تخصيب اليورانيوم التي يمكن استخدامها في بناء قنبلتها النووية بعد انسحاب ترامب من الاتفاق.
وأضاف فريدمان: “تريد “إسرائيل” والدول العربية “السنية” التأكد من أن إيران لن تتمكن من تطوير سلاح نووي. لكن بعض الخبراء العسكريين الإسرائيليين سيقولون لك اليوم أن احتمال امتلاك إيران سلاحًا نوويًا ليس هو ما يبقيهم مستيقظين طيلة الليل – لأنهم لا يرون أن طهران تستخدمها لأن ذلك سيكون انتحاراً والزعماء الدينيون في إيرانليسوا انتحاريين”.
وتابع أن “ما يقلقهم هو أسلحة إيران الجديدة المفضلة أي الصواريخ الدقيقة التي استخدمتها ضد السعودية والتي تواصل محاولة تصديرها إلى وكلائها في لبنان واليمن وسوريا والعراق، مما يشكل تهديدًا قاتلاً فوريًا لـ”إسرائيل” والسعودية والإمارات والعراق والقوات الأميركية في المنطقة”.
وأكد أنه “إذا حاول بايدن استئناف الاتفاق النووي الإيراني كما كان – وتخلى عن النفوذ الذي تمنحه إياه العقوبات الاقتصادية القاسية على إيران قبل التوصل إلى بعض التفاهم بشأن تصديرها للصواريخ الموجهة بدقة، سيواجه الكثير من المقاومة من الإمارات والسعودية”.
وهنا تساءل فريدمان: “لماذا أصبحت صواريخ إيرانالدقيقة مهمة؟”.
ويوضح فريدمان أنّ السبب في ذلك يعود إلى عدوان تموز في العام 2006، عندما أطلق “حزب الله” نحو 20 صاروخًا غير موجه على أمل تدمير هدف إسرائيلي واحد، قائلاً: “لكن مع وجود صواريخ دقيقة التوجيه يمكن لحزب الله استهداف إسرائيل وبنيتها التحتية وقواعدها العسكرية بسهولة”.
ويكشف فريدمان أن تلك الصواريخ هي السبب في حرب “الظل” التي تخوضها إسرائيل ضد إيران على مدى الخمس سنوات الماضية لمنع الأخيرة من تحقيق هدفها بتطويل الأولى عبر وكلائها في المنطقة، بتصدير صواريخها الموجهة بدقة.
من جانبه، يقول كريم سجادبور الباحث في معهد كارنيغي، إنه “بالتفكير في الفرق بين الهواتف القديمة والهواتف الذكية، يمكنك أن تفهم النتيجة”، موضحًا أنه “على مدى عقدين استنفذنا كل الجهود لمنع إيران الحصول على سلاح كبير، لكن الأسلحة الذكية الصغيرة التي تنتجها إيران أصبحت هي التهديد الحقيقي لجيرانها. ولهذا السبب فلا تريد إسرائيل وحلفاؤها في الخليج أن تتخلى أميركا عن نفوذها، المتمثلة في العقوبات المتعلقة بالملف النووي قبل أن تحصل على التزام إيراني بالتوقف عن تصدير هذه الأسلحة الدقيقة لوكلائها، وستجد إدارة بايدن صعوبة في التفا