منير الربيع – المدن
معركة عون الناجحة
فالمرسوم الموعود الذي أرسلته الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلى رئاسة الجمهورية، أعاده الرئيس ميشال عون إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، طالباً إقراره في جلسة حكومية. ويعلم عون أن الحكومة في حال تصريف أعمال، ولا يمكنها أن تجتمع. وبإعادته المرسوم استند على رأي هيئة التشريع والاستشارات، التي رأت ضرورة أن تقره الحكومة مجتمعة.
ورئيس الحكومة حسان دياب يرفض حتى الآن عقد جلسة للحكومة. ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لا يوافق على المرسوم ولا يريد توقيعه. وفي حال لم تقره حكومة دياب، ولا حكومة الحريري بعد تشكيلها، يكون توقيع رئيس الجمهورية غير ملزم، وبالتالي يسقط المرسوم.
وهكذا خاض عون معركة نجح فيها بإحراج خصومه جميعاً، وإلزامهم بالتوقيع. ولكن لا بد من السؤال: بما أنه خاض معركة شرسة لإجبارهم على توقيع المرسوم تحت وطأة اتهامهم بالخيانة، فلماذا لم يوقعه هو؟ ألم يكن على علم بأنه يحتاج لأن يصدر عن مجلس الوزراء؟ هو بالتأكيد يعلم، لكنه ألزم الجميع بالتوقيع وأمسك بالورقة، ثم رماها في ملعب الحكومة. وهو يصر على إقرارها من مجلس الوزراء لانتزاع قرار جامع.
ولكنه في بيان مكتب الرئاسة ترك الباب مفتوحاً أمام حصول أي تطور، إذ يقول البيان: “لرئيس الجمهورية أن يحدد ما يرتئيه الأفضل لحفظ سلامة الوطن. وهو مؤتمن على ذلك في الدستور والقسم، ويدعو اللبنانيين إلى الوثوق بقوة الموقف اللبناني ويقول لهم: تأكدوا أن الأمور لن تجري إلاّ بما يؤمّن كامل حقوق لبنان براً وبحراً”.
في انتظار هيل
ماذا تعني هذه الجملة؟ تعني أن عون، عندما تقتضي حاجته، يمكنه توقيع المرسوم، ولا ينتظر إقراره في الحكومة. وهو قادر على فعل ذلك. وهذا ما تعنيه جملة “لرئيس الجمهورية أن يحدد ما يرتئيه الأفضل لحفظ سلامة الوطن”.
ولجأ عون إلى هذه الصيغة في توقيت هام وحساس: زيارة ديفيد هيل إلى لبنان. ولا يمكن فصل خطوة عون، وسواه من السياسيين اللبنانيين، عن حسابات سياسية مضمرة. والمعروف أن عون يريد تحسين وضعه الدولي، وتعويم صهره، وخصوصاً مع الولايات المتحدة الأميركية. وباب التفاوض مع هيل مفتوح خلال زيارته. وفي حال نجح عون في تحقيق اختراقات ونقاط لصالحه، يبقى المرسوم في أدراج مجلس الوزراء ولا يُقَّر. أما في حال كانت حصيلة زيارة هيل سلبية بالنسبة إلى عون ولم يستطع تحقيق ما يريده منها، فيستطيع أن يعمد إلى التصعيد والتلويح بتوقيع المرسوم.
وهذا فيما يتهم المقربون من رئيس الجمهورية من يرفضون توقيع المرسوم بأنهم إما يخشون من فرض عقوبات أميركية عليهم، أو يقدمون التزامات إلى واشنطن لتحسين ظروفهم السياسية. ويردّ خصوم رئيس الجمهورية بأنه هو حوّل هذا الملف الأساسي والحساس إلى ورقة تفاوض وابتزاز داخلية وخارجية.
التهريج اللبناني
ولن ينتهي هذا السجال، وينعكس سلباً على واقع لبنان. ففي حال فُرض على عون التصعيد، فإنه سيشنّ حملة سياسية وإعلامية قاسية على حكومة تصريف الأعمال ورئيسها، ويتهمهم بالخيانة ما لم يعقدوا جلسة لإقرار المرسوم.
المشكلة الأكبر في هذه الحسابات، هي الصورة التي يقدمها الساسة اللبنانيون عن أنفسهم وعن بلدهم للخارج. وكان يراد من المرسوم تعزيز وحدة الموقف الداخلي، وتقوية موقف لبنان في المفاوضات مع الأميركيين والإسرائيليين. ولكن ما جرى يؤدي إلى نتائج عكسية. وربما أول ما سيقوله هيل للبنانيين: “عليكم أن تعالجوا خلافاتكم أولاً، وفيما بعد تتحدثون عن التفاوض”.
وكالعادة يرى المجتمع الدولي السلوك اللبناني مدعاة للغرابة، قائلاً: كيف نتعامل مع دولة غير قادرة على إقرار مرسوم بطريقة قانونية أو دستورية، وتغيّر مواقفها في كل وقت؟!
وستستذكر القوى الدولية الخلافات التي حصلت حول آلية توزيع قرض مساعدات إنسانية من البنك الدولي. وهي خلافات لا تزال مستمرة حتى اليوم. ولا بد لتلك القوى من أن تتساءل: هل هؤلاء السياسيون قادرون على حماية حقوق لبنان وحدوده وثرواته؟
للوقت أهمية استنثائية في هذه المعضلة. ففي قوانين الشركات التي تعمل في مجال التنقيب عن النفط، هناك مهلة معينة للاعتراض. وهناك بند تضعه الشركات بأنها لا تتحمل أي مسؤولية أي اعتراض يصدر عن أي جهة، بعد بدء عمليات الحفر.
وكان الهدف من المرسوم هو الضغط على هذه الشركات كي لا تبدأ بعمليات التنقيب، بما أن المنطقة التي يفترض أن يبدأ العمل فيها هي منطقة نزاع. والمقصود هنا حقل كاريش.
لبنان في سباق مع الوقت. أما القوى السياسية ففي سباق على تجميع أوراق مصالحهم السياسية. المرسوم أمام أيام مفصلية حتماً، ترتبط بزيارة ديفيد هيل ونتائجها.